جاءت أغلب المواقف الدولية بخصوص الاستفتاء على الدستور التونسي الجديد ناقدة وقلقة ومعبرة عن مخاوف، ما يعكس توجه البلاد نحو مزيد من العزلة الدولية.
وعلى عكس الانتخابات الماضية لم تصل إلى تونس تهنئات من جهات دولية كما جرت العادة، وإنما تهاطلت البيانات المنتقدة التي تلتقي كلها حول عدد من النقاط، أبرزها المخاوف من ضرب الحقوق والحريات، واختلال توازن السلطات، وضعف المشاركة، بما يعني عدم وجود شرعية شعبية لنتائج الاستفتاء.
وطبعا حظي موقف الولايات المتحدة باهتمام كبيرة، وخصوصا أنه جاء في أكثر من تصريح وبيان خلال الأيام الثلاثة الماضية، كان آخرها بيان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي أكد أن بلاده “تساند بقوة المنظومة الديمقراطية في تونس وتطلعات شعبها إلى مستقبل آمن ومزدهر”.
وأوضح “لقد اتسم استفتاء تونس على الدستور يوم 25 يوليو بتدني نسب مشاركة الناخبين. نشاطر العديد من التونسيين انشغالهم من أن المسار المنتهج في صياغة الدستور الجديد قد قيّد مجال النقاش الحقيقي وأن الدستور الجديد يمكن له أن يضعف الديمقراطية في تونس ويَحُط من احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية”.
ودعا بلينكن إلى “قيام عملية إصلاح جامعة شفافة، وهو أمر جوهري للشروع في استعادة ثقة الملايين من التونسيين الذين لم يشاركوا في الاستفتاء أو عارضوا الدستور الجديد. ونحث بوجه خاص على أن يتم سريعا إقرار قانون انتخابي جامع من شأنه أن ييسر أوسع مشاركة ممكنة في الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في شهر ديسمبر (كانون الأول)، مشاركة تشمل من عارض أو قاطع الاستفتاء على الدستور”.
وانتقد الوزير ما “شهدته تونس على مدار العام الماضي من تراجع مفزع عن المعايير الديمقراطية، أبطل العديد من المكاسب التي قدّم من أجلها التونسيون التضحيات منذ عام 2011”.
ومضى قائلا: “تتخذ الشراكة بين الولايات المتحدة وتونس أقوى وأمتن صورها عندما يكون هناك التزام مشترك بالديمقراطية وحقوق الإنسان”.
أيضاً، اعتبر الاتحاد الأوروبي أنّ نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور المقترح “ضعيفة”، مشيراً إلى أن “التوافق الواسع بين مختلف القوى السياسية بما في ذلك الأحزاب السياسية والمجتمع المدني يعد أساسياً لنجاح مسار يحافظ على المكاسب الديمقراطية”.
وأشار الاتحاد الأوروبي في بيان نشره على موقعه، الأربعاء، إلى أن “هذه المكاسب ضرورية للإصلاحات السياسية والاقتصادية المهمّة التي ستجريها تونس، كما أنّ شرعية هذه الإصلاحات وديمومتها مرتبطتان بهذا التوافق”.
وأكد من جهة أخرى على أن الاتحاد سيواصل متابعة التطوّرات في تونس عن كثب، وسيظلّ إلى جانب الشعب التونسي ومتابعة حاجياته في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به البلاد.
والأربعاء، أفاد اللورد البريطاني ووزير الدولة المكلف بالشمال الأفريقي طارق أحمد، في بلاغ له، أن “بلاده تعترف بدعوات التغيير التي أعقبت الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد بتونس، وهو الموقف الذي تتقاسمه مع شركائها الأوروبيين والأميركيين”، ملاحظا “نسبة الإقبال الضعيفة على المشاركة وغياب المسار الشامل والشفاف”، على حد وصفه.
ودعا اللورد البريطاني إلى أن “يشمل المسار كافة الأحزاب ومختلف مكونات المجتمع المدني والنقابات والإعلام لتأثيث حوار يمكن من مجابهة التحديات التي تواجهها تونس، وتكريس إصلاحات جوهرية ودائمة للمؤسسات”.
وطالب الوزير البريطاني الدولة التونسية بـ”ضرورة احترام مبدأ التفريق بين السلطات وتكافؤها، بهدف إعداد قانون انتخابي شامل وشفاف يجسد احترام الحقوق والحريات الأساسية”.
وأمس الخميس، نشرت وزارة الخارجية الكندية فحوى محادثة بين وزيرتها ميلاني جولي، ووزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، لم تنشر الخارجية التونسية أهمها، وأكدت خلالها الوزيرة أن “القمة الفرنكوفونية ينبغي أن تعقد في بلد يجسد، في الأقوال وفي الأفعال، مبادئ إعلان وبرنامج عمل باماكو، وأيضاً قيم الفرنكوفونية، وبالخصوص الديمقراطية وحقوق الإنسان”، وعرضت دعم كندا من أجل انتقال ديمقراطي مثمر في تونس.
