العشرات يمضين الليل في العراء بانتظار خروج أبنائهن.. وأم عبدو تتلهّف لرؤية ولديها: “أمسكوني، قد أفقد الوعي”. أمضى عشرات السوريين ليلتهم في العراء قرب جسر في دمشق، وكانوا لا يزالون في المكان، الأربعاء، في انتظار وصول أقربائهم من السجناء المشمولين بقانون العفو الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذين أعلنت وزارة العدل إطلاق المئات منهم.
وأفاد مراسلون أن المئات من رجال ونساء تجمعوا بعد ظهر الثلاثاء في المنطقة التي تعد نقطة انطلاق رئيسة للحافلات إلى مختلف المحافظات. وتسلّق شبان الجسر، وافترشت نساء الأرض في حديقة مجاورة، في انتظار سماع خبر أو وصول سجناء، ومنهم من مضى على اعتقاله أكثر من عشر سنوات.
وأصدر بشار الأسد، السبت، مرسوماً قضى “بمنح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين” قبل 30 نيسان (أبريل) 2022، “عدا التي أفضت إلى موت إنسان، والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب”. ويُعد المرسوم، وفق ناشطين، الأكثر شمولاً في ما يتعلق بجرائم “الإرهاب”، كونه لا يتضمن استثناءات، كما قضت العادة في المراسيم السابقة.
وذكرت وزارة العدل في بيان، ليل الثلاثاء، أنه “تم خلال اليومين الماضيين إطلاق سراح مئات السجناء الموقوفين من مختلف المحافظات السورية”، على أن يطلق سراح جميع المشمولين بالعفو “تباعاً خلال الأيام المقبلة” في انتظار استكمال الإجراءات. ولم تنشر الوزارة قوائم بأسماء أو أعداد من يشملهم القرار.
وقالت أم ماهر بينما كانت في عداد الحشد قرب جسر الرئيس، “أنتظر أولادي الخمسة وزوجي منذ عام 2014. لقد سلمتهم إلى ربي”. وأضافت بحرقة، “ستة أشخاص لا ناقة لهم ولا جمل. نحن لا علاقة لنا بالإرهاب، عمر أكبرهم 25 سنة وأصغرهم 15”.
على غرار أم ماهر، تتلهّف أم عبدو لرؤية ابنيها اللذين لا تعلم شيئاً عن مصيرهما منذ اختفائهما في 2013 إثر توجههما إلى عملهما. وأوضحت بينما كانت تنتظر مع جارتها “آمل أن يعودا، لم نتسبب بأذية لأحد طيلة حياتنا”، وتابعت مع ابتسامة تعلو ثغرها، “قلت لجارتي أمسكيني إذا رأيتِهما، قد أفقد الوعي، لا أعرف إذا ما كنت سأتعرّف إليهما أم لا”.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، جرى حتى الآن الإفراج عن أكثر من 250 معتقلاً بموجب مرسوم العفو. وخرج بعضهم من سجن صيدنايا الذائع الصيت. وجاء صدور العفو الرئاسي بعد نشر صحيفة “غارديان” البريطانية ومعهد “نيولاينز”، الأسبوع الماضي، مقاطع فيديو مروعة تعود لعام 2013، تظهر تصفية عشرات الأشخاص على أيدي عناصر من القوات الحكومية في حي التضامن بدمشق.
وتعد قضية المعتقلين والمفقودين من أكثر ملفات النزاع السوري تعقيداً. وقد تسبّب النزاع منذ اندلاعه عام 2011 بمقتل نحو نصف مليون شخص، وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية، وأدى إلى تهجير ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
المصدر: أ ف ب/اندبندنت عربية