يُروى أنَّ الشيطانَ كان لا يجد أوقاتًا للراحة والاسترخاء من كثرة أعماله في فتنة بني البشر، ولكن فجأة وجدوه مستريحًا مسترخيًا، فسأله أحدهم: كيف هذا وكنت دائمًا تشتكي من ازدحام جدول أعمالك؟ عندها أجابه قائلًا ” منذ أنِ استلم الإنجليزُ زمام الأمور، أصبح عندي الكثير من أوقات الفراغ”. تلك قصةٌ رمزيةٌ عمّا أحدثه التاجُ البريطاني في بني البشر، لكن هل سيأتي يومٌ نشهد فيه انفضاضَ هذه الشراكة؟
في سيناريو تخيُّلي لنتصور ما سيحصل في العالم الذي ألفناه، إذا فُضَّت هذه الشراكة؟ بالتأكيد سيتنفس العالمُ لبعض من الوقت؛ لأنَّ الشيطانَ سيفتقد شريكًا إستراتيجيًّا؛ صنع معه أكبر حربين في تاريخ البشرية، وأظلم عصور العبودية، وأرفع درجات الاستكبار واستغلال الإنسان للإنسان. لقد كُرِّسَ خلال هذه الشراكةِ العلم لتجهيل البشرِ وخيراتِ الأرض لتدمير الكوكب. في هذه الحقبة الذهبية شُرِّعَت المثليةُ، وتَقونَنت الجريمةُ، وقُدِسَ الشيطانُ، وسُممت العلاقةُ بين الانسان والأرض، فأصبح الوطنُ غربةً والهجرةُ حلمًا، تحت هذه الشراكةِ أصبح القاتل قائدًا، والاحتيالُ شرفًا، والخيانةُ مهنةً، أصبحتِ المرأةُ سلعة، والطفولةُ أحلامًا معلبةً، تغطيها ورقةُ تعليماتٍ مكتوبةٍ بلغة إنكليزية ثقيلة. تحت هذه الشراكةِ أصبح الكذبُ مهارةَ حياةٍ وسلاحَ بقاء، أصبحتِ المتعةُ غايةً، والفضيلةُ أداةً للتسلية في أحاديث الصالونات، وأصبحتِ الأخلاقُ شعاراتٍ تزين بها الكتب والمكاتب!
الإنجليز يُشبَّهون بالثعلب، لكن ماذا يمكن أن يشبّه العربُ والمسلمون وبقية شعوب الأرض؟ يقال إن الأسد والذئب والثعلب خرجوا يومًا للصيد فصطادوا بقرةً وغزالًا وأرنبًا.. فقال الأسد للذئب: كيف نقسم هذه الطرائدَ بيننا؟ فرد الذئبُ على الأسد.. لكلٍ منّا حصتُه على قدر حجم جسمِه وكبّرها، فالبقرة لك.. والغزال لي.. والأرنب للثعلب، فغضب الأسد غضبًا شديدًا، وضرب الذئب ضربةً قويةً فقأ بها عينه، ثم التفت إلى الثعلب وسأله قائلًا: وأنت أيها الثعلبُ الماكرُ كيف ترى أن تكون القسمة بيننا؟ ..فرد عليه الثعلب قائلًا : أنت يا مولاي سيدُنا وملكُنا، وعليه تكون القسمة كالآتي: الأرنب فطورُك، والبقرة غداؤك، والغزال عشاؤك ، فرد عليه الأسد مبتسمًا، وهو يقول: ونعم الرأيُّ رأيك أيها الثعلب ، ولكن قل لي أيها الثعلبُ: أين وكيف تعلمت هذه القسمة العادلة والمحقّة ؟؟ فإنّ فيها عينَ الصوابِ والحكمةَ والمشورة، فرد الثعلب قائلًا: من عين الذئب التي فقأتَها يا سيدي!!
نهايةُ القول من لا يتعلم من تجارب الآخرين سيخسر الكثير… لأنَّ التاريخَ يُعيد نفسَه وتجاربُ جميع البشر متشابهةٌ تقريبًا. نعم وهنا يأتي جواب سؤالنا المحور ، ماذا سيحدث للعالم إذا فُضَت تلك الشراكةُ الناجحةُ ، الجواب ببساطة لن يحدث شيءٌ، بل سيبحث الشيطانُ عن شريك جديد، وللعجب سيجد لائحةً طويلةً من المرشحين الذين سيتهافتون على أن يكونوا بديلًا للإنجليز؛ لأنّ سر الشراكة بين الإنجليز والشيطان يذكرني بالآية الكريمة : ” وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (إبراهيم -22) .نعم كلُ تلك الكوارث التي ذكرناها في البداية كان الإنجليز بارعين في إنجازها بوقت أقصر وكلف أقل، لكن لا تظن أن غيرهم لا يحسدهم على هذا، كلُّ البشرية المغيبة عن الحق والحقيقة تتمنى أن تلعب دور الثعلب، لكن ليس الجميع يمتلك دهاءه، وبعد نظره، وهدوء أعصابه . بالتأكيد سيفتقد الشيطانُ شريكًا بلاتينيا، لكن لا تقلقوا أبدًا، فسيجد غيره بسهولة، فمن ينتظرُ بالطابور كثر، ومنهم كثيرٌ من الشعوب المظلومة التي تتمنى أن تصبح ظالمةً، فقد سئمت دور الضحية -ففيه متعُ الحياة شبهُ معدومة- وتحلم أن تلعب دور الجلاد وما يحمله معه من شهوة القوة ونشوة النصر.
يقول المثل الإنجليزي it takes two to tango” تحتاج رقصة التانغو لشخصين “، نعم الشيطانُ في معركته الأبدية طرفٌ، وقابيلُ في أنانيته وتمحوره حول هواجسه طرف آخر. لذلك قبل الإنجليز وبعد الإنجليز سيبقى الامتحان على نفس الدرجة من الصعوبة، فكلما اتسعت النافذة ظهرت الحقيقة أجلى، والحياة بلا حكمة ومعنى وهدف وعمل جاد تصبح أقرب للبهائمية التي نعيش تجلياتها في أيامنا هذه. ستنتقل الملكة اليزابيت الثانية إلى العالم الآخر في لحظة ما، وتغادر كلَّ هذا النعيمِ والنجاح والمجد، وستجد شريكها البلاتيني كالذئب معذبًا مكسورًا مفقوءَ العين، وعندها لن ينفع الثعلبَ دهاؤه!