اولا.ان الحديث عن حزب البعث ضمن قراءتنا للحركة الحزبية السورية.هي محاولة للغوص عميقا داخل التجربة السياسية السورية.للوقوف على وجودها وتطورها ومتغيراتها سلبا وايجابا. وعيننا على الاستفادة من القراءة النقدية لكل ذلك .لصالح بناء مستقبل سوريا الديمقراطية..
ثانيا.كنا في حديث سابق قد نوهنا .للتأثر العربي والسوري بالغرب .الذي انعكس كنموذج للتقدم العلمي والتكنولوجي .ومستعمر لنا أيضا. ولم تكن استجابة المجتمع السوري والعربي واحدة تجاه الكيفية التي يجب الأخذ بها لنتقدم فكرا وسلوكا.. كانت هناك مجموعات نخبوية فكرية ترى أننا أمة عربية مثل الأمم الأوروبية التي ظهرت في العصر الرأسمالي والتي صنعت دولها ومجدها وتقدمها ايضا. فكانت فكرة العروبة والقومية العربية مطروحة منذ بداية القرن وتبلورت مع مفكرين مثل ساطع الحصري و مفكرين سياسيين سوريين في الأربعينات إبان الاستقلال وكان من رموزهم ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وزكي الأرسوزي .الذين انصب اهتمامهم على أننا امة عربية .وعلى ضرورة وحدتها وتحررها وأسمت نفسها حركة البعث. و اضيف الى اهدافها المعلنة كحركة حزبية مفهوم الاشتراكية. وذلك بعد توحد حركة أكرم الحوراني الاشتراكيين العرب بحركة البعث. وأصبح اسمه حزب البعث العربي الاشتراكي.. ومن أهم سمات الحزب .انه حزب عقائدي شمولي. يعتمد على العمل لاستلام السلطة. لتنفيذ أفكاره في المجتمع .ونموذجه تجربة الحزب الشيوعي السوفييتي وإن بشكل غير معلن.. وافكاره عند الاطلاع عليها من مصادرها الفكرية قبل استلام السلطة في سوريا ثم في العراق. تعتمد بالمباشر على التبشير و صوغ الجمل الإنشائية حول موضوعة الحرية والوحدة والاشتراكية. وأن الأمور كلها ترتبط بالحزب الذي سيحول المجتمع المتخلف من حالته لحالة الحياة الافضل والتقدم وبشكل شبه سحري ..ولكن واقع الحال كان أسوأ بكثير.. فسرعان ما التقط الحزب مؤشر الانقلابات الثلاثه السوريه الفاشله. وثورة عبد الناصر في مصر .وعمد الى التغلغل في الجيش وباعداد كبيرة .هذا الجيش الوليد في دولة حديثة الاستقلال. وكانت خطته ان يستلم الحكم عن طريق الانقلاب العسكري. وكان الحزب بطرحه الفكري قومي وعروبي يتصرف تجاه منسوبيه من خلفية التساوي الوطني. وسرعان ما وجد به كثير من شباب الشعب السوري ومن الاقليات الطائفية و الاثنيه وفق التصنيف ما قبل الوطني .وجدوا به موقعا للتساوي الاجتماعي وموقعا للقوة وتفعيلها ايضا. فكان هناك التحاق بالجيش بنسبة كبيرة من هذه الفئات والتي ستستثمر هذه الحالة لاحقا…
ثالثا.دخل حزب البعث(اختصارا). في صلب الحركة السياسية السورية.فكان له مفكريه وقياديه وبنيته الحزبية المدنية والعسكرية. وبعضها سري.. وكان لها دور (مع غيرها من الفعاليات السورية).في استثمار الحراك الشعبي ضد تشكيل الكيان الصهيوني في فلسطين. وحلف بغداد وضد العدوان الثلاثي على مصر.وكان لقياداته (مع غيرهم أيضا). حضور في استثمار المد العربي لإسقاط حلف بغداد .ونصر مصر في تأميم قناة السويس. والعمل الجدي للوحدة السورية المصرية. التي كانت مطلبا شعبيا أكثر منها خيارا سياسيا للأحزاب السورية مثل البعث وغيره…
رابعا.كانت الوحدة فرصة لتحول البعد العروبي والقومي والاشتراكي من مقولات ذات طابع نخبوي . لتأخذ طابعا شعبيا ولتخلق مناخا وامتدادا واسعا لهذا الفكر. الذي سيستفيد منه البعث لاحقا في الانفصال وبعده.. وخاصة أن اشتراط عبد الناصر على الاحزاب ان تحل نفسها بعد الوحدة. وتنخرط في البنية الحزبية لدولة الوحدة .كالاتحاد القومي اولا ثم الاتحاد الاشتراكي. لكن واقع الحال أن حزب البعث لم يحل نفسه تماما .وخاصة جناحه العسكري الذي بقي على بنيته الحزبية السرية. وخططه المستقبلية بالتغلغل بالجيش اكثر. والتركيز على البنى الطائفية والأقليات أكثر. ضمانا للولاء ولمزيد من الحضور. وتأسيس لتحقيق المصلحة للوصول للسلطة حين تسنح الفرصة..
خامسا.كان لسقوط الوحدة أسبابها الذاتية. .والاهم العداء الإقليمي والدولي ومن الكيان الصهيوني لها..وقد استثمر البعث هذا فقد ركب موجة الاحتجاج الشعبي .بضرورة عودة الوحدة .وكان هو الحزب الوحيد المنظم والذي له بنية عسكريه وسياسيه تعرف بالضبط ماذا تريد.(السلطة طبعا). وتفاعلت مع ضباط الجيش الوحدويين الناصريين. والعمل لاسقاط الانفصال وعودة الوحدة. الانفصال الذي لم يكن له اي دعم شعبي ولا قوة تحميه.. وخطط العسكريين البعثيين والناصريين ونفذوا واسقط الانفصال. والذي أسس لحكم البعث .والذي ثبت جذوره في السلطة منذ البداية .واعيد الضباط البعثيين المبعدين .ووضعهم في مراكز رئيسية ومفصلية. وعمل على إقصاء الشريك الناصري .الذي حاول أن يرد على خيانة البعث لهم. بحركة 18 تموز 1963م التي منيت بالفشل واعدم بعض الضباط.وهرب البعض. واقصي الناصريين مطلقا بعدها من السلطة …
سادسا.لم تكن الحالة الداخلية لحزب البعث في السلطة منذ 63 وحت 70 مستقرة فقد تميزت استقطابات وصراعات وابعاد وتمحور انتهى اخيرا لحافظ الاسد الرجل الأوحد في البعث والسلطة والجيش في سوريا. فقد اختلف سياسيا وعلى قيادة السلطة مع القادة التاريخيين للحزب .عفلق والبيطار .وحقيقة الخلاف كانت على الهيمنة على مقاليد الحزب وثم السلطة والدولة .وغلفت بالخلاف حول الخيار الثوري المدعى لجناح الاسد -جديد .واسموا القياده القطريه باليساريين. واعتبروا عفلق-بيطار يمينيين واسموا القيادة القومية. وتم اقصاؤهم مطلقا وهروب اغلبهم للعراق بعد حركة 23 شباط 1966 . واستمر الاختلاف فيمن تبقى من القيادة التاريخية في اللجنة العسكرية .فقد اختلف الأسد مع صلاح جديد على حق السيطرة وقيادة السلطة. تغلفت بمواقف سياسية من مستجدات حصلت وكانت لحظة الفراق هي اختلاف الموقف من مذبحة أيلول الأسود في الأردن عام 1970 .وكان جديد .يرى ضرورة التدخل للدفاع عن الفدائيين في الأردن .بينما يرى الاسد ان ذلك يتطلب توافقات دولية لم تحصل. ونفذ رأي جديد وتوجهت القوات للاردن لان جديد له السيطرة في الحزب واغلب القياده .لكن الأسد له السيطرة في الجيش والأمن.. فسرعان ما اعتقل جديد .. ومن معه من رئيس ووزراء وغيرهم .وهرب الباقي. واستقر الحكم المطلق للأسد حتى مات..
سابعا.بعد السبعين من القرن الماضي اعتبر حزب البعث السوري.مجرد أداة تغطية وتبرير وتأليه الحاكم المطلق والمفكر والقائد التاريخي والرمز حافظ الأسد. فلم يكن له أي حضور سوى تغطية على سياسات وأفعال النظام في سوريا الداخل والامتداد العربي والإقليمي والدولي. وسرعان ما وسع شرعيته كحاكم عبر صناعة الجبهة الوطنية التقدمية التي طوبته مستبد مطلق . حرب تشرين . ودخول لبنان. وتحوله لاحتلال له. وضرب القوى الوطنية هناك. وضرب الثورة الفلسطينية واستئصالها من لبنان. وقتل الشعب السوري في أحداث السبعينات . والوقوف مع إيران في حربها مع العراق. والوقوف مع الغرب ضد العراق في الكويت وقبل وبعد..وتحويل سوريا لمزرعة خاصة للنظام كعصبة عائليه ممتدة بالطائفة الممتدة في الدولة ومفاصلها المركزية .من جيش وأمن وتحول الشعب السوري لعبيد. وإطلاق السيطرة على المجال السياسي السوري بحيث أصبحت السياسة تعني الجنون والانتحار والموت …هذا هو حزب البعث بعد السبعين وهذا دورة وموبقاته.. وكل ما فيه وما ينسب له هو عار مغلف بفكر وسلوك سياسي أو دعائي لعبادة فرد مستبد وحشي… ضد الانسانيه…
ثامنا.هذا حزب البعث في سوريا وما فعل .لقد تحول من أفكار مثالية حين النشأة عن الوحدة والحرية والاشتراكية.الى واقع نظام استبدادي وحشي ضد الشعب.والذي اثبت بعد الربيع السوري ولأكثر من ثلاث سنوات انه مستعد ان يقتل كل الشعب ويدمر البلد لمصلحة عصابة عائلية طائفية. الموقف من الحزب والنظام جذري . النظام يجب أن يسقط ويحاسب وأداته البعث يجب أن تعرى ويحاسب كل من علية أخطاء بحق الشعب السوري من منتسبيه…
ان مرورنا على تجربة البعث قبل السلطة وفي السلطة لنؤكد عدة نتائج. واهمها ان الأفكار والأحزاب مهما كانت عظيمة ووصل حاملها للسلطة .ولا يوجد مرجع شعبي ديمقراطي لمتابعته والتأكد من صحة مساره على أفكاره .فستتحول السلطة وسيلة لتحقيق مصلحة عصبة السلطة. وفي حالنا.استثمرها الاسد الاب بعد 1970.لمصلحته كعائله وعصبة ومستثمرا الطائفة العلوية.متغلغلا في مفاصل الدولة والمجتمع وخاصة الجيش والأمن. وتوسع يهيمن على الفضاء الاقتصادي والسياسي والإعلامي للبلد..كل شيئ اصبح ممهورا بختم السلطة..وكان كل ذلك كواجهة وتبرير يتم باسم حزب البعث والجبهة الوطنية التقدمية.وواقع الحال أنها كانت مجرد أدوات تغطية لحقيقة مصالح العصابه الحاكمه ومجرد (وجه سفه).يغطي عيوب السلطة..
من هنا كانت ثورتنا محاولة لاسترداد كل الحقوق من السلطة المستبدة.(التي غطت نفسها بأنها حكم حزب البعث).حقنا بالحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية والحياة الأفضل…
وما زلنا مستمرون …