شاركت محافظة السويداء، وجبل العرب بكليته في الحراك الوطني السوري الثوري المنطلق منذ أواسط شهر آذار/ مارس 2011. عندما قرر السوريون أن يتحركوا في مواجهة الطغيان الأسدي، ويلتحقوا بالموجة الأولى من موجات الربيع العربي. والسويداء كما هي حال كل المحافظات السورية عانت الكثير من جراء القمع وكمّ الأفواه، كسياسة متبعة من قبل نظام آل الأسد منذ 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 1970 وحتى يومنا هذا. ولعل بعض الخصوصية في السويداء، هو ما جعل تحركاتها تتميز بالحراك المدني إلى حد كبير، وهو أيضًا ما دفع نظام الأسد ليتبع معها سياسة أمنية مختلفة نسبيًا عن باقي المحافظات، لكن حالة الفوران والانتفاض على ممارسات النظام وأجهزته كانت وعلى الدوام هي الحالة العامة التي لا تنقطع أبدًا في كل مدن وأرياف المحافظة.
ولعل ما جرى مؤخرًا من حراك مدني وعسكري في السويداء، وهو الذي أدى إلى اقتلاع إحدى عصابات النظام، أو بعضٍ منها، كليّة، من مقارّها وأماكن تمركزها وتغوّلها على أهالي السويداء، هو ما ميّز المشهد السياسي والاجتماعي في المحافظة، وما لفت الأنظار من جديد إلى انبثاقات جديدة في مجمل الموقف الشعبي الوطني لأهالي السويداء، وأعاد المسألة إلى بداياتها، وأهمية الالتفاف الشعبي الكبير، حول بعض الفصائل العسكرية التي ما برحت تمثل حالة الغليان الشعبي، وهي التي ما زالت تسير على نهج الشهيد (البلعوس) الذي عمل النظام السوري على تصفيته منذ سنوات، في محاولة منه لكبح جماح النهوض الشعبي والالتفاف الوطني الجامع حول حركته، حركة رجال الكرامة، التي يسجل التاريخ لها أنها من الحركات الأهم التي رفضت تجنيد أهالي السويداء في جيش النظام، ومن ثم المشاركة غير المقبولة في قتل الشعب السوري، عبر سياسات النظام في المقتلة الأسدية المستمرة.
لقد أراد نظام الأسد أن تعم الفوضى في المحافظة عبر زرع وإنشاء كثير من العصابات، كان أهمها عصابة (راجي فلحوط) التابع للأمن العسكري للنظام، والتعدي على كرامات الناس، والخطف، وطلب المال مقابل ذلك، واختراق العديد من تحركات السوريين في السويداء، والترويج والمتاجرة والتصنيع للمخدرات، وهو ما وجده المقتحمون في مقر (فلحوط) بعد فراره، وسيطرة رجال الكرامة عليه، فقد كان (فلحوط ) ومن معه أداة من أدوات إيران وحزب الله والنظام ليكون مصنِّعًا ومروجًا وأداة عبور للمخدرات التي تأتيه من البقاع اللبناني عبر عناصر حزب الله، ويقوم بتصنيعها وإرسالها عبر الحدود مع الأردن إلى كل بقاع الدنيا، وأهمها السوق الخليجي.
وبالفعل فقد استطاع النظام السوري عبر أدواته هذه أن يخرب الكثير من بنية المجتمع الوطني السوري في السويداء، وأن يجذب بعضاً من أصحاب المصالح والنفوس المهترئة، إلى حيز العمل العصاباتي، لتكون أدوات النظام هذه، كفروع له في وسط جبل العرب، وصولاً إلى الاقتتال الداخلي لو أمكنه ذلك، والارتباط بأجهزة النظام وفروعه الأمنية، وهو الذي ما برح يفعل سلبًا وعسفًا داخل تركيبة المجتمع في السويداء، ولن ينسى أهالي السويداء أبدًا ما فعله بهم هذا النظام عندما عقد الصفقة مع تنظيم (داعش) في (مخيم اليرموك والحجر الأسود) وأتى بهم بالباصات المكيفة وأسلحتهم، ورماهم بالصحراء على تخوم محافظة السويداء، ليعيثوا فسادًا ويمارسوا القتل والنهب ضد قرى السويداء، وهو ما أدى إلى سقوط العشرات من الشهداء والمخطوفين من جراء ذلك، وصولًا إلى الانتفاضة الجماهيرية الكبرى التي أدت إلى طرد داعش من أطراف السويداء، وإفشال المخطط الأسدي ضد أهالي السويداء.
