العراق يتصارع على المياه وتخوف من نزاعات مستقبلية

مؤيد الطرفي

محافظ بابل حرض المواطنين على التجاوز في حصص الديوانية والسماوة وهدد باعتقال موظفي “الموارد”.

بعد أن تسببت فيها أطراف خارجية، تحديداً تركيا وإيران، يبدو أن قضية شح المياه في العراق ستؤدي إلى نزاعات داخلية خطيرة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية التي تحاول الاستحواذ على حصص المياه.

وبدأت تلك الأزمات بالظهور إلى العلن منذ بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي، من خلال رفض المحافظين أو مسؤولي الإدارات المحلية للأقضية والنواحي، تنفيذ تعليمات وزارة الموارد المائية في شأن الحصص المائية، ورفع التجاوزات على الأنهر وفروعها، المتمثلة في وضع مضخات سحب، وإنشاء بحيرات للأسماك تتطلب توفير مياه كبيرة، من دون أخذ موافقات من الجهات الحكومية المتخصصة.

تهديد وتحريض

وبلغ الأمر من المسؤولين المحليين بتهديد العاملين في الموارد المائية بالسجن في حال عدم تنفيذهم تعليمات بعض المحافظين، كما حصل مع محافظ بابل علي وعد علاوي، الذي انتشر فيديو له في ناحية تابعة للمحافظة، يهدد فيه العاملين بقطاع الري بالسجن، وأجبرهم على فتح مبزل مائي للمزارعين وسط تصفيق الأهالي والهتافات المشيدة.

كما ظهر مدير ناحية المشرح التابعة لمحافظة ميسان منير الساعدي وهو يحرض الأهالي على موظفي الموارد المائية ويطالبهم بأخذ حقوقهم المائية عنوة وبالقوة.

وتعاني ناحية المشرح أزمة مياه حادة أدت إلى جفاف نحو 20 نهراً فرعياً صغيراً، حتى إن بعض سكانها اضطروا إلى الهجرة للمدن المجاورة في المحافظة، ما ينذر بتسبب شح المياه في حالة تمرد من قبل الإدارات المحلية للمحافظات.

انخفاض حاد

وللموسم الثالث على التوالي، تنخفض إيرادات المياه الواصلة إلى نهري دجلة والفرات، سواء من تركيا وإيران أو من الأمطار وذوبان الثلوج في قمم الجبال العراقية، التي يبدو أنها كانت دون مستوى الطموح لتعزيز الخزين المائي للبلاد في الفترة المقبلة.

ويعتمد العراق في تغذية أنهاره سنوياً على المياه الآتية من تركيا وإيران، خصوصاً في فصل الربيع، فضلاً عن الأمطار والثلوج، إلا أن الموسم الحالي شهد انخفاضاً كبيراً وغير مسبوق منذ أعوام عدة، وهو ما بدا واضحاً في انحسار مساحة نهري الفرات ودجلة داخل الأراضي العراقية وجفاف أنهر وبحيرات في محافظة ديالي.

وقوبلت خطوة محافظ بابل بانتقادات لاذعة من قبل وزارة الموارد المائية التي كشفت عن اتخاذها إجراءات قانونية ضده بتهمة تحريض المواطنين على التجاوز ضد الحصص المائية الخاصة بالمحافظات.

وذكرت الوزارة في بيان أن “محافظ بابل علي وعد علاوي حرض في سابقة خطيرة المواطنين على التجاوز في الحصص المائية وحرمان محافظتي الديوانية والسماوة من إيصال حصتهم المائية، ويهدد باعتقال موظفي وزارة الموارد المائية”.

وأضاف البيان أن “الوزارة ستتخذ الإجراءات القانونية بحقه، كون وزارة الموارد المائية هي الجهة القطاعية الوحيدة المسؤولة عن إدارة ملف المياه في البلاد، ولا يحق لأية جهة أخرى التدخل بأعمالها”.

وكان عون ذياب، مستشار وزير الموارد المائية العراقية، أكد في تصريحات سابقة أن “الخزين المائي المتاح هو أقل بكثير مما لدينا في العام الماضي لكونه انخفض بنسبة 50 في المئة بسبب قلة الأمطار والواردات القليلة من دول الجوار”.

وأضاف أن “سنوات الجفاف المتعاقبة: 2020 و2021 و2022، كان لها تأثير قوي في وضع الإيرادات المائية بالعراق، وهذا الأمر يعطينا تحذيراً لكيفية استخدام المياه خلال الصيف المقبل وخلال الموسم الشتوي”.

وينبع نهر الفرات من جبال طوروس في تركيا ليخترق الأراضي السورية ثم يدخل بعدها إلى الأراضي العراقية عند البو كمال في محافظة الأنبار ليلتقي نهر دجلة، فيكوّنان شط العرب.

ويبلغ طول نهر الفرات من منبعه في تركيا حتى مصبه في شط العرب 2940 كيلومتراً منها 1176 كيلومتراً في تركيا و610 كيلومترات في سوريا و1160 كيلومتراً في العراق، ويتراوح عرضه بين 200 إلى أكثر من 2000 متر عند المصب.

فيما ينبع نهر دجلة من جبال طوروس جنوب شرقي الأناضول في تركيا ويعبر الحدود السورية التركية، ويسير داخل أراضي سوريا بطول 50 كيلومتراً تقريباً، ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند قرية فيشخابور.

ويبلغ طول مجرى النهر نحو 1718 كيلومتراً، ومعظم مجراه داخل الأراضي العراقية بطول يبلغ نحو 1400 كيلومتر، وتصب خمسة روافد فيه بعد دخوله الأراضي العراقية وهي الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم وديالى وهذه الروافد تجلب إلى النهر ثلثي مياهه. أما الثلث الآخر، فيأتي من تركيا.

البصرة متضررة

ويبدو أن التأثير الأكبر سيكون في محافظة البصرة التي تطل على الخليج العربي، وينتهي بها نهري دجلة والفرات ليصبّا في شط العرب الذي يبلغ طوله 190 كيلومتراً وعرضه 2 كليومتر، ما جعل مياهه ذات نسب أملاح مرتفعة ومحملة بالملوثات.

وقال النائب السابق عن محافظة البصرة وائل عبد اللطيف إن محافظته أكثر المحافظات تضرراً من أزمة المياه، داعياً إلى موقف قوي ضد من يتجاوز على حصته المائية، ومشيراً إلى أن محافظة الكوت لديها سد، وميسان كذلك، ومحافظة ذي قار أنشأت سداً على نهر الفرات، وأن مشكلة المياه باتت داخلية وخارجية.

وتابع أن محافظة ميسان لا تطلق الحصة الكاملة لمحافظة البصرة، بعد إنشاء مساحات واسعة من بحيرات الأسماك من دون موافقات، فضلاً عن امتلاك ميسان سداً لخزن المياه، لافتاً إلى أن هذا الأمر أدى إلى زيادة اللسان الملحي ونسب التلوث في البصرة وعدم صلاحية مياه شط العرب للاستهلاك البشري والحيواني بالتزامن مع زيادة الروائح وحجم الجراثيم.

واعتبر أن إنشاء مشاريع تصفية المياه من شط العرب عديمة الجدوى، وأن الحل يتمثل في تحلية المياه من خلال سحبها من البحر كما هو معمول به في دول الخليج.

وأضاف عبد اللطيف أن فلسفة محافظ بابل في التشجيع على التجاوز ستؤدي إلى تضرر بقية المحافظات وهي لا تليق بمحافظ، مشدداً على ضرورة محاسبة أي شخص يتجاوز على الحصص المائية لأن الموارد المائية هي وحدها التي تعلم حجم الإطلاقات لكل محافظة.

وأعرب عن مخاوفه من أن تخلق مشكلات المياه أزمات كبيرة بالبلد، من بينها انحسار الزراعة ونفوق الحيوانات والأشجار والثروة السمكية، وذلك نتيجة قلة المياه، بخاصة أن الحكومة الاتحادية ليس لها دور في هذا الاتجاه، ووزير الموارد المائية يهدد بالتدويل فقط، والأحزاب الولائية من المفترض أن تذهب إلى إيران من أجل إقناعها بإطلاق المياه.

نزاعات مستقبلية

وحذر الخبير الزراعي عادل المختار من مشكلات كبيرة نتيجة التعديات على الحصص المائية، وقال إن “التجاوزات على الحصص المائية سببها سياسة الحكومة التي تشتري الحنطة من خارج الخطة الزراعية”، مبيّناً أن هذه الخطوة تعني شراءها من قبل المتجاوزين على حصتهم من المياه، ما يشكل تشجيعاً على مزيد من التجاوز.

وكانت الحكومة العراقية قررت شراء كامل محصول الحنطة، سواء الداخل في الخطة الزراعية التي وضعتها الحكومة أو خارجها، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحصول محلياً.

وتابع المختار أن التجاوزات على الحصص من قبل المحافظات ستؤدي إلى مشكلة كبيرة ونزاعات واقتتال، ولهذا فإنه من الضروري ترشيد استهلاك المياه بمنظومات ري حديث وتأسيس مجلس وطني للزراعة والمياه لوضع الخطط الزراعية يكون برئاسة رئيس الوزراء، وتكليف الأخير التفاوض مع دول الجوار، وطرح ملفات الضغط على تلك الدول من أجل ضمان حصص العراق المائية.

وخلال الأعوام الماضية، دعت الحكومات العراقية مراراً وتكراراً كلاً من إيران وتركيا إلى التفاوض من أجل إيجاد حلول لتقاسم المياه بين الأطراف الثلاثة، سواء في ما يتعلق بنهري الفرات ودجلة أو إرجاع مسار نهر الكارون إلى وضعه الطبيعي ليغذي شط العرب، إلا أنها لم تفلح في تحقيق نتائج إيجابية تذكر.

فعلى الرغم من كون العراق شريكاً تجارياً مهماً لإيران وتركيا، ويُعدّ من المستوردين الكبار للمواد المصنعة في الدولتين، فضلاً عن تعاقده مع شركاتهما لتنفيذ مشاريع في مختلف المجالات، لكن الجانبين كانا يسيران في اتجاه معاكس لهذا التقارب العراقي، بحيث اتخذا سلسلة من الإجراءات المستمرة التي زادت من خفض إيرادات المياه إلى البلاد بشكل كبير.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى