لم تُفض مفاوضات جرت أول من أمس الأربعاء، بين النظام السوري و”الإدارة الذاتية” في شمال شرق البلاد برعايةٍ من الجانب الروسي، إلى تطويق خلاف نشب بين الطرفين منذ نحو أسبوع، إذ صعّدت هذه الإدارة واستولت على أغلب المؤسسات التابعة للنظام في مدينة القامشلي.
“قسد” تعزّز مواقعها في القامشلي
وسيطرت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بمؤازرة قوى الأمن الوطني التابع لـ”الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية (الأسايش)، مساء الأربعاء، على الدوائر الحكومية التابعة للنظام السوري في مدينة القامشلي شمال شرقي محافظة الحسكة.
وأوضح مراسل “العربي الجديد” أن قوات “قسد”، التي يشكل الأكراد عصبها الرئيسي، انتشرت في المربع الأمني الذي يضم الدوائر الحكومية التابعة للنظام وبعض الأحياء التي تضم موالين للنظام، وفتحت الطرقات المؤدية إلى المربع الأمني وأزالت الحواجز، موضحاً أنه لم يبق للنظام في المدينة سوى مقرات الأجهزة الأمنية.
وأكد أن قوات “الأسايش” طلبت صباح أمس الخميس من الموظفين في دوائر المالية والكهرباء والمجمع التربوي والمركز الثقافي والحبوب ومراكز نقابية تابعة للنظام العودة إلى منازلهم. كما بيّن أن “قسد” عزّزت مواقعها في ريف مدينة القامشلي، مشيراً إلى أن هناك العديد من القرى التي يوالي سكانها النظام، منها: القصير وحامو وتل عودة ودمخية.
وفي السياق، حاصرت “الأسايش” مطار القامشلي الذي يضم قاعدة روسية، ما أدى إلى تعطل الرحلات من وإلى العاصمة دمشق. ودفع ذلك المواطنين للسفر برّاً من الحسكة مروراً بمحافظة الرقة، ومنها إلى حلب أو دمشق.
لم يبق للنظام في القامشلي سوى مقرات الأجهزة الأمنية
وبدأت الأزمة الحالية بين النظام و”الإدارة الذاتية” السبت الماضي، حين سيطرت “قسد” على أكبر الأفران في المحافظة، والذي يؤمن مادة الخبز لمدنيين تحت سيطرة النظام في القامشلي وريفها، وذلك للضغط على قوات النظام لفكّ حصار تفرضه على حيي الشيخ مقصود والأشرفية داخل مدينة حلب، اللذين يقطن فيهما أكراد سوريون.
ومن الواضح أن “قسد” استغلت هذه الأزمة لتقليص وجود النظام في محافظة الحسكة إلى الحدود الدنيا، علماً أنه لم يسبق لها أن أعادت أي مؤسسة تابعة للنظام استولت عليها. علماً أن الوضع في مدينة الحسكة مركز المحافظة لم يتطور كما حدث في القامشلي، لكن المربع الأمني التابع للنظام هناك محاصر بشكل كامل.
القامشلي… ورقة ضغط على النظام
وذكرت مصادر مطلعة على سير المفاوضات التي تجري بين النظام و”الإدارة الذاتية” بوساطة روسية، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن ما قامت به “قسد” في القامشلي “ورقة ضغط على النظام لإبعاد الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد عن حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، والكفّ عن التضييق على الأكراد القاطنين في الحيين”. وأشارت إلى أنه “في حال عدم استجابة النظام سينتقل سيناريو القامشلي إلى مدينة الحسكة أيضاً، لكن لن يكون هناك صدام عسكري بين الطرفين في المحافظة”.
من جهته، استغرب الناشط الإعلامي جان علي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “تسيطر مجموعة من عناصر الأسايش بكل بساطة على المباني والدوائر الحكومية في مدينة القامشلي، وطرد الموظفين أمام مرأى الأجهزة الأمنية التابعة للنظام”. ورأى أن الخلاف بين الطرفين “لا يتعلق بمصالح عامة الناس، وكيفية تأمين أساسيات الحياة لهم، لذا فإن المدنيين من كلا الطرفين غير مكترثين بما يجري”.
وتعد مدينة القامشلي من المعاقل المهمة لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية التي تشكل الثقل الرئيسي لـ”قسد”. وتعد القامشلي أنموذجاً فريداً للتنوع السكّاني في سورية، ويسكنها الأكراد والعرب والسريان والأرمن والآراميون والكلدان والآشوريون.
وتتبع لها العديد من النواحي، منها: تل حميس، عامودا، والقحطانية. وحرصت قوات “قسد” خلال السنوات الماضية على بقاء النظام في المدينة للحيلولة دون قيام الجيش التركي بعملية ضدها، خصوصاً أن هذه القوات غير قادرة على الوقوف في وجه الجيش التركي.
مصادر مطلعة: ما قامت به “قسد” ورقة ضغط على النظام لإبعاد الفرقة الرابعة عن حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب
وكانت التفاهمات التركية الروسية أواخر عام 2019 حول منطقة شرقي نهر الفرات استثنت منطقة القامشلي من الدوريات المشتركة، وتمّ نشر عناصر من قوات النظام على الحدود في المنطقة. ويقتصر وجود النظام في منطقة شرقي نهر الفرات على محافظة الحسكة أقصى الشمال الشرقي من سورية، والقسم الشمالي من مدينة دير الزور وبضع قرى شمال نهر الفرات.
وللنظام في محافظة الحسكة مربعان أمنيان في مدينتي القامشلي والحسكة وبعض القرى، إضافة إلى مطار القامشلي، وفوجان عسكريان هما: “الفوج 123″ (فوج كوكب) قرب الحسكة، و”الفوج 154” (فوج طرطب) قرب مدينة القامشلي.
ولا يملك النظام قدرة عسكرية على تغيير خريطة السيطرة في منطقة شرقي نهر الفرات، خصوصاً أن الجانب الروسي منشغل بالملف الأوكراني. وتتلقى “قسد” دعماً عسكرياً وسياسياً كبيراً من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما يجعل منها الطرف الأقوى في معادلة الصراع على شرق الفرات الغنية بالثروات والتي تعادل نحو ثلث مساحة سورية.
ويرى الباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات، أنس شواخ، في حديث مع “العربي الجديد”، أن وجود النظام في مدينة القامشلي “بات شكلياً”، مضيفاً أن “النظام في القامشلي سقط من عيون مواليه، إذ لم يعد قادراً على تقديم أي خدمات لهم”.
ولا يستبعد شواخ أن يسلّم النظام مقرات أجهزته الأمنية لـ”قسد”. ويعتبر أن “النظام خسر ثاني أهم مركز له في منطقة شرق الفرات بعد مدينة دير الزور، وأهم مركز له في مناطق سيطرة قسد”. وحول الموقف التركي مما يحدث، لا يستبعد شواخ تصعيداً عسكرياً تركياً في منطقة شرق نهر الفرات، ولكن ليس بالضرورة باتجاه القامشلي”.
المصدر: العربي الجديد