ويبقى السؤال هل يمكن أن تكون انتفاضة أهل السويداء الأخيرة ضد عصابات تابعة للأمن العسكري السوري، والقضاء على مجموعة (راجي فلحوط) نهاية لحالة الفلتان الكبرى في السويداء؟ أم أنها البداية لما هو أبعد وأكثر جذرية في ذلك، إذ ما زال كثير من أذرع وعصابات النظام السوري موجودة هناك بألف لبوس ولبوس؟ وواقع الحال يقول:
- إن النظام السوري لم ييأس بعد، وما زال أمامه كثير من الأدوات العصاباتية التابعة له ليمارس عبرها سياساته التخريبية في المحافظة، واستمراره في تجارته الرابحة، وهي الكبتاغون وتصنيعه والترويج له.
- وما يزال هناك حالة من التشتت والتذرر والتشظي كسمة من سمات تجمعات وتشكيلات العمل العسكري المستولدة عن رجال الكرامة، والتي لم تتمكن أن تتوحد في مواجهة طغيان عصابات الأسد حتى الآن، وقد يكون أحد عوامل تمكن الفلحوط من الفرار هو هذا التشظي والتذرر.
- كما أن لمواقف رجال الدين والعقل في السويداء غير المنسجمة بعضها مع بعض، والذي تتدخل فيه عبر كثير من الحالات مسائل تتعلق باستطالات الأجهزة الأمنية السورية، وعلاقات المصالح التي تربط بعض مشايخ العقل، وليس كلها، بالأجهزة الأمنية هو ما يحول دون استطاعة أهالي السويداء، من اتخاذ الموقف الأصح في مواجهة قوى الأمر الواقع والعصابات التابعة للنظام.
- علاوة على أن ضعف الحراك الجدي للقوى الوطنية المدنية المعارضة في السويداء، وعدم انسجامها بعضها مع بعض، واختلاف أجنداتها ومواقفها بين التشدد والليونة، هو ما سيُسهم أيضًا في لجم إمكانية الاتحاد والحراك الشعبي السوري هناك؟
- يضاف إلى ذلك تذبب المواقف العامة لانتفاضات أهالي السويداء بين الثورة على النظام والدعوة إلى إسقاطه، أو العمل من أجل تحسين أوضاع الناس، وتأمين الحاجات الضرورية لتكون الانتفاضات مطلبية في كثير من حالاتها.
لكن وفي كل الأحوال فإن محافظة السويداء كانت وسوف تبقى تلك المحافظة الثائرة على الظلم والعسف الأسدي، وتعرف سجون سوريا ومعتقلاتها كم ضمت بين جوانبها وأقبيتها الكثير من رجالات السويداء المعارضين والمنتفضين والرافضين لسياسات آل الأسد وكل أدواره السياسية والأمنية في سوريا وما حولها.
لأن النظام سوف يحاول باستمرار اختراق هذه المحافظة لما يمتلك أهلها من خصوصية ووعي حقيقيقي، وهو ما جعل من سياسة النظام تتميز بالحذر والحيطة تجاه هذه المحافظة. وذلك بالنظر إلى ماهية وخصوصية السويداء، من حيث بنيتها وتكوينها الاجتماعي والديني، لكن شعب السويداء ونخبها تحاول منع النظام من تنفيذ أجنداته التي تستهدف المجتمع في السويداء، وإذا ما نجحت المحافظة في منع محاولات الاختراق الداخلية، وأيضًا الحدّ من سلطة آل الأسد وأجهزته في المحافظة فإن ذلك سوف يترك آثاره لصالح مجمل وعموم سوريا، وليس في السويداء فقط لأنه يعني بالضرورة إضعافاً لهذه السلطة سياسيًا وأمنيًا ومعنويًا.
من هنا فإن المتوقع أن يكون ما حصل من عمليات كنس عصابات (فلحوط) هي البداية وليست النهاية، فما زال هناك أمام قوة رجال الكرامة والأهالي في السويداء المنتفضين الكثير ليفعلوه في ظل وجود نظام أمني مخابراتي لن يألوَ جهدًا في إعادة تخريب بنية المجتمع في السويداء، وفي كل أصقاع سوريا. فهل يستطيع أهالي السويداء أن يتابعوا ذلك ضمن هذه الحالة من الصعوبة والتغول الأسدي؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا