منذ ما عرف بـ”الربيع العربي” الذي بدأ عام 2011، ما تزال عدد من الدول العربية تعاني أزمات سياسية واقتصادية منعتها من تجاوز المرحلة والتأسيس لحالة من الاستقرار.
هذا الواقع دفع السلطات في تلك الدول إلى التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في محاولة لإعادة الحياة السياسية إلى مجاريها وإحيائها بشكل فعّال.
وضمن هذه المساعي، قررت سلطات بعض الدول العربية إطلاق حوارات وطنية مع القوى السياسية المختلفة في البلاد، بغية ترتيب البيت الداخلي بما يحقق المصلحة العليا للدولة.
الخلاف الداخلي انعكس على مؤسسات الدولة، وبطبيعة الحال السلطة التنفيذية، حيث تشهد عدد من الدول كذلك تعثراً في تشكيل حكوماتٍ جديدة.
الحوارات السياسية
1- تونس
قبل أكثر من شهر أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، انطلاق “حوار وطني” من أجل الإعداد لتنظيم استفتاء على دستور جديد للبلاد في 25 يوليو/ تموز المقبل.
لكن دعوة سعيد واجهت جدلاً كبيراً في تونس بين رافضٍ ومتحفّظ ومشترط للمشاركة في هذا الحوار الذي سيكون بناءً على الاستشارة الوطنية (الاستطلاع الإلكتروني).
هذه الاستشارة الشعبية، كان سعيد أعلن منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، أنه سيجري إطلاقها عبر منصةٍ إلكترونية، بهدف تعزيز مشاركة المواطنين في عملية التحول الديمقراطي، على أن يليها استفتاء شعبي لتحديد النظام السياسي ومنظومة الانتخابات.
ونُشِر في الجريدة الرسمية مرسوم رئاسي يقضي بتشكيل “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”، ولجنتين استشاريتين وأخرى لـ”الحوار الوطني”.
إلا أن الاستشارة الإلكترونية بحد ذاتها لاقت انتقادات من العديد من الأحزاب التونسية، وعلى رأسها حركة “النهضة”، التي دعت صراحة إلى مقاطعتها.
2- موريتانيا
في فبراير/ شباط 2021، طرحت الأحزاب الموريتانية الممثلة في البرلمان (12 حزباً من المعارضة والموالاة)، وثيقة تضمّنت خريطة طريق لتنظيم حوار سياسيّ مع الحكومة.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، تعهّد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، بتنظيم حوار سياسي شامل قال حينها إنه “لن يستثني أحداً ولن يحظر فيه أي موضوع”.
إلا أن الوزير الأمين العام للرئاسة الموريتانية يحيى ولد أحمد الوقف، أعلن في 2 يونيو/ حزيران الجاري، تعليق مسار الحوار السياسي، قائلاً إن “السياق الحاليّ لا يخدم الأهداف التي يسعى الحوار لتحقيقها”.
وفي مؤتمر صحافي بالعاصمة نواكشوط، أوضح ولد أحمد الوقف، أن تعليق الحوار لا يعني إلغاءه “وإنما إعادة الكرة إلى الطيف السياسي للاتفاق على مسار شامل يشمل جميع الأطراف دون استثناء لتظل التهدئة السياسية قائمة بين جميع الأطراف، ولا يتم إقصاء أي طرف”.
وفي 3 يونيو، وصفت 6 أحزاب معارضة قرار تعليق الحوار السياسي بأنه “طعنة في الظهر ولا أساس للحجج المبررة له”.
3- الجزائر
في 23 مايو/ أيار الماضي، أطلق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مبادرة للتوافق وفتح صفحة جديدة مع المعارضة، عبر مقال نشرته وكالة الأنباء الرسمية تحت عنوان “عبد المجيد تبون، رئيس جامع للشمل”.
وجاء في المقال أن تبون “رئيس لطالما اهتم بالنقاش السائد في المجتمع ويده ممدودة للجميع بشكل دائم، ما عدا الذين تجاوزوا الخطوط الحمراء وأولئك الذين أداروا ظهرهم لوطنهم”، دون تحديد الجهة المقصودة.
وكرر تبون مرارا أنه ينفذ وعودا انتخابية قدمها للجزائريين قبل انتخابه، وأن بابه مفتوح للحوار مع الجميع، ونفى وجود معتقلي رأي، مشدداً على أن الأمر يتعلق بقضايا “سبّ وشتم وليس حرية تعبير”.
وعقب مبادرة الرئيس الجزائري أطلقت السلطات سراح عدد من معتقلي الحراك السياسي، فيما قال السكرتير الأول لـ”القوى الاشتراكية” في مؤتمر صحفي أخيرا، إن تبون تعهد بإطلاق سراح معتقلي الحراك السياسي، لافتا إلى أن عددهم يصل إلى 300 شخص.
