خمسة تحديات عالمية قادمة

إدوارد غولدبرغ      ترجمة: علاء الدين أبو زينة

تصرف فيروس كورونا بقوة جيش غازٍ، وقلب السلوكيات الراسخة في الاقتصاد والسياسة العالمية رأساً على عقب. ومن الواضح أن هذا الفيروس سيكون مشابهًا لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) في قدرته على تغيير المنظور العالمي لعقود.

بعض هذه التغييرات تتجلى بوضوح للعيان الآن؛ وثمة أخريات أكثر مراوغة. وسيؤثر البعض منها على المشهد الجيوسياسي لسنوات، بينما سيغير البعض الآخر سلوكنا الاقتصادي ببطء.

يتعلق أول تغيير كبير بالصين؛ حيث يبدو أن الفيروس أصبح تحت السيطرة، وإنما بتكلفة غير معروفة على قيادة الحزب الشيوعي الحاكم. لم تكن الشرعية السياسية للحكومة الصينية منذ دنغ شياو بينغ مرتكزة على الشيوعية، وإنما على النمو الاقتصادي وضمان مستوى معيشة دائم التحسن لمواطنيها. ولكن، كيف تحافظ الحكومة الصينية على بقاء الفهم الشائع بأن الحزب الحاكم كليّ المعرفة عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد؟ بسبب الفيروس، لم يظهر الناتج المحلي الإجمالي الصيني نموًا يتراوح بين 4 و5 في المائة في الربع الأول كما توقعت الحكومة. بدلاً من ذلك، تقلص الناتج بنسبة 6.8 في المائة. لم يكن هذا التوقع الوردي قد أخذ في الاعتبار حقيقة أن زبائن الصين في الخارج أصبحوا الآن تحت الإغلاق بسبب الفيروس، وعلى نحو أدى إلى تباطؤ كبير في الصادرات الصينية.

كما أثار تفشي الفيروس السؤال حول مسألة كفاءة الحزب الشيوعي الصيني بسبب سوء إدارة الأزمة نفسها. وعلى الرغم من كل الدعاية التي ستلقي بها الدكتاتورية الضخمة على شعبها، فإن واقع القيادة الفاشلة في التعامل مع البداية المبكرة للفيروس كان واضحًا للشخص العادي، ورشح إلى جميع أنحاء المجتمع. وقد أصبحت قيادة الصين مكشوفة الآن، على نحو يشبه كثيراً إمبراطور هانز كريستيان أندرسون الذي بلا ملابس. أما كيف ستتصرف الحكومة الصينية الآن محليًا ودوليًا فشيء ما يزال يتعين علينا رؤيته.

القوة الثانية التي أصبحت مرشحة للخضوع للمراجعة تتضمن المصطلح الغامض، “التصنيع في الوقت المناسب”. وقد تم تطوير هذا المفهوم للإنتاج في اليابان في الخمسينيات، وانتشر ببطء في جميع أنحاء العالم. وبشكل أساسي، لا تحتفظ شركات التصنيع العالمية بمخزون. وبدلاً من ذلك، تقوم بالاتصال بمصنِّعيها الفرعيين لتزويدها بالمكونات حسب الحاجة. ويشكل نهج “في الوقت المناسب” طريقة أكثر كفاءة بكثير من العملية القديمة، ويوفر الكثير من التكاليف الباهظة بطبيعة الحال؛ حيث لا يحتاج المُصنِّع إلى حمل وتخزين الموجودات وتمويلها. ولكن، كما رأينا في الصين، إذا لم يتمكن مصنع المكونات من شحنها بسبب الفيروس، فلن يتمكن المصنع الرئيسي من شحن منتجه النهائي إلى عملائه هو أيضاً. وفي عصرنا الجديد، يمكن أن يصبح التصنيع في الوقت المناسب ضارًا جدًا بالاقتصاد العالمي. ومع ذلك، في العديد من الحالات، لن يكون البديل عنه عودة إلى التصنيع المعولم مسبقًا، وإنما سيتضمن الانتقال إلى تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، بينما تأتي مُدخلات البيانات من جميع أنحاء العالم.

ثمة فكرة ثالثة كانت مقبولة، والتي أصبحت تبدو الآن في غير مكانها، هي تلك التي تتعلق بمصطلح “السياسة النقدية”، الدواء القديم الموثوق الذي يستخدمه الاحتياطي الفيدرالي دائماً لإنعاش اقتصاد فاشل. والسياسة النقدية هي تلك التي تطبقها البنوك المركزية لتعديل أسعار الفائدة والتأثير على الطلب على الائتمان وتكلفته. ويحدث عادة، عندما يتباطأ الاقتصاد بشكل كبير، أن يقوم البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة لتحفيز الشراء، مما يجعل الأشياء أرخص فعلياً. ولكن، في الانكماش الاقتصادي الناجم عن فيروس كورونا، فقد دواء الاحتياطي الفيدرالي، لأول مرة، معظم قوته. فمهما أصبح منتج ما رخيصًا، لن تخرج لشراء سيارة الآن، على سبيل المثال، إذا كان ذلك يعني أنك قد تتواصل مع أشخاص ربما يحملون الفيروس، أو انظر إلى الهواتف الذكية، بغض النظر عن المبلغ الذي تريد أن تدفعه لشراء هاتف جديد، فإن الشحنات المتأخرة من آسيا تعني أن يكون هناك عدد أقل من الهواتف المتاحة للشراء في السوق. وهكذا، قد يضطر متجر بيع الهواتف بالتجزئة إلى تسريح عاملين لاستيعاب انخفاض المبيعات. وهذه مشاكل لا يمكن حلها بالوسائل التقليدية للسياسة النقدية.

ثمة مفهوم آخر يواجه التحدي، هو أهمية المدن في الاقتصاد القائم على المعرفة. كانت الفكرة الشائعة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية هي أن المدينة، لأنها توفر بيئة يمكن للناس فيها الاختلاط وتبادل الأفكار، وليس الضواحي أو المناطق الريفية، هي المكان حيث يكمن مستقبل الاقتصاد. وكانت هذه الدينامية السبب وراء رغبة شركة “أمازون” في الانتقال إلى نيويورك. ولكن، ماذا لو جعل الوباء فكرة وجود أعداد كبيرة من السكان تبدو غير صحية؟ ماذا لو استطعنا من خلال هذا الوباء تطوير طرق جديدة وأكثر فعالية للعمل عن بعد؟ كيف سيؤثر ذلك على النمو المستقبلي للمدن؟

تتصل بمسألة مستقبل المدن أيضاً الحاجة إلى المكاتب، وإلى وجود جامعات مادية كثيفة. والآن وقد أصبحت لدينا التكنولوجيا للعمل في فِرق، ولكن عن بعد، هل يصبح العمل من المنزل أسهل من الذهاب إلى المكتب؟ أو هل سيكون للهجرة الكبيرة من مكاتب المؤسسات والشركات إلى المكاتب المنزلية تأثير سلبي طويل المدى على المجتمع والثقافة والعلاقات بين الأشخاص؟ هل سيمنع مثل هذا التحول التبادل المباشر، وجهاً لوجه، للأفكار التي تمس الحاجة إليها والتي تحرك المجتمع إلى الأمام، خاصة في اقتصادنا الجديد القائم على المعرفة؟

بطبيعة الحال، بينما يزيد الوباء من سرعته، ثم يتلاشى في نهاية المطاف كما نأمل، سوف يصبح من الأسهل فهم الكيفية التي غير بها العالم. أما في الوقت الحالي، فتبدو التحديات السياسية والاقتصادية العالمية الخمسة الموصوفة أعلاه حتمية.

المصدر: (ريل كلير وورلد) / الغد الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى