يشهد الشمال الشرقي من سورية حراكاً سياسياً، تقوده أميركا، لجمع أكبر كيانين سياسيين كرديين في سورية مجدداً حول طاولة حوار، يرقى إلى مستوى المفاوضات، من شأنه، في حال نجاحه، تغيير المشهد السياسي برمته في منطقة شرق نهر الفرات.
وبدأت وزارة الخارجية الأميركية، مطلع الشهر الحالي، محاولة جديدة لإقناع “المجلس الوطني الكردي” في سورية، وأحزاب “الوحدة الوطنية الكردية”، التي تشكل “الإدارة الذاتية” في الشمال الشرقي من البلاد، بالعودة إلى طاولة الحوار لتشكيل مرجعية سياسية كردية سورية واحدة.
وعقدت عدة جولات حوار برعاية أميركا، خلال عام 2020، لم تحقق نتائج، بسبب رفض “الاتحاد الديمقراطي”، أبرز أحزاب “الإدارة الذاتية” والمسيطر على “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، إبداء مرونة إزاء بعض القضايا، أبرزها فكّ الارتباط بينه وبين حزب العمال الكردستاني، وتعديل العقد الاجتماعي، وإلغاء التجنيد الإجباري، ودخول “البشمركة السورية” إلى الشمال الشرقي من سورية.
وكانت “الإدارة الذاتية” قد أطلقت، منذ أيام، سراح ثلاثة صحافيين مقربين من “المجلس الوطني الكردي” كانت اعتقلتهم في فبراير/شباط الماضي، وهو ما اعتبره المجلس “مدخلاً مهماً للحوار، وتفعيل وثيقة الضمانات الموقعة من الجانب الأميركي وقائد قوات سورية الديمقراطية مظلوم عبدي”.
تحركات بيرل لترتيب البيت الكردي
وذكرت مصادر مطلعة في شمال شرقي سورية أن ماثيو بيرل، ممثل وزارة الخارجية الأميركية في الشمال الشرقي لسورية، يحاول إعادة “المجلس الوطني” وأحزاب “الإدارة الذاتية” إلى طاولة الحوار، للتوصل إلى اتفاق من شأنه ترتيب البيت السياسي السوري الكردي، وتشارُك الطرفين في إدارة المنطقة التي تسيطر “قسد” عليها.
وأكد عضو “الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي” والمنسق العام في “حركة الإصلاح” الكردية فيصل يوسف، لـ”العربي الجديد”، أن التواصل “لم ينقطع بين الجانب الأميركي والمجلس الوطني الكردي منذ أواخر عام 2020 وحتى الآن”. وقال إن مسألة حل الخلافات القائمة بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية أحد المواضيع التي نتناولها.
وأكد استعداد المجلس للجلوس مجدداً حول طاولة المفاوضات مع أحزاب الإدارة الذاتية “وفق وثيقة الضمانات التي وقعها الجانب الأميركي ومظلوم عبدي، والتي تتضمن حرية العمل السياسي للمجلس ومنع الانتهاكات بحق أعضائه ومؤيديه”، لافتاً إلى أنه بقيت هذه الوثيقة من دون تنفيذ، وهو ما حال دون تحديد موعد لعودة المفاوضات.
لا موعد محدداً لبدء المفاوضات
وكشف يوسف أن الجانب الأميركي “لم يحدد حتى الآن موعداً للإعلان عن الوثيقة المذكورة، وبالتالي البدء بالمفاوضات وصولاً لاتفاقية تقوم على أرضية اتفاقية دهوك”.
وتنص هذه الاتفاقية، التي كان الطرفان توصلا إليها في عام 2014، ولكن لم تفعّل، على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل “حركة المجتمع الديمقراطي” (لاحقاً أحزاب الوحدة الوطنية الكردية -25 حزباً) فيها 40 في المائة، و”المجلس الوطني الكردي” 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين.
كذلك تمّ الاتفاق على أن يكون عدد أعضاء المرجعية 32 شخصاً، ممثلين وفق الآتي: 12 من “حركة المجتمع الديمقراطي”، و12 من “المجلس الوطني”، وثمانية من القوى السياسية من خارج الإطارين.
ضرورة استئناف الحوار الكردي ــ الكردي
وفي السياق، أكد نصرالدين إبراهيم، وهو سكرتير الحزب “الديمقراطي الكردي في سورية” (البارتي) وهو من أحزاب “الوحدة الوطنية”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن وفداً من هذه الأحزاب “التقى أوائل إبريل/نيسان الحالي مع ماثيو بيرل”، مشيراً إلى أن المسؤول الأميركي “أكد ضرورة استئناف الحوار الكردي – الكردي”.
وأضاف: نقل إلينا بيرل موافقة “المجلس الوطني” على البدء في الحوار. وشدد إبراهيم على أن أحزاب “الوحدة الوطنية” مستعدة لـ”استئناف الحوار من النقطة التي توقف عندها”.
وأشار إلى أن الأميركيين يحاولون خلق مناخٍ ايجابي لإنجاح هذا الحوار، وذلك بالتنسيق مع قائد “قسد”، وتحسين العلاقة بين “الإدارة الذاتية” وإقليم كردستان العراق. وأشار إلى أنه “تم إتمام القسم الأكبر من اتفاقية دهوك في المفاوضات السابقة”.
وشدد على أن هناك مسائل ما تزال عالقة، مثل آلية تمثيل ومشاركة المجلس الوطني الكردي في الإدارة الذاتية، فضلاً عن أننا لم نتطرق بعد للملف الأمني والعسكري. وأكد إبراهيم أن قيادة إقليم كردستان العراق “تلعب دوراً هاماً وايجابياً في البدء بالحوار الكردي – الكردي”، موضحا أن هذا الأمر موضع ترحيب من قبل الطرفين.
إلى ذلك، أعرب القيادي في “المجلس الوطني الكردي” شلال كدو، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده بأن “استئناف الحوار الكردي ــ الكردي ونجاحه، ستكون له تداعيات إيجابية على عموم الوضع في سورية”، لكنه تساءل: هل أميركا جادة في مساعيها لاستئناف هذا الحوار المتوقف منذ أكثر من عام؟ الشارع الكردي السوري ينتظر ذلك.
وأشار كدو إلى أن اللقاء الذي جرى مطلع الشهر الحالي بين وفد “المجلس الوطني” والجانب الأميركي “تميّز بشيء من الجدية”، غير أنه شكك في الوعود الأميركية في إطلاق الحوار الكردي ــ الكردي.
وذكّر بأنه في السابق برزت وعود أميركية كثيرة، ولكن من دون نتائج. ورأى أن نجاح الحوار “سيؤدي إلى إضعاف موقف النظام ويفضح ادعاءاته”، معتبراً أن إقامة إدارة مشتركة بين “المجلس الوطني” وأحزاب “الوحدة الوطنية” أمر جوهري.
لجنة تنسيق بين أحزاب سريانية آشورية
وبموازاة الحراك الكردي ــ الكردي، شهد الشمال الشرقي من سورية منذ أيام حراكاً أفضى إلى تشكيل لجنة “تنسيق وتشاور” بين عدة أحزاب سريانية آشورية، هي: الاتحاد السرياني، والآشوري الديمقراطي، والمنظمة الآثورية الديمقراطية.
وأكدت الأحزاب، في بيان، أن من مهام اللجنة “دعم وتعزيز وجودنا القومي في الوطن، وحمايته من الأخطار التي تحدق به، والحدّ من نزيف الهجرة، وتأمين الشروط المناسبة لعودة النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم”.
وأشارت إلى أن من مهام اللجنة أيضاً “التعاون والتنسيق مع كافة القوى السياسية والاجتماعية، من أجل الحفاظ على السلم الأهلي وترسيخ قيم العيش المشترك، وحماية أملاك شعبنا، ومنع التغيير الديمغرافي في مناطقه”.
المصدر: العربي الجديد