الوضع العالمي بين حروبه البترولية والمواجهة لأزمة الأوبئة وتوقف العربة الاقتصادية ومخاوف حروب تجارية مستقبلية، وضع أصحاب الادخارات بحيرة ، ماذا يفعلون بأموالهم وأين يستثمرون وبشكل خاص الذين لاحظوا تدهور سوق الأسهم والوضع الاقتصادي العالمي، منهم من حول عملته المحلية الى عملات أجنبية والبعض استثمر بالعقار، ولكن كما يقول المثل ( إذا سمعت صوت المدافع بالشارع فاهرب من العقار وإذا سمعت صوت الموسيقى فاستثمر بالعقار )، لذلك فكر الكثيرون اللجوء لاستثمار قدمه قدم الزمن وهو الذهب ، ولكن أغلبهم ليسوا بالدراية الكاملة بهذا الاستثمار إلا من يسعى وراء المضاربة وليس ورائه كملاذ آمن ، لذلك سنوضح معنى الاستثمار بالذهب الورقي والذهب الملموس ، من هذا المنطلق سنميز بينهما لأن البعض يعتبر الذهب الورقي أكبر خطر ، فلنرى بالشرح التالي ماذا يعني ذلك .
الكل يعلم أن كمية الذهب المخزنة بالخزائن أقل بكثير من العقود المبرمة بالسوق مما قد يقودنا الى افلاس مكاتب المقاصة والمتاجرة بعقود آجلة ورقية، ولكي نستوعب الفكرة بما معناه العقود الورقية للذهب.
الذهب الورقة ، كما يسمى بالأوساط المختصة في العقود التي تبرم بين البائع والشاري بإشراف مباشر من قبل ال COMEX لكمية من الذهب التي يجب أن تكن من 100 أونصة وما فوق وبسعر تنفيذ العقد وفق سعر البورصة ويدفع من قيمته سلفة وفق الاتفاق بالعقد ويتم بيان آجل العقد ، أي تاريخ انتهاء العقد ، إذا السعر بذلك التاريخ أعلى من سعر الشراء يكون قد حقق الشاري ربحا، إما يقبض ربحه مع رأسماله أو يمدد عقده بعد الحصول على ربحه ويشتري عقد جديد بالسعر الجديد ولفترة إضافية ، ولكن في حالة تراجع السعر فيتوجب عليه دفع فرق السعر بين السعر السابق والسعر الجديد , بالحقيقة المشكلة ليست هنا لأننا هنا نقوم بعملية مضاربة كأي عملية بالبورصة على أسهم وغيرها من المواد ، الواقع الذي نخشاه هو أن يقوم أصحاب تلك العقود بالمطالبة بالذهب كمعدن وليس عقود ورقية ، هل تلك الشركات قادرة على احترام تلك العقود بكمياتها وتسليمها لأصحاب تلك العقود وهل تملك الكمية المناسبة لكميات العقود المبرمة .
لتاريخ اليوم هناك 450 ألف عقد مبرم بين البائع والمشتري وكل عقد يتضمن 100 أونصة ( 450.000* 100 = 45 مليون أونصة ) فلنتصور أن أصحاب تلك العقود طالبت بذهبها ، هذا يعني أن تلك الشركات يتوجب عليها تسليم كمية انتاج أربعة أشهر من الانتاج العالمي للذهب ، علماً أن أي عملية يقوم بها تاجر مسجل بالكومكس يتوجب عليه اثبات امتلاكه 90% من الذهب المعروض ولكن غالباً يتم الالتفاف على ذلك الشرط ، من جهة أخرى يضمن مكتب التقاص تلك العمليات باقتطاع مبلغ على كل عملية كتأمين على الإجمالي للعمليات في حال حدث خلل بعملية البيع والشراء لتغطية أي خطر , ولكن بالواقع يبقى مكتب التقاص هو المسؤول أمام الطرفين البائع والشاري لأي مشكلة قد تحدث ، لأن المشتري ليس له أي علاقة مع البائع حيث تتم تثبيت العمليات بهذا المكتب والبائع ايضا لا علاقة له مع المشتري ، مما يعني أن هذا المكتب قد يتعرض لعملية افلاس بامتياز إذا نكس بعقده أحد الطرفين.
بينما وفق القانون الأوربي هذا لا يمكن أن يحدث لسبب بسيط بشركات الاستثمار والمضاربة بالذهب لا يحق لهم امتلاك الذهب بشكل حسي ويبقى الذهب ورقي لذلك لا يمكن أن تتعرض لأي عملية مطالبة مفاجئة لكميات الذهب كما هو الحال بنيويورك، علما أنها أيضا من جهة أخرى تمتلك منذ بداية انشاء تلك السوق للمضاربة بالذهب عام 1933 شكلت احتياطي لا يستهان به المسماة (COMEX)، والتي اشترتها Chicago Mercantile Exchange بشهر آب 2008.
بلا شك أنه مع كل التحفظات والأنظمة لإدارة تلك العمليات من الصعب جدا أن يحدث إفلاس لمكاتب التقاص المعتمدة بالبورصة العالمية لسوق الذهب وكما يقال ( أنها كبيرة جداً لتسقط) ، ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك مخاطر أيضا بالذهب الملموس كأونصات بالمضاربة بالذهب بالشكل العام حيث يتطلب حسن متابعة وخبرة عالية بتلك السوق التي تتأثر بعوامل عدة منها الشركات المستثمرة للمناجم وامكانات الاستخراج وأكلافه ، العوامل السياسية الدولية ، تقلبات بسعر العملات والدولار بشكل أساسي ، الحروب بمناطق المناجم، ونضيف بالأخير العرض والطلب الذي هو اساس التسعير لهذا المعدن ومكانته كملاذ آمن بحال الفوضى الاقتصادية والتوترات الدولية والحروب التجارية والحصارات ، لذلك ينصح لمن يرغب بتجربة هذا الاستثمار أن يعتبره الملاذ الآمن بالبداية واستثمار طويل الأمد خاصة للسبائك الملموسة كالأونصة وأن يبتعد قدر الإمكان عن الاستثمار بالذهب الورقي مهما كانت الضمانات لأن الاستحواذ على السبائك يعتبر أقل كلفة في حال البيع أو حتى الانتقال به من مكان لآخر لأن الانسان بطبيعته يشعر بالأمان حينما يلمس بشكل حسي ثروته أو ما وفره وهو إحساس قديم قدم الزمان.