عندما تأسس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ” كان هناك وعدان كبيران: الأول أنه سيكون محل اعتراف دولي واسع ، والثاني أنه ستتدفق على خزائنه أموال قارون .
بعد أقل من شهر من تأسيسه ، تمت دعوة 663 ضابطاً وثورياً إلى مؤتمر هدفه هيكلة الجيش الحر وتوحيده، وتأسيس هيئة اركان له، ووضع قيادته بين يدي قيادة عسكرية عليا تضم 41 شخصا ( حولته الاعيب السياسة والعسكر إلى “مجلس عسكري أعلى ” سمي خطأ” مجلس الثلاثين ” ، الذي لم يتخذ في اي يوم أي قرار بتشكيله ، ويعتبر وجوده ، لهذا السبب ، غير شرعي ومنعدم !) . وقد لاحظت في حينه أنه لم تتم دعوة الائتلاف إلى المؤتمر ، مع أنه مرجعية العسكر السياسية المفترضة، وأنه تمت دعوة كل من هب ودب من عرب وأجانب إليه، فكتبت مقالة طالبت الائتلاف فيها بإعلان عدم شرعية ما حدث ، ورفض الاعتراف بما قرره الآخرون في غيابه، ثم هاتفت رئيسه يومذاك وكررت مطالبتي ، مع أنني لم أكن عضوا فيه ، بل ورفضت الانتماء إليه بالنيابة عن “المنبر الديمقراطي ” .
وقد قلت في مقالتي وحديثي الهاتفي ما يلي : إن عدم دعوة الائتلاف إلى اللقاء، وهيكلة الجيش الحر في غيابه يعني إزاحته جانبا كمرجعية سياسية للثورة ، ووضع أيد غير سورية على الجيش الحر . وأضفت أن هاتين الفعلتين تعادلان إخراج السوريين من مسألتهم الوطنية، ووضع أيد غريبة عليها من خلال تغييب أصحابها الأصليين تغييبا تاما عنها. لا داعي للقول إن الاعتراف السياسي الدولي والعربي جاء بكثافة، لكنه بقي اعترافا سياسيا ، بينما أبقى الاعتراف القانوني النظام الطرف المعترف به دوليا كمرجعية سياسية للدولة والمجتمع السوريين ، في حين غابت أموال قارون ولم يصل منها ولو قرشا واحدا.
تلك كانت اللعبة التي مرروها علينا دون أن نقوم بأي رد فعل تجاهها ، ودون ان يدافع احد عن الائتلاف ويعمل للخروج منها باي ثمن ولاستعادة قرارنا الوطني المستقل ، الذي كان ضياعه يعني قبول رؤية ما يجري في بلادنا بأعين غيرنا ، وجعل خياراتنا جزءا من خياراته ، والانضواء تحت إرادته ومصالحه.
كانت استعادة القرار الوطني السوري المهمة التي وضعتها القائمة الديمقراطية نصب عينيها ، عندما دخلت إلى الائتلاف . لذلك، ربطت رؤيتها بعمل جماعي ، تشاركي ، من نمط مغاير للنمط الحزبي أو الفئوي السائد فيه ، الذي رأى سورية وثورتها من منظوراته الجزئية والضيقة ،بدل أن يرى نفسه ودوره بمنظورها الوطني الجامع . أما هدف القائمة ، فقام على تأسيس قيادة جماعية تنجز بالتوافق مع مكونات الائتلاف المختلفة مهاما حددتها ورقة كتبتها شخصيا ، تتلخص في : مأسسة الائتلاف بحيث يخدم الثورة ولا يكون في خدمة أي شخص أو حزب او تيار ، بما في ذلك التيار الديمقراطي ، أو دولة، داخل سورية وخارجها ،وبناء جيش حر وطني يدافع عن جميع السوريين دون تمييز ، ويشجع منتسبي جيش النظام على الخروج منه وإيجاد مكان لهم في صفوفه كجيش لجميع فئات الشعب، وتشكيل حكومة تكون مرجعية للسوريين ، بما أن الائتلاف نفسه ليس مرجعية كهذه بالنسبة إليهم ، بسبب تداخل وظائفه وغموض الحدود الفاصلة بينها ، وعدم وضوح هويته ذاتها.
خرج أحمد الجربا ، رئيس الائتلاف الجديد ، على هذا النهج ، الذي كان قد الزم نفسه بتحقيقه بالتعاون مع جميع أعضاء الائتلاف ، وخاصة منهم أعضاء القائمة الديمقراطية. وبدأ يقيم سلطة فردية / شخصية أحاطها بعدد صغير من داخل القائمة وخارجها ، شكل بمعونتهم “مطبخا سريا” عمل تحت يده، ولبى كل ما طلبه منه . لذلك، دعوت بعد شهر ونصف من انتخابه إلى إصدار إعلان عن القائمة الديمقراطية يتضمن سحب ثقتها منه وإخراجه من صفوفها ، وقلت لاعضائها : لقد انتخبناه باسم الديمقراطية، وعلينا ان نقاومه ونعارضه باسم الديمقراطية ، وإلا خنا قناعاتنا وسمحنا للاخطاء التي ترتكب اليوم بالتحول قريبا إلى كوارث لا علاج لها ، وهو ما حدث بالفعل ، وتظهر نتائجه اليوم في كل مكان ، مثل تلاشي الثورة المتسارع ،وتراجعها كثورة حرية ، وتدهور حال الجيش الحر ، الذي كان يسيطر قبل الجربا على 60إلى 65 % من مساحة سورية ، ولم يعد في يده اليوم غير 10% منها ، بينما تنقسم بلادنا أكثر فأكثر إلى منطقتين هما دولة الأسد ودولة داعش ، ويقال إن دولة ثالثة ستنضم قريبا إليهما هي دولة النصرة .
هل وعى الجربا وفريقه هذه النتائج التي ترتبت على سياساته، وعمل لإصلاحها أو للتصدي لها ؟. لا هذا ولا ذاك ، بل كلف بعض اعضاء مطبخه السري بفبركة أكاذيب تحجب حقيقة ما يجرى ، أنكرت وقوع هزائم متعاقبة خلال عام من رئاسته ، بدأت بتل كلخ ومرت بالقصير وجنوب دمشق وشرقها وغربها وبالقلمون وجيرود ويبرود وحمص وقلعة الحصن والزارة والرقة ودير الزور ومنطقة كسب وحلب ومعظم ارياف سورية . بالمقابل، شطح الخيال بواحد من هؤلاء خال أنه يستطيع إقناع السوريين بوجود انتصارات تحدث عنها في مقالة كرسها للإنجاز التاريخي /الثوري، الذي تحقق بتفاهم الجربا / الصباغ على تعيين البحرة رئيسا للائتلاف بالوكالة،ريثما يسمح نظامه الداخلي لصاحب الكرسي الأصلي باستعادته ، بما أن “الرئيس” الجديد ” رجل كرسي” في فريقه ، وبالتالي مؤتمن على ما تولاه . لقد انقلب إخصائي فبركة الاوهام الانتصارية إلى شخص يتحاشى الحديث عن الواقع ، ويستعيض عنه ب”قراءات وتفسيرات ” حافلة بما يسميع العامة ” العلاك” ، حولته إلى “المبرراتي” الاول لكل ما يفعله رجل يسميه كواحد من اتباعه ” سيادة الرئيس ” ، لقب نفسه أمام سوريي أميركا ب” القائد” ، الذي سيدير “الرئيس” و” العلاك” من موقعه ، ريثما يصل الائتلاف إلى دورة رئاسية جديدة مدتهاعام كامل قابل للتجديد ، تعطي “القائد ” فرصة إدارة الائتلاف حتى تحقيق الانتصار : انتصار النظام على الثورة وليس العكس، بما أن وتيرة الهزائم التي وقعت خلال عامه الأول ستحتفظ بسرعتها وستزيدها في الفترة القادمة.
لم تتم مأسسه الائتلاف بل تمت شخصنة وفردنة قيادته . ولم يشهد أي عمل جماعي ، بل نشأ مطبخ سري ضم قلة منها هادي البحرة … . ولم تتصف علاقاته بالشفافية بل وقع تسييره بالمال السياسي وعبر نسج شبكة علاقات سرية ومفعمة بالغموض مع أطراف مختلفة خارجه وداخله حجبت حقيقة ما يجري عن اعضائه ، وتحكمت بهم من خلال ما يحفل به الائتلاف من تناقضات كتلية وخلافات سياسية وشخصية ، وما في نفوس البشر من عيوب ونقاط ضعف . باختصار : لقد تحول الائتلاف إلى تنظيم يشبه البعث، تسيره عقلية ترتبت في ظل دولة أمنية تجهل كل شيء عن البديل الديمقراطي ، سواء في النظر أم في التطبيق ، دأبت على اتباع نهج استبدادي خلق هوة متزايدة الاتساع بين ” القائد” ومن يقودهم ، جعلت منه شخصا خارج متناول أيديهم ، مجردا ومتألها ، تلاشت علاقاته معهم بدل أن تتزايد ، قبل أن تنحصر تماما في بيئة معينة ، لحمتها وسداها سياسيا مطبخه السري ومن تم تقريبه منه وإبعاده عنه ، وعسكريا بعض أعضاء ما سمي ” المجلس العسكري الأعلى ، ورهط من أمراء الحرب ، الذين سئل أحدهم عن سر تقاربه معه ، فكان رده : “نبيعه حكي وصور ونأخذ مصرياته “.
… واليوم ، وبعد انتخاب البحرة رئيسا بالوكالة أو احتياطيا ، واستبعاد الكتل السياسية والحزبية عن أي تمثيل في رئاسة الائتلاف، رغم أنها جسم المعارضة الرئيس، الذي تشكل منه “المجلس الوطني” والائتلاف، تكون قضيتنا الوطنية قد آلت إلى شخصين لم يكن لهما اي تاريخ سياسي في المعارضة، ولم يكونا بعيدين عن النظام، هما أحمد الجربا ومصطفى الصباغ ، الخصمان اللدودان اللذان سمم عداؤهما حياة الائتلاف وحال بينه وبين أن يكون مؤسسة عمل وطني، غير أنهما توافقا على إقصاء غيرهما عن التمثيل والقرار ، بعد أن جعل الثاني منهما إقصاءه خلال رئاسة الجربا قضية القضايا ، وعندما سئل عن سبب موافقته على الصفقة مع غريمه قال ” خليهن يضلوا بره اللعبة ست شهور متل ما ضلينا نحنا سنة براتها “. وللعلم ، فإن من اقصى الصباغ لم يكن الاحزاب بل الجربا نفسه ، الذي لاحقه بموجات من الحقد والشتائم الشخصية المقذعة إلى ما قبل الصفقة بساعات قليلة!.
في لحظة سقوط كارثية ، لا يجد الائتلاف حلا غير وضع القضية الوطنية بين يدي عدوين لدودين ستكون صفقتهما مؤقتة وعابرة ، سينتهي خلافهما إلى ترك المسألة السورية بين يدي الجربا ، الذي سينفرد بتخلصه من عدوه بكل شيء وسيبعد أية قوة ، وسيحوله إلى ” مكب نفايات شبيحة ” ، لن يمانع في دعم أي قرار يتخذه “القائد ” ، مهما كان نوعه وموضوعه.
كنا في الثورة ، التي طرقت أبواب دمشق مرات عديدة ، فصرنا في مسلسل هزائم يقودنا إلى الهاوية، سيواصله البحرة وستكون فيه نهاية الثورة ، وإلا ما معنى أن يسقط الائتلاف وتؤول قيادته إلى شخص نصب نفسه بديلا لجميع القوى السياسية والحزبية المعارضة ، قوض الأركان إلى حد جعل رئيسها العميد البشير يقول أمام 116 عضو هيئة عامة: ” بصراحة ، ليس هناك اليوم اركان ، ونحن شهود زور على كل ما يجري، وليس لنا أي دور ،ولا نشارك في أي عمل على الإطلاق ” ، في حين نفذ البحرة أمرا أصدره إليه من عمان بإقالة الحكومة ، ثالثة مؤسسات الثورة، التي أدى الإجهاز عليها إلى بقائه مرجعها الوحيد ؟. ماذا ستكون نتيجة ذلك ؟. ولمصلحة من يقوم الجربا به : لمصلحة الثورة أم النظام ، الشعب أم الاسد ؟.
المصدر: صفحة شذى كيلو