مقدمة الترجمة
أعد “أود أرن وِستاد”، أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة ييل، مراجعة لكتاب “اختراع الصين” من تأليف الصحافي “بِل هَيتون”، من إصدارات جامعة ييل عام 2020. ويسرد الكاتب، وهو مؤلف كتاب “إمبراطورية لا تهدأ: الصين والعالم منذ عام 1750″، بعض الأفكار المهمة حول تاريخ تشكل الهوية الصينية وكيف تتحكَّم هذه الهوية الآن في سياسات الصين الخارجية وتعاملها ونظرتها للعالم. ويستعرض “وِستاد”، في مراجعته التي نشرتها مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، بعض أفكار “هَيتون” حول سلوك الصين حاليا على الساحة الدولية وما المُتوَقَّع منها وما إن كانت تريد ضرب النظام العالمي وتدميره أم لا.
نص الترجمة
ما هي الصين؟ لا تبدو الإجابة بديهية كما يتضح. هل هذه المساحة الشاسعة هي بالأساس دولة أم حضارة أم كيان سياسي؟ هل هي إمبراطورية أم دولة قومية؟ هل هي منطقة تحوي لغات وثقافات مختلفة أم أنها (في معظمها) شعب متجانس ترتبط فيه الأغلبية العظمى بعضها ببعض عن طريق العادات والأسلاف المشتركين؟
خلال معظم السنوات الألفين الماضية، كانت المنطقة التي تُعرَف الآن بالصين مركزا للإمبراطوريات، التي كان بعضها كبيرا وامتد إلى وسط آسيا وجنوب شرقها وإلى جبال الهيمالايا وشمال المحيط الهادئ، فيما كان بعضها الآخر صغيرا ضمَّ فقط أجزاء من الصين الحديثة كما نعرفها اليوم. لقد تكوَّنت تلك المنطقة في وقت ما من عدد من الدول الصغيرة المتنافسة على النفوذ، وبأنماط لا تختلف كثيرا عمَّا كان موجودا بعد سقوط روما، بيد أن وجود الإمبراطورية في تلك المنطقة كان هو القاعدة عموما لا الاستثناء.
علم إمبراطورية “تشينغ”
من الصعب، بسبب انحدار الصين الحديثة من إمبراطوريات سابقة، التفرقة بين ما هو “داخل” البلاد وما هو “خارجها”، بحسب ما يحب الصينيون صياغة تلك المُعضلة. إذ إن الكثير من الأراضي التي تقوم عليها حاليا جمهورية الصين الشعبية اكتُسبت بحملات الغزو خلال فترة زمنية طويلة بواسطة إحدى تلك الإمبراطوريات أو غيرها، بداية من توسُّع سلالة “الهان” في المناطق التي تُعرَف الآن بجنوب الصين قبل حوالي ألفي عام مضت، وحتى غزو سلالة “تشينغ” لهضبة التبت ومقاطعة “شينجيانغ” قبل ما يربو على مئتي عام. وعلى غرار الدول الأخرى التي بقيت لفترات زمنية طويلة، أدى الاندماج والتكامل لفترة طويلة إلى زيادة التماسك والانتماء لهوية الدولة، على عكس المناطق المنضمة حديثا. مثلا، يعتقد معظم الناس في مقاطعة “قوانغدونغ” بجنوب الصين أنهم صينيون، على عكس أولئك الذين تعود جذورهم إلى التبت وشينجيانغ. أما الحزب الشيوعي الصيني، فيعتبرهم جميعا مواطنيه.
تتعقَّد الأمور إذا ما نظر المرء إلى الصين من خلال عدسة حضارية لا عدسة إمبريالية أو قومية. فقبل وقت طويل من ظهور أول إمبراطورية في المنطقة المحيطة بالنهر الأصفر، وُلِدَت ثقافة اعتمدت على اللغة المكتوبة مع مجموعة من الأفكار. ومن خلال استخدام الرموز الصينية، انتشرت هذه الأفكار حول العلاقات الإنسانية والمجتمع وأسس فهم الكون والعالم إلى المناطق المحيطة التي يبعد بعضها كثيرا عن حدود الصين الحالية، بما في ذلك المناطق التي تضم حاليا اليابان وكوريا وفيتنام. وبحلول القرن الحادي عشر، تمخَّضت عن هذه العملية مجتمعات متشابكة تشاركت وتناقلت التقنيات والأديان والفكر السياسي والآداب والفنون. وقد كانت الإمبراطوريات التي اتخذت من الصين الحالية مقرا لها في القلب من هذه المجتمعات، بيد أن مجتمعات أخرى أسهمت فيها بصورة كبيرة. أما الحضارة التي نتجت من هذه العملية فلم تكُن صنوا لدولة واحدة أو شعب واحد فحسب.
كتاب “اختراع الصين” من تأليف الصحافي “بِل هَيتون”.
وقد شغل هذا التعقيد أذهان أجيال من المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا الثقافية. وبالنسبة إلى أي شخص يحاول تولي حكم الصين، فإن أسئلة الهوية والأرض والثقافة ليست مجرد أفكار أكاديمية مُجرَّدة. في الواقع، وبحسب ما كشفه الصحافي “بيل هَيتون” في كتابه الجديد “اختراع الصين (The Invention of China)”، تُعَد مهمة الإجابة عن هذه الأسئلة جوهرية لمن يريد حُكم الصين. وتنطبق هذه الفكرة بشدة، لا سيَّما منذ انهيار إمبراطورية “تشينغ” العظمى عام 1911، التي أسس الحزب الشيوعي الصيني على أنقاضها دولة الصين المعاصرة في نهاية المطاف. وبالنسبة إلى الحزب، يمكن أن نجادل بالقول إنه يعتبر الدفاع عن ماهية الصين والصينيين أمرا لا يقل أهمية عن تطوير “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية”.
بسرده السريع الماهر، يُشرِّح “هَيتون” ثمانية “اختراعات” يرى أنها جوهرية في تلك العملية، بداية من مفهوم “الصين” نفسها، وحتى ادعاءات السيادة البحرية التي يستخدمها الحزب الشيوعي الصيني للإصرار بجرأة على أن حدود البلاد تقع على بعد 1100 ميل من ساحلها الجنوبي. وبالطبع أغضب الكتاب القوميين الصينيين الذين رأوا الأمر كأنه هجوم على مفهومهم الخاص عن الأمة الصينية. بيد أن الكتاب يقدم نقطة انطلاق متميزة لفهم كيف ولماذا بات بحث الصين عن هويتها يُشكِّل علاقاتها الخارجية.
بدأ هيتون كتابه بمفهوم “الصين” نفسها، وهو اختيار صائب. وبحسب ما أوضح، يعد اسم البلد اختراعا حديثا. فقبل عام 1911، لم تكن هناك “تشونغوا”، وهو اسم البلاد باللغة الماندَرينية الصينية ويُتَرجَم حرفيا إلى “البلد الأوسط”، بل كانت هناك إمبراطورية سلالة “تشينغ” فحسب، وقبل ذلك كانت هناك إمبراطورية سلالة “مينغ” العظمى، وهكذا. وأحب القوميون الصينيون في القرن العشرين مصطلح “تشونغوا”؛ لأن الإمبراطوريات استخدمته لوصف مناطقها المركزية، ولأن المصطلح أشار إلى الطابع المحوري العالمي لمشروعهم لبناء الأمة.
ومع ذلك، على المرء أن يكون حذرا عندما يستغرق كثيرا في نقد المصطلحات المبتكرة. رغم أن اسم “الصين” يبدو ابتكارا حديثا، فإن فكرة الثقافة الصينية المركزية التي تمثلها مجموعة من البشر المتجانسين نسبيا فكرة أقدم بكثير، ولربما لم يُشَر إليها باسم “الصين” حينئذ، بل ولعلها لم تُسمَّ باسم على الإطلاق سوى إشارات مثل “ثقافتنا” و”لغتنا (المكتوبة)”، أو حتى “نحن” فحسب. وكانت هذه الهوية الأقدم أقل هَوَسا بمن يقع داخلها وخارجها أو بما تنطوي عليه بالتحديد، بالمقارنة مع نماذج القوميين المعاصرين. غير أن التمسُّك بتلك الهوية كان قويا، وقد ناظرت بالفعل حضارة مُعيَّنة بات منطقيا أن نسميها بـ”الحضارة الصينية”. وبدون هذا الشعور بالتماسُك، ما وجد القادة المعاصرون في الصين سوى القليل للبناء عليه في مسعاهم السلطوي نحو دمج الدولة وتوحيدها.
للغرابة، ما انفك القوميون الصينيون المعاصرون يرفضون هذا المفهوم القديم عن “الماهية الصينية”، ويسعون كي يحل محلَّه تصنيف مُحدَّد جديد “للشعب الصيني” يشمل جميع أولئك الذين يعيشون داخل حدود البلاد. وبحسب هذا المنظور، فإن شعوب المانشو والمياو والتبت تظل صينية، وليس ذلك فحسب، بل إنهم لطالما كانوا صينيين، حتى إذا لم يعلموا ذلك على مر السنين. كما أنهم ضمن “القوميات” الست والخمسين التي يعترف بها الحزب الشيوعي الصيني باعتبارها القوميات المكوِّنة للشعب الصيني. بيد أن 92% من الصينيين ينتمون إلى “قومية” واحدة فحسب هي “الهان”، وهُم كما يُعرِّفهم الحزب الشيوعي الصيني ليسوا سوى أولئك الذين عُرِّفوا بوصفهم صينيين قبل عام 1949. جدير بالذكر أن جميع قادة الحزب الشيوعي الصيني من الهان، كما كانوا دوما على مدار تاريخ الشيوعية الصينية.
من الإمبراطورية إلى الدولة
بالنسبة إلى القوميين الصينيين، كانت مشكلة تحديد أراضي الصين أصعب حتى من مهمة تحديد من هُم الصينيون. وقد عرفت الأجيال القليلة بعد الإمبراطورية أن البلاد كانت مجرد إمبراطورية تتصرَّف كأنها دولة قومية. أما الحقيقة فهي أن خريطة الصين الحالية تبدو مشابهة على نحو ملحوظ لتلك الموجودة في زمن إمبراطورية “تشينغ” العظمى. ولا يتماشى ذلك مع مقولة الحزب الشيوعي الصيني بأنه خلال القرنين التاسع عشر والعشرين خضعت الصين لما يُسمَّى بـ”الإذلال الوطني” طيلة مئة عام على أيدي الاستعماريين الأجانب الذين سرقوا الأراضي الصينية وذبحوا الشعب الصيني. وإن كانت بيزنطة، بحسب نكتة ساخرة قديمة، قد عاشت ألف سنة من الاضمحلال باءت بنتيجة جيدة بالنسبة إلى البيزنطيين، فبالمثل يُمكن القول -على الأقل فيما يتعلَّق بالأراضي ووحدتها- إن الصين خرجت بعد مئة عام من الإذلال المزعوم بصورة جيدة على نحو مذهل (فلم يُحدِث المستعمِرون الغربيون انقساما أو تشرذما فيها على غرار ما جرى في القارة الأفريقية مثلا)*.
إن الكفاح الذي خاضته الصين الحديثة من أجل ترسيم حدودها هو السبب الرئيسي الذي جعل الحزب الشيوعي الصيني يتبنَّى بالكامل المفهوم الغربي لسيادة الدولة. فقبل فترة الهيمنة الغربية العالمية، غالبا ما كانت لدى الدول الآسيوية أشكال متداخلة من ادعاءات السيادة، فأمكن أن تدين منطقة ما بولاءين مختلفين لبلدين، أو أن تحتفظ بسلطتها على منطقة ما بينما تتنازل عن حقوقها في أخرى لصالح إمبراطورية مجاورة. وكانت السيادة نسبية وقابلة للتقسيم، وأحيانا ما جرى التفاوض عليها جيلا بعد آخر كلما ازدهرت مناطق أو تخلَّفت.
على النقيض من ذلك، فإن الحزب الشيوعي الصيني مهووس بسيادة الدولة على أراضيها بصورة أشد من أي نظام آخر في العالم تقريبا. قد يكون ذلك مُتجذِّرا جزئيا في حقيقة أن الغربيين واليابانيين تحكَّموا في الصين عندما حَكَمَتها حكومة مركزية ضعيفة في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ورغم أنهم لم يقسِّموا البلاد، فإنهم بالتأكيد سيطروا عليها بدلا من الصينيين. ومع ذلك، فهناك تفسير آخر أكثر إقناعا، وهو أن الحزب الشيوعي الصيني يُصِرُّ على سيادة الصين لأنه يخشى أن يواجه حُكمُه تحديا في بعض المناطق التي ورثها عن إمبراطورية “تشينغ” العظمى.
إن الصين المعاصرة قادرة تماما على الالتزام بالمعاهدات الدولية والتوصُّل إلى تسويات حدودية مع جيرانها، بيد أن التعددية أو الديمقراطية الدولية التي تتحدَّث عنها الحكومة الصينية تنطبق على التعامل مع الدول فقط، أما داخل حدودها فكل دولة حرة تتصرَّف كما شاءت، مثلما تفعل الصين حاليا في هونغ كونغ والتبت وشينجيانغ، وهي المناطق التي قلَّص فيها الحزب الشيوعي الصيني من الحُكم الذاتي بدرجة كبيرة، وقمع الهويات المحلية. وبحسب “هَيتون”، فإن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أوضح بجلاء أنه “سيولي الاندماج اهتماما أكبر على حساب ترسيخ التنوُّع”.
إن إصرار الصين على أكثر أشكال السيادة تطرفا يتوافق مع الأعراف الدولية المُستحدثة في نهاية القرن التاسع عشر، أكثر منه انتهاكا لها في الأخير. ولكن من جهة أخرى، من الواضح أن توسُّع الصين إقليميا يشكل نوعا من أنواع التحدي، ويظهر ذلك أوضح ما يكون في المناطق الجنوبية من بحر الصين الجنوبي، الذي تطلق عليه فيتنام البحر الشرقي، وتشير إليه الفلبين بأنه بحر الفلبين الغربي. فعلى مدار العقدين الماضيين، دفعت الصين بقوة نحو توسيع سيادتها الإقليمية على هذه المياه، دون اعتبار لتداخل ادعاءات السيادة من الدول المجاورة. وقد عسكرت الصين النزاع من خلال ادعاء السيادة على منطقة بعينها ثم إنشاء محطات بحرية ومواقع صواريخ فيها، وحَصَرت نفسها في مجموعة من الصراعات مع جيرانها في جنوب شرق آسيا بالتبعية. وبالنسبة إلى بكين، لا تبدو السيادة مطلقة فحسب، بل هَرَمِيَّة أيضا، إذ تُعَد سيادة الصين أشد من سيادة الدول الأخرى (أو هكذا يجب أن تكون في نظر القادة الصينيين)*، ويضع هذا نمطا إشكاليا للسلوك الصيني بينما تتعاظم قوة البلاد.
ما من مكان تبرز فيه هذه المشكلة بدرجة مقلقة أكثر من تايوان، حيث يدَّعي الحزب الشيوعي الصيني سيادته الكاملة على الجزيرة، وهذا يعني إيمانه بحقه في الاستيلاء على تايوان بالقوة وقتما شاء، بصرف النظر عن رغبة شعب الجزيرة. ولا يقتصر هذا النوع من ادعاء السيادة على الصين فحسب بطبيعة الحال، فلنأخذ على سبيل المثال ادعاءات إسبانيا سيادتها على منطقة جبل طارق. بيد أن الفرق هو وجود جماعات ذات أصوات صاخبة اليوم، قريبة من السلطة في بكين، ترغب في أن يمارس الحزب الشيوعي الصيني حقه المزعوم في ادعاء السيادة على تايوان، والرغبة في شيء تختلف تمام الاختلاف عن الإقدام عليه فعلا. بالنسبة إلى الصين، فإن الاستيلاء على تايوان بالقوة يشبه نوعا ما الرغبة في الطيران والقفز من أعلى منحدر لإثبات أن ذلك مُمكِن، إذ إن الحرب التي ستنشب في أعقاب ذلك ستكون كارثية على الصين والعالم.
ماذا تريد الصين من العالم اليوم؟
ليس كتاب “هيتون” مفيدا في معرفة ماهية الصين فحسب، بل إنه دليل تمهيدي مفيد في فهم ما تريده بكين. وهنا، يُقدِّم “هَيتون” حقيقتَيْن، إحداها مُطَمئِنة قليلا، والأخرى مُثيرة للقلق إلى حد ما. فرغم تزايد استبداد الحزب الشيوعي الصيني في الداخل وتنامي عدوانيته في الخارج، تبدو الأدلة واهية على أن النظام يستعد بالفعل لتدمير النظام الدولي الذي صمَّمته القوى الغربية وما زالت تسيطر عليه، بل يبدو أن الحزب عازم في الحقيقة على الخروج بأكبر قدر من المكاسب من هذا النظام الدولي. وبالطبع، الفرق بين هذين الهدفين يعتمد على ماهية الآليات التي ستتبناها بكين، وكيف سترد عليها القوى الغربية. غير أنه لا تزال هناك فرصة، على الأقل حتى الآن، بإمكانية حث الصين على اتخاذ موقف أكثر تعاونا تجاه الدول الأخرى بمرور الوقت.
في الوقت ذاته، يعتقد معظم الصينيين اليوم أن النظام الدولي بتصميمه الحالي مضاد لمصالح الصين. وبحسب هذا الاعتقاد فإنه لمدة أكثر من 500 عام، استولى الأوروبيون على العالم، وأبادوا الشعوب الأصلية واستعبدوا أخرى، واحتلوا مناطق شاسعة من الكوكب، وسيطروا على الموارد الطبيعية. ومن ثَم، فإن ما يُسمَّى بالنظام الليبرالي الذي أسسه هؤلاء الأوروبيون وأحفادهم نظامٌ شديد الظلم، ليس فقط لأنه بُنِي على ثروة وقوة مُكتَسَبة من خلال الإبادة الجماعية والاستعمار والاستعباد، بل أيضا لأنه بحلول الوقت الذي صارت فيه الصين قوة عالمية، كانت مؤسسات وأعراف النظام الذي يسيطر عليه الغرب راسخة بالفعل. ومن هذا المنطلق، فإن الصين والصينيين سيظلون دوما قوى من الدرجة الثانية في عالم كهذا.
من الصعب على الأجانب تحرير الصينيين من هذه الفكرة. ويجد الكثير من الصينيين الأمر مضحكا حينما يعترف الغربيون بأن مجتمعاتهم لم تكن ليبرالية طيلة قرون ثم يُصرُّون على أنهم مختلفون تمام الاختلاف اليوم. في غضون ذلك، تُغذِّي الحكومات الغربية أسوأ تيارات القومية الصينية عن طريق التجاهل المستمر للأعراف والقيم والمؤسسات نفسها التي تزعم تلك الحكومات الغربية الدفاع عنها.
ومع ذلك، من الصعب رؤية المكان الذي ستنتهي إليه الصين بفعل هذه النظرة القاتمة للنظام الدولي القائم، باستثناء اتجاهها نحو شكل من أشكال العدمية الدولية، ويبدو الحزب الشيوعي الصيني واعيا لهذا جيدا، إذ إنه يناضل لقمع الجماعات القومية المتطرفة غير المُرخَّصة داخل الصين. وفي نهاية المطاف، قد تنقلب القومية الشوفينية المتطرفة بسهولة ضد الحزب وحكمه مثلما حدث حينما سقط الاتحاد السوفيتي. ولهذا السبب، ورغم دراسة “هَيتون” الكئيبة لأصول السياسة الهوياتية للحزب الشيوعي الصيني، فهناك بعض المنطق في تمنِّي أن يتجه الحزب في الأخير إلى شكل من القومية الأقل تشدُّدا انطلاقا من مبدأ الرغبة في البقاء، بيد أننا لا يجب أن نتوقَّع حدوث ذلك في أي وقت قريب.
______________________________________
هذا التقرير مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
المصدر: Foreign Affairs /الجزيرة. نت