على وقع انتظار اللبنانيين إنجاز الانتخابات النيابية في موعدها، وبانتظار صدور النتائج، بدأت الكواليس السياسية تضج في مباحثات حول مرحلة ما بعد الانتخابات. والاستحقاق الذي يلي الانتخابات هو تكليف شخصية رئاسة الحكومة.
شروط ميقاتي
عندما كلِّف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، كان لديه شرط أساسي: ضمان عودته بعد الانتخابات، ليتمكن من استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ووضع الخطّة المطلوبة. هو انطلق في ذلك بالنظر إلى أن لا بديل عنه، ولأنه يحظى بدعم فرنسي وموافقة أميركية ومصرية.
حصل تكليف ميقاتي من دون موافقة سعودية، فيما كانت السعودية طرفًا مراقبًا. أما حاليًا ومع عودة السفير السعودي إلى لبنان، وفي ضوء تنسيق باريس والرياض حول الملفات اللبنانية كافة، فلا بد أن تكون هناك مشاركة سعودية تقريرية في تسمية الشخصية المطلوبة لرئاسة الحكومة، وفي استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
جولة وزيارات خليجية
يستكمل السفراء الخليجيون جولاتهم الرسمية. فبعد اللقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون، جاء اللقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، على أن يعقد سفيرا السعودية والكويت لقاءً مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية. فهذه الزيارات الرسمية كانت من ضمن الاتفاق الأساسي بين الخليجيين والفرنسيين حول إتمام اللقاءات البروتوكولية الواجبة. بينما استبق ميقاتي كل ذلك بموقف أطلقه من السفارة السعودية في اليرزة الأسبوع الفائت، فأشار فيه إلى أنه سيزور السعودية خلال شهر رمضان.
لم يتحدد بعد إذا كانت الزيارة دينية لأداء فريضة العمرة، أم أنها سياسية ويعقد خلالها ميقاتي لقاءات مع المسؤولين السعوديين. كذلك يسعى ميقاتي إلى زيارات إلى دول خليجية أخرى.
حسابات عون
وميقاتي لن يشارك شخصيًا في الانتخابات النيابية باعتباره رئيسًا للحكومة. وهناك من يعتبر أن ميقاتي سيعود رئيسًا للحكومة بعد الانتخابات، ويمكن أن تكون العودة بأعضاء هذه الحكومة اختصارًا للوقت، وتجنبًا لحصول التكليف وعرقلة التأليف.
فحسابات ما بعد الانتخابات تختلف عن هذه المرحلة، لأن الجميع وخصوصًا رئيس الجمهورية ميشال عون يتحسب لفترة ما بعد انتهاء ولايته، واحتمال ألا ينتخب رئيس جديد للجمهورية، فتؤول الصلاحيات الرئاسية إلى الحكومة مجتمعة.
دور السعودية
أمام كل هذه الاستحقاقات يبدو الموقف السعودي واضحًا: العودة للمشاركة في الاستحقاقات اللبنانية، ربطًا بالالتزامات التي يتوجب على لبنان تقديمها والتقيد به. وهذا ما تعهد الفرنسيون به. ولم يكن يقتصر فقط على تعهدات من ميقاتي أو من وزير الداخلية. ولم تتوقف عودة السفراء الخليجيين على البيان الذي صدر عن رئيس الحكومة وناشد فيه المسؤولين الخليجيين بإعادة سفرائهم إلى بيروت، وشدد فيه على الالتزام ببنود المبادرة الكويتية. والامتحان الأساسي للبنان سيكون في مرحلة ما بعد الانتخابات ولدى تسمية الشخصية التي يتم تكليفها تشكيل الحكومة. ومن غير المعروف أو المحسوم حتى الآن أن ميقاتي هو الذي سيعود. وذلك سيكون خاضعًا لجملة اعتبارات والتزامات.
وعدا عن التركيز على تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، والتي ستشتد المعركة حولها في الأسبوعين الأخيرين قبل الانتخابات النيابية، فإن أهم ما ينتظره اللبنانيون هو استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذا ملف أساسي سيكون حاضرًا في كل اللقاءات بعد الانتخابات. كما سيكون حاضرًا في زيارة البابا فرنسيس تحت عنوان حماية لبنان وكيانه ومؤسساته الدستورية. ومعلوم أن هذا الاستحقاق خاضع لتوازنات إقليمية ودولية. وبما أن الديبلوماسية الفرنسية تركز على أن لا خلاص ولا نهوض للبنان من دون دول الخليج، فحكمًا ستكون للسعودية مشاركة أساسية في التقرير بهذه الاستحقاقات.
ولأن كل ما ينتظره لبنان مرتبط بمسار التفاوض على الملفات الإقليمية في المنطقة، فإن عناصر التسوية الإقليمية والدولية هي التي تتحكم بمسار تشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس. وهنا سيكون التوجه إلى البحث عن شخصيات لم تكن في الميدان من قبل، ومن خارج الاصطفافات الداخلية والخارجية.
المصدر: المدن