جلسة اقتصادية / المصارف 

سمير خراط

لابد من لمحة تاريخية عن نشأة المصارف عبر التاريخ حتى نعطي للموضوع روحا اضافية كمعلومة ثقافية وليس كتقنيات مصرفية بامتياز.
ثبت عبر البحوث التاريخية أن أول مصرف أنشئ بالتاريخ كان ببلاد بابل ، أي فترة أكثر من عشرين قرن قبل الميلاد وراح يتطور هذا المفهوم عبر تشابك التجارة مع دول الجوار وابتعادها عن مركز الدولة او الامبراطورية،  وهذا يدل أن منطقتنا منذ ذاك العصر لم تلعب دورا  فقط بتطوير العلوم والفلسفة ومعاهدات السلام ، بل ساهمت بمفاهيم اقتصادية مصرفية  ، ولكن لم يأخذ معناه الحقيقي كما نراه اليوم إلا بالقرون الوسطى حينما ازدهرت أوربا وبشكل خاص فلانسيا بإيطاليا ، التي سيطرت عبر مصرفها على اقتصاد القارة وباتت تنافس سلطة الفاتيكان ، واشتهر بتلك الفترة مصرف عائلة (ميديشي ) التي كانت تفتعل الحروب لتقرض الملوك لمواجهة كلفة حروبها ، وبقي الحال هكذا  حتى القرن التاسع عشر وظهور اسرة روتشيلد التي توسعت عبر الهيمنة المالية ، وبذات اسلوب اسرة مديشي (الحروب وتمويلها) وخاصة ذروة الاستثمار الاستعماري  ، وانتهى بهم المطاف بإنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذان يتحكمان اليوم باقتصاد العالم .

ما يهمنا اليوم وبنظرة مجردة عن الاطماع لمن يشرف على تلك المصارف، هو فهم آلية هذه المؤسسات العابرة للقارات والتي تلعب دورا جذريا باقتصاد الدولة.

ما هو المصرف 

المصرف هو شركة تجارية بامتياز تخضع لقانون التجارة ولكن يدير عملها قانون المصرف المركزي وذلك لأسباب عديدة سنراها بالتدريج في سياق الحديث، لكي نستوعب عمله كتاجر، لنعتبر أن العملة لديه سلعة كأي سلعة تباع وتشترى بالسوق من قبل تجار السوق، المصرف يستودع العملة مقابل فائدة معينة من ثم يقرضها بفائدة أعلى تغطي مصاريفه مضافا اليها نسبة ربح معينة، علماً أن المصرف المركزي الذي يحدد سياسة الفائدة. ولا ننسى أن المصرف يحقق أرباحه أيضا من جراء عمليات الاستثمار حيث لا تقتصر على تلك الفائدة، وإذا نظرنا اليه بنظرة مقارنة مع أي تاجر أو شركة تجارية أخرى، سنرى انها تشتري مواد، ولنقل غذائية كرز، السكر وتبيعهما بالسوق بإضافة نسبة ما تراقبها أيضا وزارة التجارة، المصرف كذلك يأخذ الودائع بسعر ويقرضها بسعر، وبعض الأحيان يستقرض هو شخصيا كمصرف من مصارف أخرى ليواجه الطلب على القروض والمشاريع وهذا من إحدى نشاطاته التي تزيد من أرباحه.

الأدوات المصرفية  

لا يقتصر المصرف بالحقيقة أو كما يتصوره البعض أنه مكان آمن يمكن ايداع الفلوس به حتى بدون فوائد ولكن له دور أساسي بكل نشاطات الدولة والفرد بالحياة، وسنرى هذه الادوار بالتدريج.

دوره بالدولة هو الخزينة التي يتم عبرها تحصيل وتراكم السيولة الموجودة والمتداولة بالدولة عبر التجار والشركات والأفراد وتوزيع مخصصات كل وزارة ومصاريفها على حدى لكي تقوم بإدارة أعمالها اليومية وتمويل خططها التنموية ومن خلاله يتم التعامل للمدفوعات الدولية والمشاركات ومراقبة الداخل والخارج للوطن من عملات أو عمليات تجارية.

أما دوره مع الفرد فهو أيضا صندوق يودع به ثروته المالية النقدية إضافة الى ذلك يمثله بكل عملياته التجارية لدفع ما يترتب عليه من التزامات مالية اتجاه الاخرين من حسابه الجاري أو بموجب تسهيل ائتماني متفق عليه وسنرى بالخطوات التالية التي ستبين نوعية الخدمات التي يمكن أن يقدمها المصرف وفق المفاهيم العالمية والتي أغلبها يغيب بمنظومتنا المصرفية لأسباب عديدة منها الأنظمة المالية التي تدير المصارف والقوانين إضافة الى شفافية الشركات والأفراد.

 الخدمات والأعمال التي تقدمها المصارف  

يمكن إجمال الخدمات والوظائف التي تقوم بها المصارف والتي تشهد اليوم على المستوى العالمي تطوراً كبيراً والتي من أهمها:

1-    خدمات الأعمال والخدمات الشخصية

–  تمويل طويل الأجل للشركات والمنشآت

–       تقديم الاستشارات المالية

–       عمليات الوساطة لإصدار وطرح الأسهم

–       تقييم الشركات لتحديد قيمة الأسهم في حال طرحها للاكتتاب في الأسواق المالية

–       الاستشارات المالية وتمويل عمليات الدمج ما بين الشركات

–       المساهمة وإدارة القروض الكبيرة مع مجموعة مصارف

–       تقديم خدمات لتغطية المخاطر ولاسيما مخاطر ارتفاع أسعار الصرف

–       تقديم أدوات مالية لتمويل الشركات إما على شكل مساهمات في الشركة مع مراعاة خصوصيتها، أو على شكل صكوك دين عادية أو مسددة بأسهم من الشركة بالإضافة إلى الحوافظ للمدراء والموظفين لحثهم على رفع أداء الشركة.

–       ادارة الموجودات والذمم مع إمكانية بيع الصكوك

–       الودائع الائتمانية للأفراد والشركات

–       الودائع لأجل بكافة العملات

–       تقديم خدمات الوساطة للتداول في الأوراق المالية والمراهنات

–       التداول بالمعادن الثمينة.

–       تقديم أدوات مالية للاستثمار مع ضمانة لرأس المال المودع.

2–    الخدمات التجارية 

–       الحوالات الداخلية والخارجية، عمليات الصيرفة وإصدار الشيكات الشخصية والمصرفية.

–       تحصيل الشيكات والسندات والبوالص.

–       الاعتمادات المستندية مؤجلة الدفع مع إمكانية تمويلها وذلك من خلال سندات توقع من قبل العميل لأمر المصرف حصراً لسحب البوالص.

–       كتب الكفالات وكتب الضمان لدخول المناقصات وحسن تنفيذها مع إمكانية تسليف العميل.

–       حسم الأوراق التجارية مع إمكانية بيعها للمصرف على شكل صكوك دين وذلك دون حق المصرف للرجوع على العميل في حال تعذر تحصيلها والاكتفاء بالرجوع على موقعها

–       حسم الأوراق المحررة لأمر المصرف التي تمثل التمويل بالحساب الجاري ولكن مع تحديد آجال التسديد.

–       التمويل بالحساب الجاري المدين المفتوح أو المحدد.

–       القروض الخاصة بشراء الموجودات الثابتة أو الشركات

–       القروض الخاصة بالقطاعات ذوي الإيرادات الموسمية

–       قروض طويلة الأجل التي تحدد السحوبات والتسديدات بموجب جداول تعد على أساس استعمالات وموارد سيولة متوقعة وذلك على مدة أطول نسبياً (5 إلى 7 سنوات) عادةً تكون تلك القروض مخصصة للمنشآت الصناعية والزراعية والسياحية كما تستفيد من دعم من الدولة المعنية أو منظمات تمويلية أو إنمائية دولية.

3-    الخدمات بالتجزئة 

–       القروض الشخصية

–       قروض السيارات

–       القروض السكنية

–       البطاقات الائتمانية

–   برامج الادخار للتقاعد أو التعليم الجامعي مع إمكانية تزويدها ببوليصة تأمين على الحياة تتعهد بموجبها شركة التأمين على مواصلة دفع الأقساط الشهرية في حال وفاة المدخر الأساسي.

–   توطين المعاشات مما يسهل عملية صرف الرواتب لكل من الشركات والموظفين كونها تستخدم كضمانات للحصول على التسهيلات التي شرحناها مسبقاً.

–   توطين الفواتير والاقساط كفواتير الكهرباء والهواتف النقالة والثابتة والضريبة على القيمة المضافة.

–   ليتمكن منها الفرد إعطاء تعليمات دورية لينفذها المصرف كالحوالات وتسديد السندات

–    الخدمات المصرفية عبر الهاتف على مدار الساعة، معرفة الرصيد، طلب إجراء الحوالات وعمليات الصرف عبر الانترنت.

–   خدمات التأمين بأنواعها عبر المصرف.

تبين لنا المصرف لم يتوقف عمله على إدارة المال بل يلعب دوراً أبعد من ذلك، أصبح الآمر الناهي بمواقف عديدة تخص شؤون الدولة انطلاقا من السياسة الخارجية الى التحكميات بشؤون الدول الأخرى عبر فروعها العابرة للقارات وخاصة التكتلات المصرفية الدولية من جهة أو البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من جهة أخرى وشاهدنا دور البنك الدولي بالبرازيل والعديد من الدول الأفريقية، استطاعا بشروطهما أن يتحكما بثروات تلك الدول وامتصاصها عبر الشركات التابعة لهذه المصارف.

 السؤال هل سيبقى المجتمع رهن المال أم سيخرج علينا منظرين جدد يستطيعون وضع منظومة تتسم أكثر بصفاة الانسانية واعتبار الانسان الهدف الأول بكل عمل يقومون به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى