اقتصاد السوق الاجتماعي والإسلامي

سمير خراط

  الوضع الاقتصادي  الذي تمر به أغلب دول العالم ، والركود الذي خيم على العمليات الانتاجية والاستثمارية وانعكاسه على الانسان ، جعل الكثيرين من منظري ومخططي الاقتصاد يطرحون تساؤلات حول الوسيلة التي ستخرج الاقتصاد والانسان معا من هذه الحالة ، ويقينهم أن المنظومة التي أدارت عربة أغلبية الدول باءت بالفشل أمام ظاهرة بسيطة وهي ظاهرة فيروسة لا ترى بالعين المجردة أوقفت العالم بجميع أنشطته ،  حيث أصبحوا على يقين أن الصراع هو بين أهمية الانسان   وبين ما يتم تطبيقه من منظومات اقتصادية إن كان اشتراكية أو علمانية أو حتى بمفهوم الليبرالية وما اشتق عنها كالعولمة ،  مما يدفعهم للبحث  عن نظرية جديدة قادرة على خلق توازن بين الانسان ومتطلباته الاقتصادية  ، والأسئلة في أغلبها ، هل يمكن أن تكون مزيج من الاقتصاد الاجتماعي الكلاسيكي الذي اشتهر ببعض الدول والنظام الاقتصادي الاسلامي  الذي تحاول  بعض الدول الاسلامية جاهدة تطبيقه .

 للتوضيح بشكل أكثر مهنية لمعنى هذا الاصطلاح ( الاقتصاد الاجتماعي )  الذي بات يتكرر على ألسن الناس وتشير اليه الكثير من المقترحات للوضع الحالي الذي تمر به المجتمعات الاقتصادية والتخوفات التي تهيمن على العربة الاقتصادية الناجمة عما يحدث من منافسات وعقوبات اقتصادية هنا وهناك ، بناء عليه ولكي نتفهم فعليا تلك النظرية وبشكل بعيد عن المصطلحات والبهلوانات بعالم الاقتصاد، هذا النموذج الذي يجمع بين اقتصاد السوق الحر بقدرة متطورة عالية الكفاءة وتوفير المنتج وبالوقت ذاته تلافي مساوئ طرق المنافسة الشرسة وعدم السماح بالانفراد بتصنيع المنتجات ( الاحتكار )، ومنع استغلال العاملين ولكي يتحقق ذلك ، كان السماح بتكوين نقابات عمالية قوية مانعاً بذلك عمليات تجارية تسيئ الى النظام الاجتماعي ، ونرى من ذلك  تحقيق أكبر مستوى للرخاء مع تأمين المجتمع والعاملين بآن واحد ، وتتدخل الحكومة بهذا المفهوم الاقتصادي على هامش مجرى الاقتصاد الذي يكون إلى ابعد الحدود في القطاع الأهلي المدني، مثل تحفيز النشاط الاقتصادي، وضع سياسات تضمن منافسة أمينة سليمة، وسياسات اجتماعية تخص العاملين والمواطنين ، وبذلك نكون قد جمعنا بين مثالية العدالة والنمو الاقتصادي عبر منظومة متوازنة مقبولة من قبل كل طبقات المجتمع ، أصحاب رؤوس المال والعمالة المنتجة ، بلا شك هو نظام بعيد عن المفاهيم الاشتراكية وقريب من ديمقراطية السوق .

لكي نستوعب هذا المفهوم  ننظر الى المجتمع الالماني ، وبشكل خاص بعد خروجه من الحرب العالمية الثانية وكيف كان وضع الدولة والشعب ، اتبعت اقتصاد السوق الاجتماعي ، فقد تم  تأسيس  المجتمع المدني شركات تساهمية للإنتاج وإعادة البناء تعززها في ذلك المصارف والبنوك، ونجد منها ( باير للأدوية ) ( سيمنس  فولكسفاجن ) وغيرهم وكلهم من تأسيس المجتمع المدني ، إذاً ما نحتاجه لتطبيع هذه النظرية هي ارادة شعب ومنظومة قانونية مدنية يتشارك بها أصحاب رؤوس المال والعمالة ودولة تسعى لرفاهية الفرد قبل السعي لخلق رأسمال تراكمي كما نراه اليوم بالدول الرأسمالية بامتياز ، تاركة مواطنها تنهش بهم الشركات الخاصة التي لا تسعى إلا لتحقيق الارباح مهما حدث للعمالة ومستقبلها ، وقد شاهدنا ما حدث عام 2008 الذي كان وراءه مصارف وشركات اقتراض وخرج منها المسببون بتعويضات مالية كبيرة وتدخل حكومي خشية الافلاس الكامل للنظام الاقتصادي الأمريكي ، لو كان هناك منظومة اقتصادية اجتماعية لما سمحت لمثل هذه الشطحات بالمضاربات والتضخم الوهمي لسوق العقار والاقتراض من أجله وبعدها الافلاس وتعريض المواطن لأزمة لا مثيل لها .

أما نظام الاقتصاد في الإسلام، فيتميز عن غيره من الأنظمة الاقتصاديّة الأخرى بمجموعة من المُميّزات الخاصّة، ومن أهمّها:

 لا يُشبه الاقتصاد الإسلاميّ أنواع الأنظمة الاقتصاديّة الأخرى حيث:

 الاعتماد على العقيدة الإسلاميّة؛ إذ يعتمد هذا النظام الاقتصاديّ على الإسلام في صياغة مبادئه وقوانينه وكافّة القواعد والتشريعات الخاصّة به.

 يرتبط الاقتصاد الإسلامي بالأخلاق؛ أيّ يُحافظ على القيم الأخلاقيّة الإسلاميّة والصّفات الحميدة، وهي الصدق، والأمانة، ومُراعاة الحلال في كافّة الأنشطة الاقتصاديّة.

يعدُّ الاقتصاد الإسلامي قريباً من الواقع؛ أيّ يهتم بطبيعة الحالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة الخاصّة في الأفراد، ولا يعتمد على أيّة تقديرات أو خيالات غير حقيقيّة، كما هو الحال في الأنظمة الاقتصاديّة الأخرى.

الاهتمام بالشموليّة؛ لا يهتمّ الاقتصاد الإسلامي بالأمور الماليّة والماديّة فقط، بلّ يهتم بالجوانب الأخلاقيّة والروحيّة التي تساهم في تحقيق كافّة الحاجات الخاصّة بالنّاس، مثل العمل الذي يُعتبر من ضروريات الحياة للحصول على السكن والتعليم والرعاية الصحيّة وغيرها.

كيف يمكن أن تتدخل الدولة في ترقية النشاط الاقتصادي، من خلال دراسة مقارنة بین النظام الاقتصادي الإسلامي والتقليدي وتحديد الدور الذي تلعبه الدولة الإسلامية أو التقليدية) العلمانية (في ترقية النشاط الاقتصادي وخلق التوازن والاستقرار الاقتصادي، ولكي نصل الى فهم حقيقي قدر الامكان یمكن طرح التساؤلات التالية:

 ما هو الدور الذي تلعبه الدولة الإسلامية التي تتبع الاقتصاد الاسلامي في ترقیة النشاط الاقتصادي؟

ما هو الدور الذي تلعبه الدولة العلمانية في ترقية النشاط الاقتصاد الليبرالي؟

أیهما أكثر فائدة في ادارة النشاط الاقتصادي، الدولة الإسلامية ام التقليدية، ولماذا؟

 هل هنالك علاقة قویة بین اصول تدخل الدولة الإسلامية وترقية كفاءة اداء النشاط الاقتصادي.؟

هل یقوم تدخل الدولة الإسلامية في النشاط الاقتصادي بعدالة أكثر من النظم الاقتصادية الاخرى.؟

بعد الإجابة على تلك التساؤلات وبشكل أكاديمي وبوضع جدول يظهر ميزات كل واحد على حدى وبأغلب الحالات ، سيتبين لنا  أن الاقتصاد الإسلامي هو الاقتصاد الذي یتماشى وفق نصوص الشريعة الإسلامية للمبادئ والأصول والمعاملات  كتحريم الربا والبیوع المحرمة، فهو یصبو إلى تحقيق الأهداف التي تحقق المصلحة العامة للمجتمع ویمتاز بخصائص تمیزه عن باقي الأنظمة الوضعية ، تسعى الدولة من خلال تدخلها في النشاط الاقتصادي إلى تدعيم استقلالها السياسي باستقلالها الاقتصادي من خلال ترشيد منافع الموارد الاقتصادية المتاحة لتحقق الرفاهية المتوازنة للمجتمع ، ومن المبادئ الأساسية التي یقوم علیها الاقتصاد الإسلامي، مبدأ التوجیه الإداري للنشاط الاقتصادي، وهذا المبدأ مؤسس في أصوله على نظرية التوازن الاجتماعي التي یعتمدها الإسلام أسلوباً وهدفاً لتحقيق العدالة الاجتماعية ،  وللدولة دوراً هاماً وأساسيا في إدارة الاقتصاد الكلي على النحو الذي یكفل الاستقرار السعري والتوازن الخارجي والعمالة الكاملة والعدالة في التوزيع، ومنع الاحتكارات الخاصة بالإضافة إلى وظائف الدولة التقليدية في الأمن والدفاع والقضاء ، وبالمقارنة بجدول باقي الاقتصادات والأكثر هيمنة اليوم هو النظام الليبرالي والذي ثبت فشله والسبب الأول بهذا الفشل هو الأنانية والجشع التي اتسمت به كبرى الشركات التي تهيمن على العربة الاقتصادية وخلق ثغرات بالطبقات الاجتماعية وكادت أن تقود المجتمعات الى الصدامات ومواجهات عسكرية حتى الحرب العالمية الثانية لم تشهدها .

وبعملية محاكاة مباشرة على ما تمر به سورية اليوم بين ضياع ثروات الوطن وفقدان السيادة الوطنية على القرارات الاجتماعية قبل القرارات على اقتصاداته،  فهذا يضعنا أمام اليقين أنه منذ دخول فئة على ادارة البلاد لم يكن همها مطلقا المواطن ، اللهم الا أن  تعطيه القليل من الغذاء ليستمر بالحياة والانتاج لصالحهم بمعنى آخر مفهوم العبودية بطرق حديثة ، حيث العمل  من أجل لقمة العيش وإلا الموت جوعا ، تهيمن عليه دول خارجية تقودها روح الجشع والانانية التي يتسم بها ما نسميه الاقتصاد الليبرالي ، إذا لا يمكن التحدث مطلقا عن اقتصاد اجتماعي ولا اقتصاد اسلامي بل اقتصاد عصاباتي بامتياز، تقوده مجموعة مسلحة مدعومة خارجياً تشارك  قادة الوطن وثرواته الى حالة مزرية ، علماً أن سوريا ليست الوحيدة ، ولكن كما هو معروف حتى الوحوش تتصارع فيما بينها وهذا ما يحدث اليوم يتقاتلون ويتنازعون على ما تبقى من الوطن وثرواته وآخر همهم المواطن وحتى استمرارية حياته،  ولكن هذا لا يمنع أن يضع أصحاب الضمير الحي المفاهيم الحقيقة لاقتصاد الوطن على طاولة حواراتهم كي يستطيعون الاندماج وبشكل سريع مع المجتمع الدولي بكل مميزاته المستقبلية كرفاهية اجتماعية ومنظومة اقتصادية مستفيدين من مفاهيم الاقتصاد الاجتماعي وأبعاد الاقتصاد الاسلامي معاً الذي لا محال سيكون المنظومة القادمة لإدارة الاقتصاد ككل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى