العيد حينما يهل علينا ويحضر بزينته الفاخرة، فإنه يعني انقضاء عام بأكمله من أعمارنا، العيد حينما يحضر فإنه يذكرنا بمن كانوا معنا في العام الماضي واليوم قد رحلوا عنا، العيد حينما يحل ويطرق علينا أبوابنا فإنه يقول لنا بفمٍ فصيح: “أنا سأعود، فهل أنتم عائدون؟”، اللهم جعلنا من عواده والفائزين به وبخيراته، اللهم آمين.
العيد بوابة للأفراح والذكريات، نتذكر جيدًا طفولتنا وثيابنا الجديدة، والأموال الحلال التي نجبيها من الأهل والأرحام، إنه يوم الغنائم التي تساق للفاتح والمنتصر ولكن دون أن نضرب بسيف أو نطعن برمح، فقط كنا نقول: “عيدكم مبارك، عساكم من عواده”، العيد يذكرنا بالأشياء الجميلة والأشياء الأخرى التي نلقي بها في طي الكتمان، ذكريات التعاسة والألم أيام الصغر، حينما تهوي عصا الجلاد على أقدامنا من أجل أن نحفظ جدول الضرب، أو تلك الأخرى التي تهوي على المؤخرات حينما نخطأ في كتابة الإملاء، وسواها كثير.
هذا هو العيد يعود علينا بالذكريات، هذا هو العيد يعود بطابع غريب عجيب، فهو أول عيد يمر عليّ دون أن يكون لي فيه أب أعايده، أو أم أقبل رأسها، إنه عيد ناقص وحزين بكل المقاييس، لعل الفاقدين أحبتهم وأعزتهم يدركون معي أن هذه الحياة كلما تقدمت بنا تأخذ منا جواهر لم ندرك وجوها وأهميتها الحقيقية إلا بعدما يرحلون للتراب، العيد سعادة ليس في لبس الجديد بل بما يحمل من معنويات مرافقة، كإفراح الصغار، وإشاعة البهجة، وإدخال السرور على قلوبٍ لم نوفق لإدخال السرور عليهم من قبل.
تزدحم برامج الإعياد وتتنوع: (زكاة الفطر، زيارة الأرحام، التزاور، ونشر الغبطة على كل من نلقاه بإشاعة روح الإبتهاج بالعيد)، العيد يضفي على أيامنا لمسة خاصة، ثم نؤوب إلى كهوفنا الداخلية لندرك أننا نغرق في الحزن، حزن ما مخفي قد ندرك بعض أسبابه وجذوره، لكن الممض أننا نجهل سر ذلك الألم الدفين، فهل حقًا يفرح المحزون والمكلوم بالعيد؟، أم أن الكثير منا يتمثل ما يقوله أبو الطيب المتنبي في داليته الشهيرة:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
العيد حل الآن وهو فرحة غامرة، فلقد قضي منا شهر كريم، سيختزن منا الذكريات للأعوام المقبلة، لهذا علينا أن نمسح بعض الألم كما تصنع السيارة بزجاجتها الأمامية، ولنصنع لنا ولأحبتنا ذكرى جميلة تستحق أن تعاد؛ فيعود علينا السرور من جديد.