4- مصر
في 26 أبريل/ نيسان الماضي، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مبادرة لإطلاق حوار مع المعارضة، وذلك للمرة الأولى منذ تولّيه الحكم عام 2014.
وكلّف السيسي بإجراء هذا الحوار مع كل القوى السياسية “دون استثناء ولا تمييز” بحسب تعبيره.
مبادرة السيسي لقيت تأييداً واسعاً من أنصاره، فيما سُجل ترحيب بها من معارضين بارزين أبدوا استعدادهم للمشاركة، مقابل ترقّب حذر من نظراء لهم بالخارج.
وبالتزامن مع مبادرة الرئيس السيسي، أفرجت السلطات المصرية عن 21 ناشطا سياسيا، وفق إحصاء للأناضول لبيانات أعضاء لجنة العفو وحقوقيين، منذ 26 أبريل الماضي.
ورحبت منظمة العفو الدولية، في بيان الأربعاء، بإطلاق سراح معارضين مصريين، داعية إلى المزيد من الإفراجات، في إعلان مختلف عن السنوات الماضية التي كانت تشهد انتقادات حادة من المنظمة للقاهرة، وردودا مصرية رسمية تتهمها بـ”نشر الأكاذيب”.
حكومات متعثرة
1- لبنان
وجد لبنان نفسه أمام استحقاق تشكيل حكومة جديدة تلقائيا بعد الانتخابات البرلمانية التي تمّت على مراحل كانت آخرها في الداخل بتاريخ 15 مايو الماضي.
ولن يكون يسيرا التوافق على تسمية شخصية لتكليفها بتشكيل الحكومة، نظرا لعدم تمكن الأحزاب الكبرى التقليدية من المحافظة على أكثرية المقاعد البرلمانية، بعد تسجيل اختراقات من مرشحين مستقلين و”تغييريين”.
هذا الواقع يضع لبنان أمام شبح الفراغ السياسي، خاصة أن ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، شارفت على الانتهاء، ما يعني أن الحكومة المزمع تشكيلها ستكون من أبرز واجباتها إدارة البلاد في حال عدم انتخاب رئيس جديد في الوقت المحدد.
2- العراق
منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يعيش العراق أزمة سياسية جراء خلافات بين القوى الفائزة بمقاعد برلمانية، بشأن اختيار رئيس الوزراء المقبل وكيفية تشكيل الحكومة العتيدة.
الخلافات تمتد إلى مرشح رئاسة الجمهورية، حيث يتعذر التوافق بين الأكراد على شخصية لتولي هذا المنصب.
ويسعى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (تصدر الانتخابات بـ73 من أصل 329 مقعدا)، إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية من خلال استبعاد بعض القوى منها، وعلى رأسها ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
بينما تعارض القوى الشيعية ضمن “الإطار التنسيقيّ” (مقربة من إيران)، توجّهات الصدر، وتطالب بحكومة توافقية تشارك فيها جميع القوى السياسية داخل البرلمان، على غرار الدورات السابقة.
وجرت العادة أن يتولى السُنة رئاسة البرلمان، والأكراد رئاسة الجمهورية، والشيعة رئاسة الحكومة، بموجب عرف متبع في البلاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، في 2003.
حوارات وحكومات متعثرة
1- اليمن
في 29 مارس/ آذار الماضي، استضاف مجلس التعاون الخليجي مشاورات للأطراف اليمنية في مقرّه بالعاصمة السعودية الرياض، في إطار المساعي المبذولة لوقف إطلاق النار في بلادهم.
رحّبت جماعة الحوثي الموالية لإيران بالحوار مع دول التحالف “في أي بلد غير مشارك في العدوان على اليمن، سواء كانت من بلدان مجلس التعاون الخليجي، أو في أي بلد آخر”.
وفي 7 أبريل الماضي، سلم الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، صلاحياته لمجلسٍ رئاسي برئاسة رشاد العليمي، الذي قاد منذ تولّيه منصبه حراكاً سياسياً لترتيب فريق عمله لإدارة المرحلة الانتقالية الجديدة.
وعلى الفور، بدأ العليمي حواراً مع نائبه عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أكد أكثر من مرة موقفه الداعي إلى فصل جنوب اليمن عن شماله.
ومطلع أبريل الماضي، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، موافقة أطراف الصراع على هدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد، بدأت في اليوم التالي، لقيت ترحيباً من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والقوات الحكومية والحوثيين، وفي 2 يونيو الجاري أعلن التوافق على تمديدها شهرين.
2- ليبيا
بعد مقتل الرئيس الليبي الأسبق معمّر القذافي في 20 أكتوبر 2011، دخلت البلاد أزمة سياسية وأمنية ما زالت متواصلة، رغم أنها شهدت انفراجة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية في 10 مارس 2021.
وجاء تشكيل الحكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة عقب اختياره أثناء ملتقى الحوار السياسي الليبي في مدينة جنيف السويسرية في 5 فبراير 2021.
