خطط ترحيل النازحين السوريين الفاشلة: ابتزاز مالي مكشوف

جنى الدهيبي

لم يكن مستغربًا إخفاق وزير المهجرين عصام شرف الدين بإقناع المجتمع الدولي، وعلى رأسه مفوضية شؤون اللاجئين، باقتراح الخطة التي روج لها لأيام حول “عودة النازحين إلى سوريا”. إنها خطة بلا مفاعيل إجرائية، وساقطة سلفًا، لمجرد صدورها عن وزير مهجرين بحكومة تصريف أعمال، غير قادرة على الاجتماع للبت بهكذا ملف، لا يحظى باجماع داخلي ولا توافق خارجي. والإقرار بفشل الخطة ظهر في تصريح اللواء عباس إبراهيم من طرابلس، قائلاً: “لا نية لدى المجتمع الدولي لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. وهناك دول كبرى تعرقل عودتهم بحججٍ عدّة”.

وجاء ردّ المفوضية قبل أيام برفض الخطة، كتأكيد على عدم صلاحيتها. وهي تندرج وفق كثيرين في سياق حملة ممنهجة يقودها رموز السلطة لتحميل النازحين السوريين ذنب فشلهم بوقف الانهيار الذي دمر حياة اللبنانيين. وبشكل حاسم، تعتبر المفوضية أن قرارها مؤقت إلى حين استتباب الأمن في سوريا. في حين، قرر وزير المهجرين اعتبار أن الوضع الأمني في سوريا مستتب، وسبق أن صرح باسم الشعبين اللبناني والسوري “نحن كلبنان وسوريا نرى أن الأمن مستتب ولا داعي لبقاء النازح السوري في لبنان”.

علمًا أن منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى، حذرت على خلفية تصريحات شرف الدين، مما اعتبرته “الإعادة القسرية للاجئين السوريين”. ووصفت الأولى اقتراح الوزير بإعادة 15 ألف لاجئ سوري إلى سوريا شهرياً، بـ”المثير للقلق” والذي يجسد انتهاكًا واضحًا لالتزامات لبنان الدولية.

خلفيات وأسباب

ورغم أن اقتراح الوزير فقد مفاعليه، إلا أنه ومنذ تدفق مئات آلاف السوريين إلى لبنان بعد اندلاع الحرب في بلادهم في العام 2011، تتصاعد السجالات حول قضية عودتهم، أو ما يسميه البعض بـ”الترحيل القسري”. ويشهد هذا الملف انقسامًا حادًا قانونيًا وسياسيًا واجتماعيًا، بين مؤيدين ومعارضين له. ويعتبر المطالبون بعودة السوريين أن المجتمع الدولي يطالب لبنان بتحمل ما ترفض أوروبا نفسها تحمله، وتغلق معابرها لمنع تدفق اللاجئين نحوها، خصوصًا أن لبنان يستضيف أعدادًا ضخمة من النازحين السوريين قياسًا لعدد سكانه. إذ يقارب عددهم نحو 1.5 مليون لاجئ. وقد تضاعف الضغط عليه وعلى بنيته التحتية نتيجة الانهيار الكبير الذي يعصف لبنان من منتصف 2019.

وحتى لو كان في ذلك جانبًا كبيرًا من الصحة، غير أن مقاربة السلطات في الأشهر الماضية لملف النازحين السوريين وقياس طبيعة العبء الذي يتكبده لبنان، يعكس وفق كثيرين نوعًا من التلطي خلفه، إما لتبرير الفشل، وإمّا لاستجداء المجتمع الدولي بتقديم المزيد من المساعدات المالية للبنان بحجة النزوح السوري، وهو ما يذكر بمليارات الدولارات التي وصلت إلى لبنان على مدار السنوات، وتبخرت معظمها بمسارب الصفقات والفساد.

وقبل الوزير شرف الدين الذي يطالب المفوضوية بتقديم المساعدات المادية، وعقد لجنة ثلاثية مع دمشق لعودة النازحين، ربط وزير الاقتصاد أمين سلام أزمة شح الخبز باستحواذ السوريين على نحو 40% من حصة إنتاج الأفران للخبز العربي، مطالباً أيضًا بتقديم المجتمع الدولي المساعدة للبنان بهذا الإطار. والشهر الفائت أيضًا، هدد رئيس حكومة تصريف الأعمال بإخراج اللاجئين السوريين من لبنان بالطرق القانونية، وفق تعبيره، إذا لم يتعاون المجتمع الدولي مع لبنان لإعادتهم إلى سوريا، مبررًا ذلك أن الدولة لم تعد تتحمل كلفة ضبط الأمن في مخيمات النازحين والمناطق التي ينتشرون فيها.

مسار الترحيل القسري

هذه العينة من المواقف والتصريحات الأخيرة، وإلى الجانب الاجراءات التمييزية التي تتخذها بعض بلديات لبنان بحق النازحين؛ تذكر أيضًا بالإجراءات التي اتخذها الأمن العام اللبناني، في خريف العام الفائت، لجهة ترحيل السوريين المتهمين بالدخول خلسة إلى البلاد، وهو ما أثار حينها جدلاً حقوقيًا وسياسيًا واسعًا.

وهنا، لا بد من التذكير بتقرير منظمة العفو الدولية الصادر في أيلول 2021 تحت عنوان “أنت ذاهب إلى الموت.. الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا”. واستعرض حينها شهادات لنساء وأطفال ورجال، تعرضوا للتعذيب والانتهاك على يد جنود النظام بعد عودتهم إلى بلادهم. مع الإشارة أن أغلب السوريين في لبنان يتحدرون من مدن ومناطق عرفت بمعارضتها للنظام، كحمص وحلب وإدلب وحماه ودرعا وريف دمشق الجنوبي والشرقي.

ولبنان الذي لم يوقع اتفاقية اللجوء الدولية، يعطي السوريين صفة “نازحين” لا “لاجئين”، وهو ما تسعى السلطات للاستفادة منه كإلتباس حقوقي وقانوني، دعمًا لوجهة نظرها ومبرراتها باستجداء المساعدات الدولية. ومع ذلك، فإن وصفهم بـ”النازحين” يُضعف تلقائياً من شبكة حمايتهم القانونية، ولا يوفر الحماية الكافية للحد من عمليات الترحيل المستترة والمعلنة.

وتشير المعطيات أن رفض المجتمع الدولي لكل اقتراحات وخطط لبنان بشأن عودة السوريين إلى لبنان، لن يوقف الحملات والمطالب التي أصبحت أقرب لعملية ضغط وابتزاز؛ رغم كل ما تضمره من أهداف سياسية، تعكس رغبة لبنان الرسمي بالانفتاح على النظام السوري وتكريس شرعيته عبر الزعم أن “سوريا الأسد” أضحت بلدًا آمنًا لأهلها الذين هجروا قسرًا منها.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى