إيران تتبنى سلوكاً عدائياً في شمال الخليج بعد المناورات العسكرية الأمريكية

فرزين نديمي

في 15 نيسان/أبريل، أفادت “القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية” عن قيام الزوارق السريعة التابعة لـ “بحرية «الحرس الثوري الإسلامي»” الإيراني بسلسلة مناورات في المياه الشمالية للخليج العربي وصفتها بـ “الخطيرة وعديمة الاحترافية”. واستناداً إلى أدلة الصور والفيديو التي نشرتها “القيادة المركزية” تُعتبر هذه المواجهة غير مسبوقة من عدة نواحٍ: فقد شارك فيها عددٌ كبير نسبياً من القوارب المسلّحة (وصل إلى حد 11 قارب في حالة واحدة) التي حامت بكثرة وعدائية حول السفن الأمريكية في نطاقات قريبة بشكل غير عادي.

وجاءت هذه المواجهة بعد يومٍ واحد من وقوع حادث بالقرب من مضيق هرمز حيث أوقفت قواربٌ إيرانية مسلّحة، سواء من قوات الشرطة البحرية أو “بحرية «الحرس الثوري»” الإيراني، ناقلة النفط “أس سي تايبيه” التي ترفع علم هونغ كونغ ويشغّلها طاقم صيني في المياه الدولية. ثم تم سحب السفينة إلى المياه الإيرانية قبالة “كوهي مبارك”، حيث يتواجد مركزٌ للشرطة البحرية. والجدير بالذكر أن “التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية”، الذي تقوده حالياً البحرية الملكية البريطانية، يقوم حالياً بدوريات في تلك المياه، ولكن وفقاً لبعض التقارير ارتأى عدم التدخل عند معرفته بالحادثة. وبعد ساعات، تم الإُفراج عن الناقلة لمواصلة وجهتها نحو السعودية – جاء ذلك كما يُفترض بعد أن أدرك الإيرانيون أنها سفينة صينية.

وكان ينبغي توقّع هذه التحركات العدوانية. فوفقاً لتقارير استخباراتية، تنشط قوارب البحرية الإيرانية في الخليج بشكل غير اعتيادي منذ أوائل كانون الثاني/يناير، بعد أن استهدفت الولايات المتحدة قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني. وتصاعدت التوترات بصورة أكثر بعد هجومٍ قاتل شنّته إحدى الميليشيات في العراق في 11 آذار/مارس، حيث قتلت القوات الموالية لإيران جنود أمريكيين وبريطانيين. وفي الشهر نفسه، بدأت كافة فروع القوات المسلحة الأمريكية تقريباً بمناورات دفاعية مشتركة في وسط وشمال مياه الخليج. واستناداً إلى الرد الإيراني، يبدو أن طبيعة هذه المناورات ونطاقها أثارا قلق القيادات في “بحرية «الحرس الثوري»”.

العين بالعين، والتكتيك بالتكتيك

تضمّنت المناورات العسكرية الأمريكية تكتيكاتٍ قائمة على أساليب جديدة وأخرى قديمة مثبتة للتمركز البحري والانتشار الأمامي لمروحيات الجيش. فخلال المواجهات الأمريكية -الإيرانية في الفترة 1987-1988، كانت مروحيات الجيش المجهّزة للهجمات الخفيفة تنطلق من مراكب معدّلة قبالة السواحل السعودية لتنفيذ عملياتها، باستخدامها كمائن ليلية للقضاء على الكثير من الزوارق الإيرانية السريعة التي كان يُشتبه بأنها تزرع الألغام في البحر.

واليوم تم تطوير هذه التكتيكات وتحسينها للتصدي لمناورات الاحتشاد الإيرانية بواسطة إمكانياتٍ لها وقعٌ أكثر فاعليةً، مثل الطائرة الحربية “أي سي-130 دبليو ستينغر 2” (AC-130W Stinger II) التابعة لسلاح الجو أو مروحيات الهجوم التابعة للجيش من طراز “أي أتش-64 إي أباتشي غارديان” (AH-64E Apache Guardian). واليوم تعمل مروحيات “أباتشي” من سفينة البحرية الأمريكية “يو إس إس لويس بي بولر” الضخمة التي تعدّ أولى “قاعدة بحرية استكشافية دائمة” للبحرية الأمريكية. وقد حلّت هذه السفينة الرئيسية محل سفينة “يو إس إس بونس” في شمال الخليج خلال آب/أغسطس 2017، ويمكنها حمل ما يصل إلى أربع مروحيات كبيرة كاسحة للألغام من نوع “سي أتش-53 إي” (CH-53E) أو مروحيات “أباتشي” و “بلاك هوك”.

على مدى السنوات القليلة الماضية، أجرت الولايات المتحدة اختبارات على مجموعةٍ من الأسلحة والأساليب المصممة لصدّ زوارق الاحتشاد والطائرات المسيّرة الإيرانية. وتشمل هذه منظومات الليزر والموجات الميكروية عالية القدرة (بما فيها منظومة أسلحة الليزر) المنصوبة على سفينة “بونس” والصواريخ المعدّلة المضادة للدبابات، والصواريخ الموجّهة من عيار 70 ملم، وزوارق الاحتشاد المسيّرة الدفاعية. كما أن طائرة “إي سي-130 دبليو” (AC-130W)، بالإضافة إلى تشكيلة أسلحتها المعتادة، مسلّحة بقنابل انزلاقية صغيرة القطر من نوع “جي بي يو-39″ (GBU-39) و”جي بي يو-53” (GBU-53)، مع الإشارة إلى أن النوع الأخير قادر على استهداف أهدافٍ متحركة بدقة على مدى 72 كيلومتراً (أو 110 كيلومترات ضد أهداف ثابتة). وقد سبق لـ “البحرية الأمريكية” أن أجرت تمارين على طائرات هجومية من طراز “إي-10 ثاندر بولت” (A-10 Thunderbolt)، تابعة لـ “سلاح الجو الأمريكي”، والتي تشكل منصة فعالة أخرى ضد الزوارق السريعة المناوِرة.

ومن جانبها، تُعتبر سفينة “بولر” مثاليةً للعمليات الاستكشافية في مناطق الخليج حيث لا تتوفر القواعد الساحلية على الفور، سواء لأسباب لوجستية أو سياسية. ويتألف طاقم السفينة من 100 عنصر عسكري و44 مدنياً، وتشكّل السفينة منصةً فريدة ومرنة للقوات الأمريكية في المنطقة. وتُعتبر أيضاً خياراً واضحاً لدعم العمليات الخاصة في المنطقة البحرية الشديدة الحساسية حول قاعدة “بحرية «الحرس الثوري»” في “جزيرة فارسي”. وتطلّ هذه القاعدة على طرق الشحن الوافدة إلى الكويت والخارجة منها، حيث تتمركز حالياً معظم شبكة الدعم اللوجستي للجيش الأمريكي.

إحياء وتحديث القدرات القديمة

وفقاً لبيان “القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية” في 15 نيسان/أبريل، تعتمد القوات الأمريكية في الخليج بشكل متزايد على فرق العمل المشتركة لـ “كشف التهديدات الأرضية وتعقّبها والاشتباك معها وهزيمتها من أجل السيطرة على حيّز المياه”. وتشمل هذه الفرق عادةً السفن الحربية التابعة للبحرية وسفن الدوريات الساحلية من فئة “سايكلون” المسلّحة بصواريخ “غريفين” قصيرة المدى، على الرغم من أن كلا النوعين يُستخدم بشكل أساسي لتحديد مواقع الأهداف أمام قوة النيران الجوية. وفي الآونة الأخيرة، تدرّبت هذه الفرق على مناورة “إيقاف الأعداء في حالات الخطورة الشديدة على مسافات ممتدة”، مما يستلزم استخدام طائرات الدوريات لكشف الزوارق سريعة الحركة التي تشكل تهديداً، ثم رشّها من مروحيات “أباتشي” بوابل من الرشاشات عيار 30 ملم، والصواريخ الموجّهة، وصواريخ “هيلفاير” عن مدى يصل إلى 11 كيلومتراً.

وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة لم تشهد تعاوناً مماثلاً منذ عملية “الإرادة الصادقة” في عام 1988، عندما شاركت مروحيات الجيش المذكورة سابقاً في عدة اشتباكات مع قوات “بحرية «الحرس الثوري»” الإيراني، منطلقةً من قواعدها على متن المراكب مما تسبب في وقوع عدد من الضحايا. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، لا يزال المسؤولون في “بحرية «الحرس الثوري»” يتوعّدون بين الحين والآخر بالانتقام على هذه الأحداث في تصريحاتهم العلنية.

توقع عدوان إيراني

تدرك “بَحرية «الحرس الثوري»” الإيراني جيداً الإمكانيات الأمريكية الجديدة والأكثر مرونةً التي يجري حالياً استعراضها في الخليج، وتلاحظ تسارع وتيرة العمليات المنطلقة من سفينة “بولر” والنية المحددة لمواجهة تكتيكات الحشد الإيرانية. وبناءً على ذلك، زاد «الحرس الثوري» سلوكه العدائي في المنطقة المجاورة، كما يفعل عادةً عندما يُظهِر العدو مثل هذه المرونة.

