قوبل الإعلان عن مشاركة الأردن في المؤتمر الأميركي لتسليح أوكرانيا ودعمها بانتقادات داخلية كثيرة، فيما تناقل ناشطون شعار “ليست حربنا” على وسائل التواصل الاجتماعي، رفضاً لأي دور أردني في هذه الحرب.
وفيما غابت معظم الدول العربية، شارك الأردن (بحسب وسائل إعلام عالمية) إلى جانب قطر وتونس والمغرب، في المؤتمر الدولي الذي نظمته الولايات المتحدة أخيراً، ووصفه مراقبون بأنه يجسد انحيازاً واضحاً ضد المعسكر الروسي، بدل التزام الحياد.
لكن مدير إعلام الديوان الملكي الأردني فهد الخيطان، نفى لـ”اندبندنت عربية” مشاركة بلاده في هذا المؤتمر وضمن أي مستوى من المستويات، خلافاً لما نشرته وأكدته وسائل اعلام عالمية عديدة”.
في المقابل، يرى مراقبون أن الأردن بات محسوباً رسمياً على المعسكر الأميركي، خصوصاً بعد معاهدة الدفاع المشترك الموقعة بين البلدين في 2021. إلا أن التساؤل الأبرز هو ما مصلحة الأردن في التخندق إلى جانب طرف من أطراف الحرب، وما الذي ستقدمه عمّان لأوكرانيا على صعيد السلاح، الذي تفتقر إلى تصنيعه، بخاصة أن عمّان لديها تجربة متواضعة في هذا المجال تقتصر على أسلحة متوسطة كقذائف المورترز وكاسحات الألغام وبعض الآليات المدرعة.
خريطة الصناعات الدفاعية
لكن مدير عام مركز الملك عبد الله الثاني للتصميم والتطوير (كادبي)، اللواء محمد فرغل، لديه رأي آخر، إذ يرى أن الأردن أصبح على خريطة الصناعات الدفاعية، وبات يصدر السلاح لـ35 دولة، وانتقل من عهد الصناعات التحويلية إلى الصناعة الدفاعية.
وبدأت فكرة تأسيس مركز للصناعات العسكرية، منذ سنوات تحت مظلة القوات المسلحة الأردنية، لكنه اليوم تطور ليشمل تطوير حلول المدفعية ذاتية الدفع، بالإضافة لتطوير أجيال جديدة من الآليات المدرعة رباعية وسداسية وثمانية الدفع وناقلات الجند، وأجهزة التشويش، وأنظمة الاتصال الداخلي.
لماذا غاب الحياد؟
وعلى الرغم من موقفه الدبلوماسي المعلن والداعي إلى التهدئة ووقف التصعيد والوقوف على مسافة واحدة من الفرقاء في بداية الأزمة، يبدو أن الأردن قرر الاقتراب من الموقف الأميركي، والتماهي مع الموقف الأوروبي، على الرغم من العلاقات والتفاهمات الجيدة التي تجمعه بروسيا خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً فيما يتعلق بالملف السوري.
وثمة ملفات أخرى ضاغطة دفعت الأردن نحو الانزواء أكثر تحت عباءة الموقف الأميركي، والتخلي عن حياده لاعتبارات سياسية واقتصادية، حيث تمثل الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياً قوياً للأردن، والمانح الأول والأكبر مالياً للمملكة، فقد أقر الكونغرس الأميركي قبل أسابيع حزمة مساعدات للأردن تقدر بـ 1.650 مليار دولار للعام الحالي.
وكانت الولايات المتحدة وقعت مذكرة تفاهم مع الأردن عام 2018 بقيمة 6.375 مليار دولار، موزعة على خمس سنوات، بينما تتفاوض عمّان مع واشنطن في شأن اتفاق برنامج المساعدات الجديدة للأعوام من 2023 وحتى 2028. وعلى مدى أربعة عقود مضت، قدمت واشنطن أكثر من 20 مليار دولار أميركي مساعدات للأردن.
رهان الدور الروسي يتراجع
ظلت عمّان إلى عهد قريب تراهن على دور روسي مهم وفاعل في مسألتين، الأولى دعم الموقف الأردني في القضية الفلسطينية والقدس، والآخر فيما يتعلق بتداعيات ما يحدث في الجانب السوري.
في الوقت ذاته تخشى عمّان من انشغال روسيا في تعقيدات الحرب الأوكرانية، والابتعاد عن ضبط الأمور على الحدود السورية، كما كان الأمر عليه سابقاً، وهو ما يمثل صداعاً مستمراً للجانب الأردني، بخاصة بعد تصاعد حجم عمليات تهريب المخدرات من الجانب السوري للأردن وبرعاية النظام السوري نفسه.
والحاصل أن حرارة الاتصالات المكثفة التي أجراها الأردن مع روسيا خلال السنوات الخمس الماضية قد ذهبت سدى، وفقدت عمّان معها خياراً كان يمكن أن يحدث فرقاً في السياسة الخارجية الأردنية.
توافق وتحالف
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي، زيد نوايسة، لـ”اندبندنت عربية”، أن المؤتمر الذي دعت له الولايات المتحدة في قاعدة عسكرية أميركية بألمانيا لمناقشة تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا واحتياجات كييف الدفاعية، يمكن فهمه في سياق جهد واشنطن المتصاعد لدعم أوكرانيا وإفشال العملية الروسية ورفع كلفتها على موسكو عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
ويضيف نوايسة، “أما دعوة الأردن فيمكن فهمها في إطار طبيعة العلاقة الخاصة بين عمان وواشنطن والتوافق لدرجة التحالف في ملفات عديدة كالإرهاب وأهمية تحقيق السلم العالمي، لكن هذا لا يعني أي تبدل في موقف عمان الرسمي من الحرب الروسية الأوكرانية، حيث دعت منذ اليوم الأول لضرورة الاحتكام للحوار السياسي، ورفض احتلال أراضي الغير، لأن هذا مخالف للقوانين والشرعية الدولية. مشيراً إلى أن “المشاركة الأردنية تأتي في إطار استكشاف الموقف والمشاركة الرمزية فقط”.
ويرى النوايسة أن عمان وإن كانت تعتبر من أهم حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في ملفات عديدة، إلا أنها ترتبط بعلاقات مهمة وجيدة مع موسكو ومع الرئيس بوتين، مستبعداً أن تذهب عمان لانحياز مطلق يتوافق مع الرغبة الأميركية، وهي تراقب حجم التريث الأوروبي وإبقاء خطوط التواصل مع موسكو.
المصدر: اندبندنت عربية