ليست زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى طهران حدثاً روتينياً، ومن الصعب فصلها عن تبدلات إقليمية، وتحديداً في المقاربة الإيرانية. بداية، هذه الزيارة الثانية منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، لكن الفارق بين اليوم وعام 2019، لم يعد الأسد في موقف المفاوض القوي أمام “فيلق القدس” والرئيس الإيراني، بل جاء اليوم الى طهران بصفتها خياراً وحيداً، قدمٌ وحيدةٌ لا يملك القدرة على الإتكاء على غيرها. ذاك أن روسيا اليوم منخرطة في حرب أوكرانيا وتحتاج الى كل مواردها العسكرية والمدنية في هذه المواجهة المصيرية الطويلة الأمد.
الأسد ضعيف ويُعاني من اهتراء في بنية نظامه ويُواجه تحديات مصيرية من الانهيار المالي والاقتصادي الى الأمن واحتمال دخوله في مواجهة شمالاً أو جنوباً من دون توقع مساعدة جدية من روسية. في المقابل، لدى إيران القدرة على توفير بعض المساعدة الضرورية، عسكرياً وأمنياً، وإلى حد أقل اقتصادياً، ربما عينياً من خلال الوقود وبعض التعاون التجاري. لكن في ظل هذا الواقع، لا يضع الرئيس السوري شروطه، وقد فقد أوراقه وتحديداً القدرة على ايجاد توازن بين إيران وروسيا، لهذا عليه انتظار وضع الجانب الإيراني أسس العلاقة الجديدة. وهنا من المنطقي أن لدى إيران اعتبارات جديدة ومختلفة عمّا كان سابقاً.
ماذا يختلف اليوم؟
على المستوى الإقليمي، تُركز الاجندة الإيرانية على سياسة دمج المحاور. النموذج الواضح أمامنا هو التقارب بين حركة “حماس” و”حزب الله”، والذي تبلور بحضور قادة “حماس” الى بيروت، وبالتصريحات المتبادلة عن وحدة المحاور والجبهات و”اسقاط كل الحدود” في حال حصول اعتداءات على “المقدسات”.
وبالإمكان رصد بعض الكلام في هذا السياق في البيانات الرسمية للزيارة. مثلاً، جاء في بيان الرئاسة السورية أن “الرئيس الأسد أكد خلال لقائه السيد خامنئي أنّ القضية الفلسطينية اليوم تعيد فرض حضورها وأهميتها أكثر فأكثر”، وكذلك “أكد أهمية استمرار التعاون لمنع أميركا من إعادة بناء منظومة الإرهاب التي استخدمتها للإضرار بالمنطقة”. في المقابل، أكد مرشد الثورة علي خامنئي “استمرار إيران في دعمها لسوريا لاستكمال انتصارها على الإرهاب وتحرير باقي أراضيها”، في حين “أكد الرئيس الإيراني للرئيس الأسد أنّ لدى إيران الإرادة الجادّة في توسيع العلاقات بين البلدين”، بحسب بيان الرئاسة السورية.
من الجانب الإيراني، كان الكلام وافراً أكثر وواضحاً في تموضع الرئيس السوري في المحور الايراني. نقلت عن الرئيس السوري قوله: “نشهد انهياراً للدور الأميركي في المنطقة وقد أثبتنا أننا قادرون على الانتصار أمام أميركا والقوى المهيمنة من خلال التعاون الوثيق بين دول المنطقة…نجاح المقاومة الفلسطينية أثبت أنّ تطبيع بعض العرب مع إسرائيل له نتائج عكسية”. وأكد الرئيس السوري أنّ “ما يمنع الكيان الصهيوني من السيطرة على المنطقة هو العلاقات الاستراتيجية الإيرانية السورية”.
في الزيارة الماضية، ورغم اللقاء مع المرشد وقائد فيلق القدس حينها قاسم سليماني والرئيس السابق حسن روحاني، كانت تصريحات الأسد مقتضبة ودبلوماسية فيها كلام عن “علاقات الأخوة الراسخة التي تجمع شعبي البلدين” وتهنئة في ذكرى الثورة، رغم تلقيه مديحاً من خامنئي.
هذا التموضع جاء بشكل أوضح في كلام للدبلوماسي الايراني السابق هادي أفقهي لوكالة “مهر” للأنباء أن “هذا اللقاء شوكة في عيون الذين راهنوا على إيجاد شرخ في العلاقة الإستراتيجية بين إيران وسوريا من خلال فتح سفاراتهم والمشاركة في إعادة الإعمار حسب زعمهم … هذا اللقاء المبارك له ما بعده من بركات وإنتصارات وإنجازات يعم كل جغرافيا محور المقاومة بل عموم غرب آسيا”.
توحيد المحاور أساسي هنا، وقد لا يكون منفصلاً عن البرودة في العلاقات الروسية-الإسرائيلية، واحتمال تراجع التنسيق بين الطرفين في عمليات قصف سوريا. مثل هذا الواقع ينتهي غالباً الى فتح جبهة كانت موسكو تُحاول غالباً ابقاءها مغلقة لتحقيق مكاسب في أماكن أخرى.
المصدر: المدن