وكانت الأمم المتحدة قد ذكرت، الأربعاء، أنها “ستراجع دستور تونس الجديد”، معربةً عن استعدادها الدائم لدعم البلاد “في مواجهة أي تحديات”، وذلك بحسب ما جاء في مؤتمر صحافي عقده نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، في المقر الدائم للأمم المتحدة بنيويورك.
والأربعاء أيضا، وصفت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها، الدستور بـ”المعيب، بما يفكك أو يهدد الضمانات المؤسساتية الرئيسية لحقوق الإنسان”، معتبرة أنه “يزيل الحماية عن المدنيين من المحاكمات العسكرية، ويمنح السلطات سلطة تقييد حقوق الإنسان أو التراجع عن الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان”.
في مقابلة حصرية مع “دوتشي فله” الألمانية، الثلاثاء، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البوندستاغ توبياس باشيرله إن “الاستفتاء على الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس التونسي قيس سعيّد غير شرعي ويشكل تراجعًا للديمقراطية”.
وتابع “جاء ذلك في وقت تم فيه حل البرلمان ولم تشارك المعارضة أو المجتمع المدني في مشروع الدستور”، وأردف بالقول: “وحتى رئيس لجنة صياغة الدستور في تونس قال لاحقاً إن هذا الدستور ليس له علاقة بما كتبوه، لهذا أجد أن هذا الاستفتاء نفسه غير شرعي، كما أنني لا أرى أي أساس لمثل هذا الشيء في الدستور التونسي الحالي”.
وتشير أغلب هذه المواقف إلى أن هذه الدول ستعيد تقييم علاقاتها مع تونس على الأسس التي أوضحتها.
ويفسر الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني أنه “من الجدير التذكير بأن المواقف الدولية مرتبطة بميزان المصالح والقوى وخاضعة لمصالح متباينة، والأكيد أن تونس دخلت قبل عقد من الزمن نادي الدول الديمقراطية الذي يعطي حقوقا ويفرض واجبات، وقد أخذت تونس من الحقوق ما يناسب وضعها، سواء كان دعما ماليا أو إشادة بين الدول وسمعة حسنة”.
ويضيف “بالنسبة للواجبات من فصل للسلطات وسيادة للمؤسسات، فقد تأخر الوفاء بها، وهو ما جعل القلق يساور عددا من القوى الدولية والإقليمية، منها على سبيل الذكر ما يترجم إلى قلق عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي وتبرم واضح على لسان وزيرة الخارجية الكندية وعلى لسان الرئيس الجزائري في تصريحه الشهير من روما بأن تونس في أزمة.. بقطع النظر عن الإشادة التي حظي بها استفتاء قيس سعيد على دستوره من وفد جامعة الدول العربية، وهي إشادة يمكن أن نقرأ أثرها العكسي الذي تجلي في غياب الترحيب”.
وقال الجويني، لـ”العربي الجديد”: “يبقى من المهم التذكير بأن مواقف الدول والقوى الكبرى ليست محكومة فقط بالوقوف مع الديمقراطية والحكم المدني وحقوق الإنسان، ولكنها محكومة أيضا بعاملين أساسيين: أولا ردة فعل الشعوب على حكامها، وثانيا تقاطع مصالح هذه الدول، سواء منها الأمنية أو الاقتصادية، مع الأنظمة القائمة”.
واعتبر أنه “في النهاية لا يعدو الإنجاز الذي يحسب لمنظومة 25 يوليو إلا أن يكون نكسات ثلاث، أولا الرجوع إلى حكم فرعوني دكتاتوري لا يسأل عما يفعل، ثانيا تدمير أنوية المؤسسات وتوازي رقابة السلطات على بعضها ورقابة المجتمع المدني عليها، وثالثا زيادة تفاقم أزمة اقتصادية طاحنة إلى أخرى سياسية قائمة سلفا”.
ويطرح الجويني عددا من الأسئلة المهمة: “هل سينجح قيس سعيد ومن يقف وراءه/في صفه، في طمأنة الداخل فضلا عن الخارج؟”، ويمضي إلى القول إن “الإجابة لن تتأخر سواء من صندوق النقد الدولي أو شركاء تونس التقليديين بعيدا عن أوهام الشعبوية التي تريد وهي لا تعرف حقا ما الذي تريد، سواء في حديثها عن مفهوم السيادة أو مصطلح إرادة الشعب أو الفساد”.
المصدر: العربي الجديد