تشير المعطيات المتوفرة إلى أن حزب “الاتحاد الديمقراطي”، المسيطر على جلّ الشمال الشرقي من سورية، من خلال “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، بصدد البحث عن صيغة تفاهم مع النظام السوري، تبدو بعيدة المنال في المدى المنظور، وذلك لحسم مصير منطقة شرقي الفرات، بشكل يتيح له الحفاظ على امتيازاته في هذه المنطقة السورية الغنية بالثروات.
ودعا ألدار خليل، عضو هيئة الرئاسة المشتركة لـ”الاتحاد الديمقراطي”، في تصريحات صحافية نُشرت أمس السبت، إلى التوصل لاتفاق مع النظام. ويبدو أن خليل يتحسب من منح الغرب الضوء الأخضر لتركيا لتوسيع نفوذها في منطقة شرق الفرات على حساب “قسد”، التي يقودها “الاتحاد الديمقراطي” من خلال ذراعه العسكرية، وحدات حماية الشعب.
وأشار خليل إلى أن “الدول الكبرى لها مصالح خاصة، وحين تضع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الميزان مع الإدارة الذاتية، ترجح كفّة تركيا”، مضيفاً أن “الدول الكبرى، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة، لن تغضب تركيا إذا تطوّرت الأمور في المنطقة”. وتعتبر أنقرة حزب “الاتحاد الديمقراطي” خطراً على أمنها القومي، وتتحيّن الفرص للتعامل العسكري واسع النطاق مع هذا الخطر.
وكان خليل نفسه، المولود في محافظة الحسكة السورية في عام 1970، اعتبر مطلع العام الماضي، الاتفاق مع “المجلس الوطني الكردي” في سورية “خيانة لدماء الشهداء”، على حدّ تعبيره، كما اعتبر قوات البشمركة السورية المتمركزة في شمال العراق “مرتزقة للدولة التركية”. وكان الرجل الثاني في حزب العمال الكردستاني، جميل بايك، دعا أواخر العام الماضي، إلى “مصالحة” بين “الإدارة الذاتية” الكردية وبين نظام الأسد.
وتبدو تصريحات خليل، بمثابة قطع طريق أمام مساع أميركية حثيثة لعودة الحوار بين “المجلس الوطني الكردي” في سورية، وأحزاب “الوحدة الوطنية الكردية” التي يقودها “الاتحاد الديمقراطي”. وعقدت جولات حوار عدة كردية – كردية برعاية أميركية خلال عام 2020، لم تحقق نتائج بسبب رفض “الاتحاد الديمقراطي” إبداء مرونة إزاء بعض القضايا، أبرزها فكّ الارتباط بينه وبين “العمال الكردستاني”، وتعديل العقد الاجتماعي، وإلغاء التجنيد الإجباري، ودخول البشمركة السورية إلى الشمال الشرقي من سورية.
وذكرت مصادر مطلعة قريبة من “الاتحاد الديمقراطي” أنّ هناك تيارين في هذا الحزب: الأول يقوده ألدار خليل وعدد من القادة المتحدرين من جبال قنديل (مقر حزب العمال في العراق)، يدفع باتجاه الاتفاق مع النظام باعتباره الحليف التاريخي لحزب العمال، مقابل امتيازات للحزب في منطقة شرقي نهر الفرات، وخصوصاً في البلدات ذات الأكثرية الكردية من السكان. ووفق المصادر، هناك تيار ثان داخل “الاتحاد الديمقراطي” يريد تشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين مع المجلس الوطني الكردي، وتجسير الهوّة مع قيادة إقليم كردستان العراق والتي تحتفظ بعلاقات مميزة مع الجانب التركي.
وأشارت المصادر إلى أن التيار الأول “يقف وراء عمليات حرق مقرات تابعة لأحزاب المجلس الوطني أخيراً، بهدف إفشال أي محاولة للعودة مجدداً إلى طاولة الحوار”. وبيّنت أن “الشبيبة الثورية” التابعة لـ”الاتحاد الديمقراطي”، تلجأ إلى حرق مقرات أحزاب المجلس الوطني “كلّما شعرت بأن الأجواء باتت مهيأة لعودة الحوار الكردي”. وأضافت أن “حزب الاتحاد الديمقراطي لا يريد المشاركة مع أي طرف في قرار منطقة شرقي نهر الفرات، لذا فإنه حتى لو استكمل الحوار مع المجلس، فلن يحقق نتائج ما دام الضغط الأميركي غير جدي عليه”. وبيّنت المصادر أن التيار الداعي إلى حوار مع النظام “يبدو الأقوى، كونه يتحكم بوحدات حماية الشعب”.
وخاض “الاتحاد الديمقراطي” جولات حوار عدة مع النظام، لكن محاولات الاتفاق بينهما اصطدمت دائماً برفض النظام تقديم أي تنازلات جوهرية من قبيل الاعتراف بـ”الإدارة الذاتية” أو اعتبار “قسد” والأجهزة الأمنية المرتبطة بها جزءاً من المنظومة الأمنية والعسكرية للنظام. كما أن رفض واشنطن، الداعم الأبرز لـ”قسد”، أي تقارب مع النظام يجعل من محاولات تيار ألدار خليل بلا قيمة، وفق المصادر.
وفي السياق، أشار المنسق العام لـ”حركة الإصلاح الكردي”، عضو “الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي”، فيصل يوسف، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الاتحاد الديمقراطي لطالما صرّح عن استعداده الدائم للحوار مع النظام وعقد اجتماعات معه على مدار السنوات السابقة، لكنها لم تكن مثمرة”.
وبيّن يوسف أن “المجلس الوطني الكردي توصّل مع حزب الاتحاد الديمقراطي لمسودة مشروع تفاهم سياسي خلال المفاوضات معه في مايو/أيار 2020، برؤية سياسية مشتركة حول الحل السياسي في البلاد وفق القرار 2254 والعمل المشترك في إطار المعارضة الوطنية كفريق واحد والتفاوض مع النظام بإشراف دولي”. وذكّر بأن “المفاوضات متوقفة بين الطرفين منذ أواخر 2020″، مؤكداً أن “المجلس يلتزم بما أنجزه من مسودات في سياق الرؤية السياسية التي ذكرتها”.
المصدر: العربي الجديد