تتواصل المناوشات الميدانية في الشمال السوري بين القوات التركية و”الجيش الوطني السوري”، المدعوم من قبلها، من جهة، و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) من جهة أخرى، وذلك بالتوازي مع تحركات سياسية روسية لتفادي عملية تركية محتملة في المنطقة، بينما جددت أنقرة عزمها على المضي قدماً فيها.
وذكر مراسل “العربي الجديد” أنّ مدفعية “الجيش الوطني” قصفت فجر الجمعة بلدة العريمة شرقي مدينة الباب وقرى كورهيوك والبوغاز والكاوكلي غربي مدينة منبج، في ريف حلب الشرقي، فيما سقطت عدة قذائف مدفعية مصدرها المناطق التي تسيطر عليها قوات “قسد” والنظام السوري، صباح الجمعة، قرب مدينة الباب.
وأضاف المراسل أنّ القصف المتبادل تزامن مع اشتباكات وقعت بين “الجيش الوطني” و”مجلس منبج العسكري” التابع لـ”قسد”، فجر الجمعة على محاور البوغاز والكاوكلي بريف منبج، شرقي حلب.
كما قال “الدفاع المدني السوري” في صفحته على “فيسبوك”، إن قصفاً صاروخياً، مصدره المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام و”قسد”، استهدف قرية برشايا قرب مدينة الباب دون تسجيل إصابات، فيما نشرت شبكات محلية صوراً وتسجيلات مصوّرة لإلقاء طيران لم تُحدد هويته قنابل مضيئة على خطوط التماس بين الجانبين.
تحركات أميركية وروسية
ولا تغيب كل من الولايات المتحدة وروسيا عن هذه التطورات بشقيها الميداني والسياسي، حيث تجولت دوريات عسكرية تابعة للتحالف الدولي، رافعة الأعلام الأميركية وسط قرية الأغيبش في تل تمر، شمالي الحسكة، عقب ساعات من تعرضها لقصف مدفعي من قبل الجيش التركي و”الجيش الوطني”، فيما تعمد القوات الروسية الى تسيير دوريات على خطوط الجبهات بين الجانبين منذ عدة أيام.
وحلقت صباح الجمعة عدة مروحيات روسية في أجواء قرى ريف حلب الشمالي وخطوط التماس بين الجانبين، وفق مراسل “العربي الجديد”، كما حلقت مروحيات روسية على علو منخفض على الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، انطلاقاً من مطار القامشلي باتجاه قرى وبلدات بريف عامودا والدرباسية وصولاً إلى أبو راسين (زركان) بريف الحسكة الشمالي والشمالي الغربي.
وكانت أنباء أفادت بأنّ القوات الروسية نشرت منظومة دفاع جوي قصير في مطار القامشلي، بالإضافة إلى قاذفات تكتيكية ومروحيات هجومية وذلك بالتزامن مع تهديدات تركية بعملية عسكرية في شمال سورية.
تحركات سياسية
وعلى الصعيد السياسي، قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إن بلاده ستجري اتصالات مع تركيا حول موضوع العملية العسكرية الجديدة التي تعتزم أنقرة القيام بها شمالي سورية.
وحث بوغدانوف على “عدم الانخراط” في وضع تكهنات حول العملية العسكرية قبل إجراء هذه الاتصالات، وفق ما نقلت عنه وكالة “سبوتنيك” الروسية أمس الخميس، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سيزور تركيا مع وفد من ممثلي وزارة الدفاع الروسية، لبحث قضايا مختلفة منها مواضيع عسكرية.
وأضاف “نحن على وشك إجراء اتصالات ومفاوضات ذات أهمية كبيرة، سوف يشارك لافروف في الاجتماعات القادمة، سيكون هناك عنصر عسكري، زملاؤنا من وزارة الدفاع ونظراؤهم الأتراك سيكونون حاضرين”.
وأكد أن روسيا تدعو إلى حل جميع القضايا من خلال المفاوضات، قائلاً “هناك آليات ذات صلة، وأعني صيغة أستانة التي يشارك فيها السوريون والضامنون (روسيا وإيران وتركيا)، وأعتقد أن جميع القضايا المتعلقة بضمان وقف إطلاق النار وتسوية جميع القضايا وفق تلك الصيغة، وأن الاتفاقات التي تم التوصل إليها من قبل يجب أن تناقش في إطارها”.
كما أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن أمل موسكو في أن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للأوضاع في سورية.
وجاء في بيان نشر على موقع الوزارة “تلقينا تقارير مثيرة للمخاوف عن مثل هذه العملية العسكرية. نأمل بأن تمتنع أنقرة عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تدهور خطير للأوضاع الصعبة أصلا في سورية”.
وقالت زاخاروفا “إنه في حين أن روسيا تتفهم رغبة تركيا في ضمان أمنها على طول الحدود السورية، إلا أن أفضل طريقة لتحقيق الأمن هي السماح للقوات السورية الحكومية بالتمركز على طول الحدود”.
تركيا مصممة
غير أن الحكومة التركية، أبلغت الولايات المتحدة تصميمها “على اتخاذ التدابير اللازمة ضد التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمنها القومي” في إشارة إلى قوات “قسد”.
وذكرت وكالة الأناضول أن ذلك جاء خلال اتصال هاتفي جرى أمس الخميس بين نائب وزير الخارجية التركي، سادات أونال، والمندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد.
ونقلت الوكالة عن بيان للخارجية التركية قوله إن المندوبة الأميركية أعربت خلال الاتصال عن قلق بلادها حيال العملية العسكرية التي تستعد تركيا لتنفيذها شمالي سورية، فأبلغها المسؤول التركي بأن تنظيم حزب العمال الكردستاني وتوابعه يشكلون “تهديداً وجودياً ليس فقط لوحدة أراضي سورية، بل أيضاً على الأمن القومي التركي”، مشيراً إلى أنه لم يتم الوفاء ببنود الاتفاقيات، التي توصلت إليها تركيا مع الولايات المتحدة وروسيا في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، بشأن ترتيبات الوضع شمالي سورية.
وأضاف أن خطر “الهجمات الإرهابية” ازداد من هذه المنطقة ضد تركيا بشكل أكبر في الآونة الأخيرة، مشدداً على أنه لا يمكن توقع أن تظل تركيا غير مبالية حيال هذه الهجمات التي تستهدف قواتها والمدنيين داخل حدود تركيا أيضاً، مؤكدا أن أنقرة “ستواصل اتخاذ التدابير اللازمة ضد التنظيمات الإرهابية التي تهدد مصالح الأمن القومي الحيوية لتركيا”.
وأبرمت تركيا اتفاقيات منفصلة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا في اكتوبر/تشرين الأول 2019، تعهدت بموجبها الولايات المتحدة وروسيا بانسحاب قوات “قسد” حتى عمق 30 كيلو متراً من الحدود التركية، وهو ما لم يحدث فعلياً.
المصدر: العربي الجديد