وفي 10 فبراير الماضي، اختار مجلس النواب وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيساً للحكومة الجديدة، لكن الدبيبة رفض القرار وبرّر ذلك بأن ملتقى الحوار السياسي حدّد مدة عمل السلطة التنفيذية الانتقالية بـ18 شهراً تنتهي في 24 يونيو 2022.
ويأمل الليبيون إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، في محاولة لإنهاء سنوات من النزاع المسلح في بلدهم الغني بالنفط، الأمر الذي تعسّر إنجازه حتى الآن، خاصة مع اعتراض بعض الأفرقاء على الدستور والمطالبة بآخر جديد تتم وفقه الانتخابات.
مع الإشارة إلى أن قانون الانتخابات الذي وضع مؤخراً تعرّض للانتقاد والاتهامات بأنه مفصّل على قياس أحد الأطراف (خليفة حفتر) فيما يمنع وصول أبرز منافسيه، الأمر الذي استدعى تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في ديسمبر/ كانون الأول 2021، قبل أن يتم تأجيلها مبدئياً إلى يناير الماضي، إلا أن استمرار التناحر حال دون إنجازها.
3- السودان
منذ 25 أكتوبر الماضي، يشهد السودان احتجاجات رفضا لإجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.
وقال البرهان إنه اتخذ هذه الإجراءات لـ”تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، وتعهّد بتسليم السلطة إمّا عبر انتخابات أو في إطار توافق وطني.
وفي 27 أبريل الماضي، أعلنت الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية “إيغاد”)، انطلاق حوار وطني في الأسبوع الثاني من مايو الفائت، لحل الأزمة السياسية في السودان.
هذه الخطوة لقيت دعما إفريقيا ودوليا، في حين أعلنت قوى الثورة رفضها وتبنيها شعار اللاءات الثلاث “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية”.
من جهتها، طالبت بعض القوى وعلى رأسها “إعلان الحرية والتغيير المجلس المركزي” (الائتلاف الحاكم سابقاً)، بتهيئة الأجواء قبل الدخول في أي حوار، عبر إلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين ووقف العنف ضد المتظاهرين.
وتلبيةً لذلك، أصدر البرهان في 29 مايو الماضي، مرسوماً برفع حالة الطوارئ لتهيئة المناخ لحوار وطني لإنهاء الأزمة السياسية.
وفي 30 مايو الماضي، أفرجت السلطات عن 63 معتقلا سياسيا وفق هيئة محامي الطوارئ (مستقلة)، وذلك غداة إصدار البرهان مرسوما برفع حالة الطوارئ لـ”تهيئة المناخ لحوار وطني” من أجل إنهاء الأزمة السياسية الراهنة.
وكانت بدأت في السودان مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقّعت مع الحكومة اتفاق سلام عام 2020.
لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، إذ ما زالت الحياة السياسية متوقفة ولم ينجح الأفرقاء في تشكيل حكومة جديدة منذ إعلان حل الأخيرة قبل أشهر.
4- الصومال
يعد تعيين رئيس الحكومة الجديدة تحدياً أمام الرئيس الصومالي المنتخب حديثاً حسن شيخ محمود، حيث يأتي رئيس الحكومة هذه المرة من قبيلة “دارود” وفق قاعدة 4.5 التي يتقاسم الصوماليون على أساسها المناصب السياسية.
ويجري الرئيس مشاورات مكثفة مع السياسيين وشيوخ القبائل من أجل اختيار رجل توافقي قادر على حل الملفات الأمنية والاقتصادية والإنسانية في البلاد.
وفي سجل الحكومات السابقة، موجة من التجاذبات والخلافات السياسية أغلبها بين الرئيس ورئيس وزرائه، وينتقل الخلاف من حكومة لأخرى، حيث مر على البلاد نحو 6 رؤساء وزراء في حكومتين سابقتين نتيجة اعتبارات في المعادلة القبلية دون مراعاة الكفاءة والخبرة السياسية.
وفي ولاية سابقة للرئيس الحالي حسن شيخ محمود بين أعوام (2012 و2017) تناوب على هذا المنصب نحو 4 رؤساء حكومة، وهو ما اعتبره كثيرون فشلاً في اختيار شخصية توافقية، ولهذا يكثف الرئيس مشاوراته هربا من تكرار هذا السيناريو.
ووفق مصادر صحفية، فإن الرئيس شيخ محمود يسعى إلى خلاف العرف السياسيّ في البلاد حول نوعية الحكومة المقبلة، حيث إن 80 بالمئة من وزراء الحكومات السابقة يأتون من البرلمان، خوفاً من فقدان الحصول على ثقته.
أما الرئيس الحالي فيسعى إلى تشكيل حكومة تكنوقراط يأتي جميع أعضائها خارج أروقة البرلمان، وهو ما يشكل تحديا بالحصول على ثقة المجلس.
المصدر: الأناضول/القدس العربي