بدأ البعث في سورية نظامه منذ عام 1963 بالقمع والقتل والإخفاء القسري، فقد أنشأ بعد استفراده بالحكم مايسمى بالحرس القومي وهو مايشبه الشبيحة اليوم، كتائب مسلحة من البعثيين ومواليهم من شذاذ الآفاق دشنت أعمالها بقمع الاضراب الواسع الذي حصل بسورية بعد تعدي إعلام النظام على مقدسات الشعب السوري، فقام هذا الحرس اللاقومي حسب ما كان شعبنا يسميه، قام بفتح المحال التجارية وسرقة محتوياتها علنًا إضافة لمصادرتها، وإلى الآن في سورية مازال هذا التشكيل قائمًا، ولاينسى السوريون مدى القهر والظلم الذي ألحقه هذا التشكيل الإجرامي بأصحاب المهن والأعمال الصغيرة وحتى كبار التجار، وطبعًا صاحب ذلك اعتقالات وتعذيب واسعة.
في 18 تموز/يوليو 1963 أي بعد أربعة أشهر من انقلاب 8 آذار/مارس وبعد أن أفشل ميثاق الوحدة الثلاثية مع مصر والعراق ومع قمعه لحركة العقيد جاسم علوان ورفاقه وما رافقها من بطش ودماء، شهدت سورية تطورًا كبيرًا في أساليب القمع والقتل والإخفاء القسري الذي لم يكن معروفًا قبلها في بلادنا، فالكثير من المواطنين اختفوا في تلك المرحلة ولم يعرف عنهم أي شيء وكان الإعدام الميداني بدون محاكمة هو السائد في هذه المرحلة.
كانت مسيرة البعث ومع إعلان حالة الطوارئ في 9 آذار/مارس 1963 مسيرة قمع وتخويف وتسليط أجهزة الأمن العديدة على المواطنين في كل مفاصل الحياة ومع انقلاب أهل الحكم على بعضهم في 23 شباط/فبراير 1966 الذي أطاح بالرفاق القدامى ومن سمي باليمين البعثي بانقلاب دموي بدأ عهد جديد لايختلف عن ما قبله إلاّ باللهجة الخطابية المزاودة التي وصلنا من خلالها الى إضاعة الجولان في حرب لم يخضها الجيش، بعد أن تمت تصفية عناصره الفاعلة والمحترفة والمشهود لها وبعد أوامر وزير دفاعه بالانسحاب بدون قتال بعد ترك كامل معداته وأسلحته لقمة سائغة للعدو. تداعت بعدها الأحزاب غير المشتركة بالحكم لإقامة جبهة واسعة مع الحكم لإزالة آثار العدوان، فكان رد النظام أن قام باعتقال وتعذيب المئات من المعارضين لحكمه بتهمة الانقلاب على نظام الحكم مع أن الدعوة كانت للمشاركة مع الحكم في جبهة عريضة تهيئ البلد لحرب تستعيد فيها كرامتها.
لكن حرب حزيران/يونيو وتفاعلاتها ورفض وزير الدفاع الخاسر للحرب التنحي والالتزام بقرارات مؤتمرات حزبه دفعه إلى القيام بانقلاب أطلق عليه اسم الحركة التصحيحية في 16 نوفمبر/ تشرين ثاني وليزج برفاقه القدامى في السجن لمدد تتراوح بين 20 إلى 25 عام وليضيفهم لمعتقلي الحزب القدامي وليبدأ حكمه بملء السجون برفاقه وليتابع نهج الحزب بالاعتقال والخطف وأضاف لهذا الإنجاز الاغتيال: فقد اغتال معلمه السابق وزير الدفاع الذي سبقه اللواء محمد عمران واغتال في فرنسا معلمه في الحزب صلاح البيطار بعد استدعائه ومحاورته لساعات وعندما رفض التعاون معه في طريقة حكمه عاد إلى فرنسا ليكتب في جريدته الإحياء العربي مقالته الأخيرة بعنوان عفوًا شعب سورية العظيم، الذي يعتذر فيها عما سببه الحزب في سورية من قمع وقهر للشعب ليسقط بعدها صريع الحقد والإجرام على يد تلميذه النجيب. ويبدو أن النظام بعدها استسهل القتل وتلذذ بمناظر ورائحة الدم السوري فقام بأكبر مجزرة في تاريخ الشعب السوري الحديث ليقتل ويعتقل ويغيب عشرات الآلاف في مجازر حماة حتى أنه دخل إلى السجون ليقتل من فيها بسابقة لم يسبقه أحد إليها، وتابع هذا النهج حتى وفاته ولايعرف إلى الآن مصير الآلاف ممن اعتقلوا أو قتلوا أو اختطفوا في تلك المرحلة.
إذا وصلنا إلى حكم الوريث فحدث ولا حرج: فقد بدأ عهده بخطاب أسماه خطاب القسم وعد به بمسيرة مختلفة في كل مناحي الحياة. لم يصمد هذا الوعد طويلًا فقد جاء ربيع دمشق عام 2001 وجاءت بعده حملات الاعتقال والكبت لتعود سريعًا حليمة لعادتها القديمة ولكن القمع المعمم على كل سورية بدأ مع انطلاق الثورة السورية المجيدة في آذار/مارس 2011، فمع انطلاق المظاهرات السلمية التي لم تكن تنادي إلا بالإصلاح والحرية والكرامة والعدالة وهي أدنى حقوق لأي شعب نال من القمع أكثر مما يحتمل على مدار نصف قرن من نظام قمعي مستبد فاسد بعضها حمل الورود والماء للجنود الذين قابلوهم بالرصاص الحي ليصل عدد الشهداء أكثر من 500 ألف والمعتقلين والمغيبين أكثر من 300 ألف وليصل عدد النازحين واللاجئين أكثر من 6 مليون ولتخسر سورية بنيتها التحتية واقتصادها على يد حكامها ولتخرج من (السيادة) مناطق واسعة ولتتقاسم سورية احتلالات متعددة أولها حلفاء النظام من روس وإيرانيين وميليشياتهم كما أميركا وتحالفها الذي يشمل الكثير من الدول الغربية وغير ذلك من المجموعات التي اقتطعت مايحلو لها من الكعكة السورية المباحة لمن يريد.
كل ذلك يجري أمام أعين مجتمع دولي ودول عربية لم تأبه يومًا لألم الشعب السوري وكل مايهمها ماذا تستفيد من هذه الأزمة، ولطالما كانت سورية محط أنظار الطامعين ومع النظام الحالي وصلوا إلى مايريدون فالجو مباح والبر مباح والثروات مباحة والنظام يكفيه الكبتاغون الذي يدر عليه مبالغ خيالية، قدرتها بعض الدوائر الغربية في أحدث تقييم ب 16 مليار دولار والشعب متروك للعقوبات والغلاء والحياة تحت خط الفقر الذي وصل إلى 80% من مجموع السكان.
المصدر: اشراق