وفي بيان لـ “بحرية «الحرس الثوري»” في 19 نيسان/أبريل، زعمت القوات حدوث تدخّل بحري أمريكي “غير آمن وغير مسؤول” في حادثتين منفصلتين وقعتا في 6 و7 نيسان/أبريل، وفصلت بينهما مسافة 200 كلم تقريباً في منطقتين مختلفتين تابعتين للبحرية. والغريب أن الحادثتين كانتا تتعلقان بسفينة دعم واحدة بطيئة الحركة تابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني.

كما زعم البيان أن القوات الأمريكية هي التي بدأت حادثة الاحتشاد التي وقعت في 15 نيسان/أبريل والتي تم وصفها في وقت سابق، حين تدخّلت في تمرينٍ بالذخيرة الحية أعلنته سابقاً “بَحرية «الحرس الثوري»”. إلا أن فيديو الأدلة الذي نشرته “البحرية الأمريكية” يُظهر خلاف ذلك – فالمراكب الإيرانية استَخدَمت مراراً وتكراراً تكتيكات المضايقة والتطويق الضيّق بشكل مشابه جداً لتلك المستخدمة خلال سلسلة من الحوادث في عام 2016 حين تعرّضت المدمرات وسفن الدوريات الأمريكية لتهديد واضح قرب مضيق هرمز.

وبالفعل، يمكن أن تتوقع القوات الأمريكية استمرار الأحداث المشابهة طالما أن تمارينها المشتركة مصممة بشكل ظاهر للتصدي لزوارق “بحرية «الحرس الثوري»”. وكلما ازداد انزعاج السلطات الإيرانية من هذه التمارين، كلما أصبحت ردودها أكثر وضوحاً وعدائية. لذلك يجب أن يكون الجيش الأمريكي مستعداً لتعاظم خطر التصعيد السريع الذي يهدف إلى منازعته على قوة ردعه المحلية.

لقد طُرح مفهوم “الردع المتنازع عليه” للمرة الأولى من قبل رئيس “القيادة المركزية الأمريكية” الجنرال كينيث ماكنزي خلال جلسة استماع أمام الكونغرس في 11 آذار/مارس. وينبع هذا المصطلح من رفض إيران منذ فترة طويلة لأي وجود أمني أجنبي في الخليج. فمن وجهة نظر «الحرس الثوري»، يشكّل وجود القوات العسكرية الغربية تدخلاً في الشؤون الإقليمية وقضايا الدفاع – على الرغم من أن القانون البحري الإيراني لا يتضمن أي نص للتعاون الأمني مع الدول المجاورة في المنطقة.

وبالمثل، لا تعترف إيران رسمياً بِحرّية الملاحة في الخليج أو مضيق هرمز. فمن وجهة نظرها، إن الممر المائي الأخير ليس مضيقاً دولياً، وبالتالي فإنّ “عبوره” ليس حقّاً ثابتاً. ولكن على أرض الواقع، عادة ما تتجنب القوات الإيرانية المواجهات البحرية المباشرة التي تهدف إلى تأكيد هذه الادعاءات – إلا عندما تريد إظهار استيائها الجدي من تطور معين.

الخاتمة

من الواضح أن طهران لاحظت تزايد الاستعدادات العسكرية الأمريكية للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وحرية الملاحة في المنطقة، بدءاً من المناورات المشتركة المستجدة في مياه الخليج وصولاً إلى المجموعة الواحدة على الأقل من حاملات الطائرات التي أصبح اليوم وجودها عادياً في بحر العرب القريب. ونظراً إلى أن «الحرس الثوري» نشر مؤخراً صواريخ المدفعية والصواريخ المضادة للسفن على طول الشواطئ الإيرانية المطلة على مضيق هرمز، فإن ذلك يشير إلى أن «الحرس الثوري» يُلمح إلى قدرته على إغلاق الممر المائي إذا لزم الأمر.

ويشير هذا النوع من السلوك أيضاً إلى أن إيران ستتصدى للبحرية الأمريكية على استعدادها للصمود بشكل أكبر في الأشهر المقبلة، في إطار لعبة الردع المستمرة. وعلى الرغم من أن “بحرية «الحرس الثوري»” قد تحصر هذه الأعمال بعمليات المضايقة على المدى القريب، إلّا أنه من المرجح أن تلجأ إلى أساليب أكثر حزماً بمرور الوقت.

المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى