قراءة في يوميات: أبناء البحر

أحمد العربي

عبد الله مكسور روائي سوري متميز، ينتمي للثورة السورية، قرأت له أغلب كتبه، طريق الآلام و عائد إلى حلب، وايام في بابا عمرو و رواية .2003، وقد كتبت عنها كلها.

يوميات أبناء البحر صدرت ضمن سلسلة يوميات عربية أدب الرحلات وتحت مسمى جائزة ابن بطوطة. عن دار السويدي أبو ظبي ومنشورات المتوسط  ميلانو ايطاليا.

يتحدث عبد الله مكسور في اليوميات عن ظرفين حياتيين عاشهما في فارق أكثر من عقد من الزمن. الأول يتحدث به عن ما عاشه في العراق ايام الاحتلال الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣م. والثاني ما عاشه أثناء هروبه وعائلته من سوريا على اثر الثورة السورية وتبعات الظلم والقتل والاعتقال والتهجير الذي مارسه النظام على الشعب السوري حيث يحاول الهروب الى اوروبا.

يتداخل الزمانان والأحداث، حيث يعيدنا عبد الله مكسور الى تلك اللحظات التاريخية بالنسبة للشعبين العراقي والسوري، من معايشته الذاتية، ليعيد إحياء تلك اللحظات والوقائع لكي تبقى شاهدة ، مع غيرها من الشهادات، على تاريخ يجب ان لا ننساه.

عبد الله مكسور في دمشق يحاول أن يستصدر وثائق سفر لزوجته الفلسطينية وطفلته منها داماس، لكن لم يتمكن، وهو السوري ابن مدينة حماة، الذي ولد ايام أحداثها الدامية في بداية ثمانينات القرن الماضي. ولد وفي ذاته بصمة حماة الشهيدة وقتها. يريد ان يغادر وعائلته.

سوريا الحال فيا لم يعد يُحتمل، أنه في عام ٢٠١٤م. وقد مضى حوالي الأربع سنوات على الثورة السورية، وسوريا كلها شعبا وارضا أصبحت مستباحة من النظام و حلفائه الروس والإيرانيين. و السوريين المظلومين بدؤوا يفكرون بالهجرة حفاظا على الحياة اولا، والبدء من جديد في بلاد الغربة .

ولحل مشكلة أوراق السفر لعائلة عبد الله فقد أرسل زوجته الى فلسطين رام الله حيث السلطة الفلسطينية للحصول على وثيقة لابنته التي لم يعطه النظام السوري أوراق ثبوتية لها. ومن هناك ستلتحق به حيث يكون في تركيا أو أي بلد أوروبي آخر.

أما هو فقد سافر الى تركيا ومن هناك بدأ يبحث عن مهرّب ليتمكن من الوصول إلى اليونان عبر البحر ومنها الى بلد اوربي ومن ثم يلم الشمل مع عائلته ويستقر هناك.

كما يعود عبد الله بنا الى سنة ٢٠٠٣م حيث وقت الاحتلال الأمريكي للعراق، وهو هناك، لا نعلم إلا أنه معتقلا عند الأمريكان. وأنه يخضع لتحقيق مكثف ودائم وأن ذلك مقترن مع تعذيب قاسي يستبيح جسد وكرامة وحياة عبد الله وغيره من المعتقلين الكثيرين جدا.

لم يخبرنا عبد الله لماذا هو في العراق في وقت الاحتلال الأمريكي له. افادته التي قدمها للمحققين أنه طالب يدرس في بغداد، ولكنهم لم يصدقوه. يريدون معرفة كل شيء عن حياته الماضية كاملة وحياته في العراق، كل معلومة مهمة، يستجوبونه على أدق التفاصيل، يعيدون التحقيق معه، بوسائل مختلفة ووجوه متنوعة، يحاولون استدراجه. يغرونه بالتعاون معهم، أو تقديم بعض المكتسبات داخل المعتقل الذي هو اقرب الى جهنم، بكل المقاييس، يلتقي هناك بجنود وضباط عراقيين، وكذلك عرب كثيرون جاؤوا متطوعين لمواجهة الاحتلال الأمريكي.

الامريكان يتصرفون بمنطق الاستباحة المطلقة للمعتقلين، التعذيب والاغتصاب والاستباحة الجسدية، و التخويف بالقتل والتوعد بالترحيل الى غوانتانامو، كلها أساليب تستخدم ويتم انتزاع أي معلومة قد تفيد الامريكان، الذين لم يكونوا في عجلة من أمرهم.

لم يدافع عبد الله عن صدام – ضمنا – في نفسه إلا بكونه رمز العراق الذي واجه المستعمر الأمريكي. تحدث عن مفاجأة الكثير من ضباط الجيش والعساكر بخيانة البطانة المحيطة بصدام، من عسكر وسياسيين، وانهم كانوا قد نسقوا مع الامريكان قبل سقوط بغداد. وان الامريكان سيطروا على بغداد في أيام معدودة، وان غياب المقاومة بحدها الادنى كان دليلا على الخيانة.

تصرف عبد الله مع الأمريكان في الاعتقال بمنطق ان اي معلومة حقيقية عنه قد تستخدم ضده، لذلك اخترع اجابة من اول اعتقاله واستمر عليها حتى النهاية، ونحن كقراء لا نعلم إن كانت حقيقية أم لا ؟!. هل هو طالب هناك ام صحفي يتابع الحدث، ام متطوع عسكري لمقاومة الأمريكيين، ام متطوع مدني ممّن جاؤوا ليشكلوا حماية شعبية وقائية للمواقع المهمة في العراق في مواجهة الالة العسكرية الامريكية. لا نعلم حقيقة سبب وجوده، لكنه صمد أمام التحقيق الذي كان استباحة كاملة لعبد الله وكل الآخرين، بما فيها فقدانه حياته. نقل الى أكثر من محقق، واستعمل معه اكثر من اسلوب، يريدون معرفة معلومات عن صدام ومن حوله وعن السلاح النووي واين يوجد؟!. كما نقل لأكثر من مركز اعتقال وكلها تعمل لذات الهدف وهو دفع المعتقل للإدلاء بما لديه من معلومات وبأي ثمن، وبكل الأساليب. وهو استمر على إفادته الأولى ولم يغيرها.

في النهاية قرروا أن يطلقوا سراحه.

وعند العودة الى المسار الآخر الذي تحدث عنه عبد الله حول هروبه من سوريا في عام ٢٠١٤م. ومحاولة الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر مغادرا من الشواطئ التركية. وصل عبدالله إلى اسطنبول ومنها الى بدروم على شاطئ بحر ايجه قبال اليونان، حيث تواصل مع المهرب وتوافق معه على السعر المطلوب، وفي اليوم الموعود، وبطرق بوليسية، جاءه من أخذه وآخرين بسيارة على انه نقلهم لليونان ولكنه كان كاذبا وما زالوا في تركيا. وآخر وعدهم بنقلهم بالقارب، وركبوا القارب ولا دليل ولا ربان له. وتاهوا في البحر لساعات طويلة وغرق القارب وغرق أغلب من كان معه، وتم انقاذه من خفر السواحل التركي واعيد لتركيا. وهكذا استمرت محاولته للوصول الى اليونان، نجح اخيرا وصل الى هناك ومنها اتفق مع مهربين آخرين لينتقل إلى أوروبا بوثائق سفر مزورة، ودفع المال ايضا وفي كل مرة، ووصل أخيرا الى بلجيكا، البلد الذي استقر فيه.

أما زوجته وبعد أن استقر في بلجيكا فقد استطاع أن يحضرها مع ابنته وابنه الذي ولدته في فترة غيابه عنها. واستقروا في بلجيكا وبدأوا رحلة حياة جديدة.

هنا انتهت اليوميات.

في التعقيب عليها نقول:

ان دمج الحديث عن العراق واحتلاله من الامريكان وما فعله الأمريكان هناك وتبعات ذلك على العراق منذ الاحتلال الامريكي الى الان حيث تم استباحة العراق من الامريكان والايرانيين واذنابهم، وتحول حياة العراقيين الى جحيم ينتظر ثورة وحل وإعادة حقوق العراق والعراقيين للشعب العراقي المظلوم.

ان الربط بين الحديث عن العراق وسوريا هو ربط بين دور الأنظمة المستبدة والغرب والنظام العالمي وانهم اعداء للشعوب العربية، وان الشعب العربي في العراق وسوريا وفي غيرهما هو الضحية دوما. كما يتضح فإن عبد الله مكسور يحمل قضية سوريا وما حصل مع اهلها وناسها في تاريخها المعاصر تحت سلطة الاستبداد، كهوية وانتماء ورسالة. فهو ما زال يعيد كتابة الملحمة السورية بأوجه مختلفة لتبقى حية ونابضة في الذاكرة. ويستمر منورا لما حصل، ويتأمل أن يكون معرفة ذلك وأخذ العبرة منه هو المقدمة للسوريين وخاصة ابناء المستقبل ليبنوا سوريا الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية …سورية الحلم الذي عشنا نأمل في تحققه نصف قرن ولم يتحقق. لعله يتحقق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى