“قسد” بين مطرقة التنسيق مع دمشق وسندان الموقف الأميركي الضعيف

عبدالله سليمان علي

تتسارع التطورات الميدانية والعسكرية في المشهد السوري عشية انعقاد القمة الثلاثية للدول الضامنة لمسار آستانا (روسيا، إيران وتركيا) المزمع  عقدها في طهران يوم الثلثاء القادم. وفي الوقت الذي أعلن فيه الجنرال مظلوم عبدي قائد “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) التنسيق مع قوات الجيش السوري للوقوف في وجه أي عملية عسكرية تقوم بها تركيا على الشريط الحدودي، برزت مؤشرات الى وجود سوء تنسيق بين “قسد” والجانب الأميركي رغم تأكيد واشنطن رفضها أي مغامرة تركية جديدة ضد المناطق التي جرى تحريرها من تنظيم “داعش”. فهل يدخل تلويح “قسد” بالتنسيق مع دمشق في إطار الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أكثر قوة من التهديد التركي أم يشير إلى صراع بين أجنحة “قسد” بدأ فيها الجناح الذي يراهن على دمشق وإيران بإحراز نقاط لمصلحته؟.

وواصل الجيش السوري إرسال تعزيزات جديدة إلى محيط مدينة منبج التي تعتبر هدفاً أولياً للعمل العسكري الذي تهدد به أنقرة منذ قرابة شهرين. وذكرت مصادر ميدانية أن ست حافلات تحمل ما يقارب الـ300 عنصر من القوات الحكومية دخلت من معبر التايهة واتجهت صوب خطوط الجبهات في منبج. وأعقب وصول الحافلات المحملة بالجنود، وصول ست دبابات محملة على شاحنات برفقة طائرة مروحية. وذلك بعد أيام قليلة من انتشار مئات الجنود السوريين على خطوط التماس بين القوات الكردية من جهة وقوات “الجيش الوطني” السوري الممول تركياً والقوات التركية المنتشرة في المناطق المستهدفة من جهة ثانية.

وتأتي هذه التعزيزات في إطار التفاهمات الأخيرة بين “قوات سوريا الديموقراطية” والحكومة السورية وبضمانة روسية لنشر قوات حكومية على طول خطوط الجبهة الممتدة من قرية الهوشرية شمال شرقي منبج وصولاً إلى ناحية العريمة غربي مدينة منبج.

وكان القائد العام لـ “قسد” أكد في مؤتمر صحافي عقده قبل أيام أن “قسد” قبلت تعزيز نقاط الجيش السوري في عين العرب ومنبج، وكذلك مناطق حدودية ليقوم بمهمته في حماية الحدود السورية و”سنقوم بما يلزم لتجنيب الحرب على مناطقنا”، وذلك وفق ما ذكرت مصادر إعلامية معارضة.

وأضاف: “لدينا ثقة بأن روسيا وإيران لن توافقا على مطالب تركيا”، واصفاً جهود واشنطن بأنها “غير كافية للحد من الهجمات التركية”.

انتقاد “قسد” العلني لموقف واشنطن الضعيف إزاء التهديدات التركية جاء في أعقاب مواقف متضاربة سادت في صفوف الأكراد جراء موافقة أنقرة على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”، حيث ذهب “حزب العمال الكردستاني” إلى اعتبار الخطوة بمثابة ضوء أخضر من “الناتو” لتركيا للمضي قدماً في تهديداتها ضد الكرد، وقالت لجنة العلاقات الخارجية في الحزب إن “مساعي توسيع حلف الناتو جاءت بمثابة إعلان العداء ضد الشعب الكردي”، وذلك في بيان صدر أواخر الشهر الماضي.

في المقابل قلل رئيس الاتحاد الديموقراطي المنتخب حديثاً صالح مسلم، من أهمية الخطوة معتبراً أنه “يمكن أن تكون هناك تغييرات؛ كالموضوع الأوكراني، وما يحصل في سوريا والشرق الأوسط والتغييرات الحاصلة. فمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي بدأوه منذ 2001، من يقوم به هو “الناتو”، ليس هناك في خطط “الناتو” أي عداء للأكراد، إن كان هناك شيء من هذا القبيل سيجعله أعرج، ولن يستطيع إنجاح عمله في مقارعة الإرهاب”.

وتشير هذه القراءات المختلفة لخطوة أنقرة المتمثلة بالموافقة على توسيع “الناتو” وتحديد مدى خطورتها على الواقع الكردي، إلى مدى الانقسام الحاصل ضمن صفوف حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يعاني منذ سنوات جراء سعيه إلى الالتزام بالمطالبات الأميركية التي تريد فك الارتباط القائم بين الحزب الكردي السوري وقيادات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل. ويعتبر مظلوم عبدي من أبرز قادة “قسد” الراغبين في تلبية الشروط الأميركية بينما يعتبر جميل بايك رئيس الجناح الرافض لهذه الشروط.

وقد يكون جناح “العمال الكردستاني” الذي تشير معلومات متداولة أنه هو الذي يهمين سراً على قرار “قوات سوريا الديموقراطية”، قد وجد في الموقف الأميركي الضعيف إزاء التهديدات التركية ثغرة من أجل التسلل منها لتجديد تفاهماته السابقة مع كلّ من دمشق وطهران، وهو ما تجلى عملياً في التفاهمات العسكرية التي تحدث عنها عبدي أخيراً.

ولكن هذا لا يعني أن عبدي موافق تماماً على هذه التفاهمات أو يسعى إلى تطويرها لتحويلها إلى غرفة عمليات مشتركة، بل ترى مصادر كردية أن مظلوم عبدي الذي يعاني من صراعات داخلية شديدة مع قادة العمال الكردستاني لا يمانع في القيام بخطوات جدية على مسار التنسيق مع دمشق من دون المساس بالخطوط الحمر الأميركية، وذلك بغية توجيه رسالة إلى واشنطن بأن الموقف داخل “قسد” قد يتغير وقد تجد واشنطن نفسها تخسر حليفها الأول في محاربة تنظيم “داعش” على الأرض.

ويبدو أن واشنطن بدأت التقاط رسائل الضغط هذه والعمل على التجاوب معها بما لا يضر بسياسة التوازن التي تنتهجها في التعامل مع منطقة شرق الفرات وخصوصاً لجهة عدم تجاهل المصالح التركية.

وقالت مساعدة وزير الدفاع الأميركي دانا سترول في منتدى نظمه “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن الأربعاء، أن “البنتاغون أعلن معارضته الشديدة لأي عملية تركية في شمال سوريا، وأنه تم إيضاح اعتراضنا لتركيا”. وقالت إن “تنظيم (داعش) سيستغل هذه العملية من أجل أعادة تقوية وجوده”.

وكان المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس قال رداً على أسئلة الصحافيين خلال مؤتمر صحافي قبل أسبوع، إن “موقف واشنطن من العملية واضح، وسبق أن أعلنته في العديد من المناسبات منذ طرح احتمال شنّ أنقرة لعملية عسكرية في شمال سوريا”. وأضاف: “لقد أكدنا أننا نشعر بقلق عميق بشأن المناقشات حول النشاط العسكري المتزايد المحتمل في الشمال السوري، ولا سيما تأثيرها المحتمل في المدنيين هناك”.

ولم تكتفِ واشنطن بالتصريحات الصادرة عن مسؤوليها بل اتخذت بعض الإجراءات الميدانية التي من شأنها أن تؤكد بعض الجدية التي تشوب مواقفها الرافضة للعملية التركية وذلك في محاولة على ما يبدو لتعزيز موقف مظلوم عبدي في مواجهة صقور حزب العمال الكردستاني الذين يضغطون باتجاه تعزيز التفاهمات مع دمشق.

ودخل رتل أميركي مؤلف من مدرعات عدة صباح الجمعة الى ريف الرقة الشمالي وضم بين 25 و30 جندياً. وأوضحت مصادر إعلامية سورية معارضة، أن القوات الأميركية غايتها إنشاء قاعدة عسكرية في محيط مدينة الرقة وبدأت نقل المعدات اللوجستية الى محيط الرقة تزامناً مع تحليق مكثف لطائرات التحالف الدولي “الاستطلاعية” في سماء المنطقة.

وأشارت المصادر الى أن رتلاً عسكرياً كبيراً للجيش الأميركي دخل إلى مقر الفرقة 17 الواقعة في محيط مدينة عين عيسى شمال مدينة الرقة.

ويعد مقر الفرقة 17 نقطة استراتيجية مهمة كونها قريبة من مدينة عين عيسى ومطلة على بعض النقاط الاستراتيجية.

وذكرت المصادر، أن عدداً من الجنود الأميركيين قاموا برفع أعلام بلادهم داخل الفرقة 17 وهو ما يثبت اتخاذ القوات الأميركية منها موقعاً جديداً في المنطقة.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى