تُعَدّ خاركيف إحدى المدن الأوكرانية الأكثر كثافة من ناحية عدد السكان، فهي ثاني أكبر مدينة. وهي أكبر مركز صناعي وعلمي في أوكرانيا، إذ تحتضن المصانع الكبيرة والضخمة والمؤسسات العلمية الكثيرة. كانت المدينة تتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة والشوارع النظيفة.
كما كانت إحدى الوجهات السياحية في أوكرانيا بسبب كثرة المعالم السياحية، من بينها ساحة الحرية التي تُعتبر أكبر ساحة في أوروبا، وحديقة غوركي الترفيهية، ودولاب الملاهي الذي يُعتبر أكبر دولاب في أوكرانيا، وغيرها من الأماكن الشهيرة. وعلاوة على ذلك، مدينة خاركيف أول عاصمة لأوكرانيا.
كان وسط المدينة المكان الأكثر زيارة من قِبل السكان المحليين والسياح والأجانب على حد سواء يتيح فرصاً متعددة للاستمتاع بالمدينة وأجوائها الرائعة.
لقد غيَّرت الحرب وجه خاركيف تماماً مُخلِّفةً مبانيَ مدمرة وسيارات محترقة وملايين شظايا من القذائف الروسية. على سبيل المثال، أصاب أكثر من 60 صاروخاً حديقة غوركي الترفيهية.
في وقت سابق، اعتبر الكثيرون هذه المدينة موالية لروسيا، كما اعتقد الروس احتلال المدينة أمراَ سهلاً دون قتال. لكن أظهر سكان المدينة، صباح 24 شباط/ فبراير 2022، أن خاركيف مدينة أوكرانية وروسيا غير مرحَّب بها في هذه المدينة.
منذ الحرب عام 2014 كانت مدينة خاركيف تُواجِه تحدِّيات أمنية كثيرة بسبب التيارات الانفصالية، ولكن بعد بَدْء الغزو الروسي 24 شباط/ فبراير 2022 أصبحت إحدى أوائل المدن التي خاضت غمار المعركة، وما زالت تقاوم الاحتلال الروسي. أيقظت الضربات الصاروخية الروسية المكثفة سكان المدينة في فجر ذلك اليوم، وما زال الجيش الروسي يقصف المدينة بالقذائف والصواريخ مدمراً المباني السكنية وتاركاً وراءه جثث السكان المُلقَاة في الشوارع.
تفيد المعطيات الرسمية بأن عدد القتلى المدنيين في مقاطعة خاركيف بلغ 736 شخصاً منذ 24 شباط/ فبراير. لكن العدد الحقيقي للجرحى والقتلى في المدينة خصوصاً والمقاطعة عموماً أعلى بكثير؛ لأن الإحصاءات الرسمية لا تأخذ بالحسبان الأشخاص المفقودين الذين يزداد عددهم يوماً بعد يوم.
في مدينة خاركيف دُمرت 97 مستشفى ومستوصفاً و62 مؤسسة ثقافية و18 مؤسسة صناعية و17 مؤسسة للخدمات الاجتماعية، دُمرت أو تضررت 427 مدرسة وروضة أطفال وست كنائس. بسبب الغزو الروسي اضطرت المدينة إلى إجلاء الحيوانات من حديقة الحيوانات المحلية وإنقاذ الحديقة النباتية من الحرائق.
يقصف الغزاة الروس المناطق السكنية في خاركيف طوال 4 أشهر من الحرب، حيث تعرضت منطقة سالتوفكا الشمالية السكنية، التي تُعَدّ أكبر مناطق المدينة من حيث عدد السكان، لمعظم الضربات الصاروخية والغارات الجوية.
لحق الضرر الأكبر بالمساكن المدنية في مقاطعة خاركيف، حيث تضرر أو دُمر أكثر من 4019 منزلاً. ولا يوجد الكهرباء في أكثر من 200 ألف منزل في ما يقرب من 250 بلدة، بينما تُرك حوالَيْ 90 ألف مشترك في أكثر من 70 بلدة دون غاز. ولا يوجد الماء في أكثر من 42 مبنى شاهقاً في مدينة خاركيف وحدها.
تحاول روسيا تدمير خاركيف التي لم تستسلم وأثبتت للعالم برُمَّته أنها مدينة أوروبية ضِمن أوكرانيا. على الرغم من أن الجيش الروسي يقصف المدينة براجمات صواريخ “أوراغان” و”غراد” ويشنّ الضربات الصاروخية من البحر الأسود وبحر قزوين ويستخدم الطائرات، لن يقدر على سحق معنويات سكان خاركيف، ولن يرفع العلم الروسي فوق هذه المدينة.
هذه المدينة شقيقة حلب بالأهمية الصناعية والتجارية ولفظت الروس وحيث لا يزال ريفا حلب الشمالي والغربي عَصِيَّيْنِ على الروس والنظام.
هذه المدن الأوكرانية والسورية رغم سياسة الأرض المحرقة ستبقى لعنة التاريخ ضدّ المحتلّ الروسي، الذي يدمر الإنسان والبنيان، وسينتصر الأوكرانيون وسينتصر السوريون، والمحتلون إلى زوال طال الزمان أو قصر فالخلاص من المحتلّ حتمية تاريخية.
المصدر: نداء بوست