يزور الرئيس الأميركي آسيا للمرة الأولى منذ توليه منصبه في جولة تحمل رسالة شديدة اللهجة للصين ويتطلع لإصلاح ما أفسده ترمب.
بينما لا تزال الحرب في أوكرانيا تهيمن على أجندة البيت الأبيض، لا يبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن مشغول عن خصمه الأكثر تهديداً للنفوذ الأميركي العالمي، كما أنه لا يرغب في أن يفقد العالم تركيزه عن الصين والأهمية الجيوسياسية لمنطقة المحيطين الهندي والهادي باعتبارها العامل الأهم المحدد للسياسة والاقتصاد العالميين في الوقت الحاضر. فلم تمض أيام قليلة على استضافة قادة ثماني دول آسيوية في واشنطن، حتى شرع الرئيس الأميركي في رحلة تستغرق خمسة أيام إلى آسيا، هي الأولى منذ توليه منصبه.
وأمس الخميس، بدأ الرئيس الأميركي جولته لكوريا الجنوبية واليابان، حيث سيلتقي أولاً في سيول الرئيس الكوري الجنوبي الجديد يوون سوك يول لمناقشة اختبارات الصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية وتفشي فيروس كورونا، وفي طوكيو سيجتمع مع قادة دول تحالف “كواد” الذي يضم اليابان وأستراليا والهند مع الولايات المتحدة، ويهدف لمواجهة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أو ما يعرف بـ”إندوباسيفيك”، التي بحسب مراقبين، أصبحت الدولة الوحيدة القادرة على تغيير النظام الدولي بالنظر إلى ما تحرزه من تقدم متواصل على الصعيدين الاقتصادي والعسكري.
تحدي القرن الحادي والعشرين
برايان هاردينغ، كبير خبراء آسيا لدى معهد الولايات المتحدة للسلام، قال إن “هذه هي المنطقة الأكثر ديناميكية في العالم، هذا هو المكان الذي سيكتب فيه تاريخ القرن الحادي والعشرين. كثير من ذلك يتعلق بصعود الصين وديناميكية القوة التي تتغير بالفعل”، وهو ما يتفق مع تعليقات لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أدلى بها في مستهل توليه منصبه، واصفاً العلاقة بين واشنطن وبكين بأنها “أكبر اختبار جيوسياسي للقرن الحادي والعشرين”.
وأخيراً، أقر كورت كامبل، منسق شؤون المحيطين الهندي والهادئ في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، بأن الإدارات السابقة أرادت بالمثل التركيز على المنطقة، لكنها انجرفت بسبب تحديات أخرى. وجادل كامبل أنه في حين أن إدارة أوباما تركت عن طريق الخطأ انطباعاً بأن تركيزها على آسيا يعد تحولاً بعيداً من أوروبا، فإن إدارة بايدن تعمل على تكامل النهج بشكل أوثق. وقال المسؤول الأميركي إنه يقضي كثيراً من الوقت في التحدث مع الشركاء الأوروبيين حول مختلف مبادرات المحيطين الهندي والهادئ، كما هي الحال مع حلفاء المحيطين.
يقول المراقبون إن بايدن سيعيد تأكيد التزام الولايات المتحدة منطقة حرة ومنفتحة في المحيطين الهندي والهادئ، وسيستخدم الأزمة الأوكرانية للإشارة إلى أن تغيير الوضع الراهن بالقوة من جانب واحد أمر غير مقبول في آسيا كما هي الحال في أوروبا، في إشارة إلى أزمة تايوان التي تدعي الصين تبعيتها لها.
ونقلت إذاعة صوت أميركا عن روبرت دالي، مدير معهد كيسنجر للصين والولايات المتحدة التابع لمركز ويلسون، قوله “تريد الإدارة الأميركية أن توضح تماماً أن هناك دعماً قوياً لتايوان في جميع أنحاء المنطقة، مثلما هناك قدرة في التحالف عبر الأطلسي تجاه أوكرانيا”.
ويشير مايكل غرين، خبير آسيا لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أنه لا يزال هناك قلق، بخاصة في تايوان وأيضاً في اليابان، حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع التعامل مع أزمتين أمنيتين كبيرتين إذا اندلعت أزمة في آسيا، بينما لا تزال الحرب في أوكرانيا قائمة.
