تلتزم روسيا حتى الآن الصمت إزاء التحركات التركية نحو استكمال إقامة “منطقة آمنة” بعمق 30 كيلومتراً في الشمال السوري.
ولم تبد روسيا حتى الآن أي اعتراض على العملية المحتملة ضد القوات الكردية، وسط ترجيحات بمباركة موسكو الضمنية لأعمال أنقرة، مقابل التزامها الحياد حيال الحرب في أوكرانيا، وعدم الانضمام للعقوبات الغربية على موسكو، وعرقلة انضمام فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتستثمر تركيا الوضع الراهن لتحقيق الخطة القديمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإخلاء الشمال السوري من عناصر “حزب العمال الكردستاني”، المصنف في تركيا كمنظمة “إرهابية”، واستخدامه كورقة ضغط على النظام السوري في دمشق، خصوصاً أن الحديث عن إقامة “المنطقة الآمنة” جاء متزامناً مع مشروع إعادة مليون لاجئ سوري إليها.
الصمت الروسي مكافأة لتركيا
وفي هذا الإطار، يعتبر الإعلامي السوري المعارض المقيم في موسكو، نصر اليوسف، أن الصمت الروسي على الخطط العسكرية التركية في الشمال السوري يشكل مكافأة لأنقرة على جهودها في تسوية النزاع الروسي الأوكراني. ويرجح أن تؤدي إطالة أمد الحرب في أوكرانيا إلى تقليص تدريجي للوجود الروسي في سورية.
ويقول اليوسف، لـ”العربي الجديد”، إن “أبعاد الصمت الروسي حيال العملية العسكرية التركية المحتملة في مناطق شرق الفرات، وفي الشريط الحدودي المحاذي بين تركيا وسورية، تنقسم باعتقادي إلى قسمين: أولهما مكافأة لتركيا على جهودها في إيجاد حل والوساطة والاندفاع لتسوية الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وثانيهما عدم رغبة روسيا في إزعاج تركيا في هذا الوقت العصيب، لأن تركيا تلعب دور بيضة القبان بين موسكو والغرب”.
ويلفت إلى أن كلاً من روسيا والغرب يسعيان لاسترضاء تركيا. ويضيف: “أعتقد أن روسيا لن ترفض أي طلب تركي في الشمال السوري، خصوصاً أن هذه المنطقة ذات قيمة هامشية بالنسبة إلى روسيا”.
ويتابع: “نعلم أن شريط الساحل السوري هو ما أطلق عليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تسمية سورية المفيدة، ولا يمكن لروسيا بأي حال من الأحوال أن تتراجع عن تمسّكها بقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، وقاعدتها البحرية في طرطوس، وأي مسألة، عدا ذلك، يمكن أن تخضع للمساومات”.
روسيا لن تتأثر بإقامة “منطقة آمنة”
ويعتبر اليوسف أنه “إذا قررت تركيا إقامة منطقة آمنة، فلن تتأثر روسيا بهذا الأمر، لأن هذه الأراضي تخضع في جميع الأحوال لسيطرة الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية (قسد) الكردية، مع بعض الجيوب الصغيرة تحت سيطرة روسيا والنظام السوري”.
ويعلق اليوسف على تأثير الحرب في أوكرانيا على مستقبل الوجود الروسي في سورية، قائلاً إن “الحرب ضارية، والأوكرانيون يبدون مقاومة باسلة، بدعم واسع النطاق من الغرب الذي يريد أن يُركع ويستنزف روسيا من دون إراقة قطرة من دماء جنوده ومواطنيه، ولذلك يكتفي بتقديم الأسلحة”.
ويضيف: “أعتقد أن الحرب في أوكرانيا ستطول، وروسيا ستقلص وجودها في سورية إلى الحد الأدنى، أي الإبقاء على القاعدتين العسكريتين لفترة طويلة جداً، مقابل سحب القوة غير المؤثرة من الدوريات والشرطة العسكرية، تاركة لحلفائها من النظام وإيران مهمة الحفاظ على الوضع الراهن”.
موقف موسكو شبيه بعملية “غصن الزيتون”
بدوره، يرى الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، أن الصمت الروسي على الخطط التركية في الشمال السوري يشبه موقف موسكو من عملية “غصن الزيتون” في بداية عام 2018. ويتوقع تدهوراً للعلاقات التركية الأميركية في حال أقدمت أنقرة على تنفيذ العملية على أرض الواقع، ما سيصب في مصلحة موسكو.
وكانت الولايات المتحدة عبّرت، قبل أيام، عن القلق من خطط تركيا شن عملية عسكرية جديدة في شمال سورية. ويقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس: “نشعر بقلق عميق إزاء التقارير والمناقشات عن احتمال زيادة النشاط العسكري في شمال سورية، ولا سيما تأثيره على السكان المدنيين هناك”.
ويضيف: “نحن ندرك مخاوف تركيا الأمنية المشروعة على حدودها الجنوبية، لكن أي هجوم جديد من شأنه أن يقوض الاستقرار في المنطقة، ويعرّض القوات الأميركية وحملة التحالف على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للخطر”.
ويعتبر برايس أن الولايات المتحدة تتوقع أن تلتزم تركيا بالبيان المشترك، الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بما يشمل وقف العمليات الهجومية في شمال شرق سورية، مضيفاً: “ندين أي تصعيد، ونؤيد الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار الحالية”.
ويقول سيميونوف، في حديث لـ”العربي الجديد”: “تسعى روسيا في الوقت الحالي لعدم طرح مسألة المنطقة الآمنة التركية للنقاش، وهو وضع يشبه عام 2018، حين كانت أنقرة تخطط لعملية غصن الزيتون في عفرين، التي كانت تحتضن عسكريين ونقاط تفتيش روسية، فانسحبوا بهدوء حتى تتمكن تركيا من إجراء العملية”.
مصلحة روسية بتبنّي موقف محايد
ويلفت إلى تكرار هذا النموذج اليوم، مضيفاً: “لا يلحظ أي اعتراض من الجانب الروسي، خاصة وأن مثل هذه العملية، إن أجريت، ستزيد العلاقات التركية الأميركية سوءا، كونها موجهة ضد الحلفاء الأميركيين من قسد. من مصلحة موسكو أن تتبنى في الوقت الحالي موقفاً محايداً، أو عدم النطق به على الأقل”.
يذكر أن روسيا أبدت تفهماً كبيراً لعملية “غصن الزيتون” قبل أكثر من أربع سنوات، إلى الحد أن وزارة الدفاع الروسية أعلنت آنذاك عن “سحب أفرادها من عفرين لمنع استفزازات محتملة، واستبعاد التهديد لحياة وصحة العسكريين الروس”، واصفة التحرك العسكري التركي بأنه “عملية خاصة”.
المصدر: العربي الجديد