ووفقاً لتعليقات مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، للصحافيين في البيت الأبيض، فإن زيارة بايدن لآسيا ستنقل “رؤية مؤكدة لما يمكن أن يبدو عليه العالم إذا تكاتفت الديمقراطيات والمجتمعات الحرة في العالم لتشكيل قواعد الطريق وتحديد البنية الأمنية للمنطقة وتعزيز التحالفات القوية التاريخية”، مضيفاً “نعتقد أن الأمر سيسمع في بكين”.
اجتماع تحالف “كواد”
وستتشاور دول تحالف “كواد” بشأن التوترات في بحر الصين الجنوبي والاتفاقية الأمنية الأخيرة بين بكين وجزر سليمان التي أثارت مخاوف من وجود قاعدة عسكرية صينية في المياه ذات الأهمية الاستراتيجية. وتقول سوزانا باتون، الزميلة لدى معهد لوي، في سيدني، إن كانبرا وهي جارة قريبة من جزر سليمان “قلقة للغاية”. وأضافت في تعليقات صحافية، “إنه أمر أساسي لأمن أستراليا ألا تكون القوى المعادية قادرة على نشر القوة ضدها من المحيط الهادي”.
ويثير الاتفاق الأمني بين الصين وسلسلة جزر سليمان، الواقعة جنوب المحيط الهادئ، قلقاً غربياً واسعاً، بسبب الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة وقربها من أستراليا، لا سيما أن الاتفاق ينطوي على إجازة نشر قوات من الشرطة والبحرية الصينية في الأرخبيل. وبالنسبة إلى أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، فإن الاتفاق هو أحدث استعراض قوة لبكين في صراع مستمر من أجل النفوذ في المحيط الهادئ، وهي خطوة تهدد استقرار المنطقة بحسب تأكيدات مراقبين، كما أنها قد تعني تحقيق أسوأ مخاوف كانبرا وهو بناء أول قاعدة عسكرية صينية في جزر سليمان.
الاتفاق يمثل “تغييراً في قواعد اللعبة”، بحسب وصف المتخصصة في الشؤون الصينية في جامعة كانتربري بنيوزيلندا، آن ماري برادي، التي أشارت إلى أن “الولايات المتحدة هي الهدف الرئيس لهذه الخطوة، لأنها تهدف إلى مواجهة استراتيجية الاحتواء الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويهدد بشكل مباشر أمن الدول الجزرية في المحيط الهادئ واستقرارها وكذلك أستراليا ونيوزيلندا”.
بشكل عام، يدفع تحديث بكين لقواتها المسلحة دول “كواد” للحاق بالركب، بحسب ما صرح تشارلز إيدل، رئيس شؤون أستراليا لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، للإذاعة الأميركية. ويشير إلى أن الإنفاق العسكري المتزايد للصين في العقد الماضي، دفع دولاً إقليمية مثل سنغافورة واليابان وأستراليا وتايوان إلى شراء تكنولوجيا أسلحة جديدة، بخاصة من الولايات المتحدة.
رابطة “آسيان” ورسالة إلى بكين
قبل رحلة بايدن، استضاف البيت الأبيض في 12 مايو (أيار) الحالي، ولأول مرة منذ 45 عاماً، قادة رابطة دول جنوب شرقي آسيا “آسيان” المكونة من 10 أعضاء، حيث تعهد بايدن بإنفاق 150 مليون دولار، منها 40 مليون دولار في البنية التحتية المتعلقة بإمدادات الطاقة، و60 مليون دولار في الأمن البحري ونحو 15 مليون دولار في التمويل الصحي ضد الأوبئة.
لكن أهمية القمة لم تكمن في ما قيل، بل ما لم يصرح به. ووفقاً لتيانغ بون من كلية أس راغاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، في تعليقات لموقع “أوراسيا تايمز”، فإن “القمة تظهر اهتماماً أميركياً مستمراً بالمنطقة، وترسل رسالة إلى بكين مفادها أنه على الرغم مما يحدث في أوروبا الآن، فإن الولايات المتحدة لا تدع انتباهها يتشتت”. كما أنها في الوقت نفسه، كانت تهدف لتأكيد شراكة بناءة تسعى واشنطن من خلالها لتقليل مخاوف كثيرين في جنوب شرقي آسيا من أن سياسة واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ تتركز على شركاء “كواد” فقط.
وطالما كان جنوب شرقي آسيا متشككاً في تحالف “كواد” ويعتبره تحدياً لفكرتهم عن “مركزية الآسيان” في المحيطين الهندي والهادئ، في حين تسعى الولايات المتحدة لإيضاح أن التحالف الأمني مفيد لرابطة دول جنوب شرقي آسيا أيضاً، نظراً لتجاوز المجموعة الرباعية نطاق الأمن لتشمل شراكة لقاح جديد، إضافة إلى مجموعات العمل المعنية بتغير المناخ والتقنيات الناشئة.
شراكة تجارية جديدة
كما أنه من خلال زيارته يسعى بايدن إلى إصلاح ما أفسده سلفه السابق دونالد ترمب على صعيد الشراكة التجارية، عندما انسحب من الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاقية تجارة حرة شاملة بين 12 دولة مطلة على المحيط، قبل التصديق عليها عام 2017. ووفقاً لصحيفة “أميركا اليوم”، فإن مسؤولي الإدارة أقروا بأن الولايات المتحدة قد تبنت في السابق صفقات تجارية انتهى بها الأمر إلى الإضرار بالطبقة الوسطى في أميركا، لكن بدلاً من محاولة الانضمام مجدداً إلى الاتفاقية، تعمل إدارة بايدن على طرح “الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ” باعتباره حجر الزاوية في استراتيجية بايدن الاقتصادية في المنطقة.
ووفقاً لوسائل إعلام أميركية، فإن “الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ” لا يشمل مكونات التجارة الحرة التي تريدها دول المنطقة، مثل خفض التعريفات وغيرها من أدوات الوصول إلى الأسواق التي استخدمتها واشنطن قبلاً لتشجيع الشركاء على قبول السياسات، قد لا تفيد مصالحهم الاقتصادية قصيرة الأجل. وفي ظل استمرار ارتفاع المشاعر الحمائية التي أثارها ترمب، يقول مراقبون إن الإدارة والديمقراطيين في الكونغرس غير متحمسين بشأن التكلفة السياسية لفتح الوصول إلى الأسواق الأميركية، وهو السبب الرئيس وراء افتقار الولايات المتحدة إلى استراتيجية اقتصادية وتجارية قوية لمواجهة نفوذ الصين المتزايد في المنطقة.
روسيا على جدول بايدن
على الرغم من أن الزيارة تستهدف الصين، لكن من المتوقع أن تظل روسيا وأوكرانيا على جدول أعمال الرئيس الأميركي، حيث سيشجع بايدن مزيداً من الشركاء على معاقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفرضت طوكيو، أقوى حليف للولايات المتحدة في المنطقة، عقوبات مالية وقيوداً على الصادرات لموسكو، وأعلنت التخلص التدريجي من الطاقة الروسية، وعرضت مساعدات إنسانية ومساعدات عسكرية غير مميتة لأوكرانيا. كما وقعت أخيراً اتفاقية تعاون دفاعي مع بريطانيا تسمح لدولتي “مجموعة السبع” بنشر قواتهما المسلحة سريعاً للتدريب والمناورات المشتركة.
وقدمت حكومة كوريا الجنوبية، في عهد الرئيس السابق مون جاي أن، مساعدات إنسانية ودعمت العقوبات الدولية ضد روسيا، لكن على عكس اليابان وأستراليا، لم تفرض عقوبات. غير أن الرئيس المنتخب حديثاً يقود حملة لتعزيز التحالف مع الولايات المتحدة، مما قد يوفر فرصة لبايدن لتأمين دعم أكبر بشأن قضية أوكرانيا. وإضافة إلى العقوبات، قدمت حكومة رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون مساعدات عسكرية وإنسانية إلى كييف.
بينما لا تزال الهند الحلقة الأضعف في المنطقة في ما يتعلق بروسيا، إذ تتخذ نيودلهي موقفاً أكثر حياداً بشأن الحرب في أوكرانيا. وترتبط الهند وروسيا بعلاقات قوية على عديد من الصعد بما في ذلك مشتريات الأسلحة. ومع ذلك. يقول مراقبون، إن إدارة بايدن ترغب في تجنب التوترات مع الهند. وتقول أبارنا باندي، مديرة مبادرة معهد هدسون حول مستقبل الهند وجنوب آسيا، إن التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين تشير إلى فهم إدارة بايدن أنها لا تستطيع الضغط بشدة والمخاطرة بدور الهند الحاسم في مواجهة الصين والتعاون الأوسع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
المصدر: اندبندنت عربية