استأثرت أخبار إطاحة رئيس وزراء باكستان السابق، عمران خان، عبر تصويتٍ بحجب الثقة عن حكومته في البرلمان، باهتمام كبير في المنطقة العربية والعالم، نظراً إلى أهمية موقع باكستان ووزنها السياسي وتحالفاتها الإقليمية والدولية، فباكستان سادس دولة في العالم بعدد السكان، وسادس قوة نووية لجهة عدد الرؤوس الحربية التي تملكها (بعد روسيا، الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، بريطانيا)، وترتيبها 15 لجهة القدرات العسكرية التقليدية، وتقع بين قوتين نوويتين (الصين والهند)، هما أول العالم وثانيه في عدد السكان. كما تجاور إيران وأفغانستان، وتقع سواحلها على بحر العرب؛ ما يعني أنّها تدخل في حسابات ثلاثة موازين قوى في المنطقة، وهذا أمر استثنائي في موقع أيّ دولة إقليمية، فهي جزءٌ من موازين القوى بين الصين والهند، وبين الولايات المتحدة والصين، وبين العرب وإيران.
وكان الجيش، الحاكم الفعلي للبلاد، دعم وصول عمران خان إلى الحكم في انتخابات عام 2018 ليُعيد من خلاله النظر في علاقات باكستان الإقليمية والدولية، فقد كان (الجيش) يريد خصوصاً الردّ على سياسات واشنطن التي زادت ضغوطها على باكستان في عهد الرئيس دونالد ترامب، بما فيها قطع مساعدات عنها وتوجيه تهديدات إليها بزعم دعمها الإرهاب، وإقامة علاقات تحالف استراتيجية مع عدوّتها اللدود، الهند. وعليه، توثقت علاقات باكستان مع الصين، وانتقلت، في عهد عمران خان، إلى مستوى استراتيجي جديد، قوامه حصول إسلام أباد على استثمارات كبرى في البنية التحتية ومساعدة في دخول عصر التكنولوجيا والمعلومات، في مقابل التزام باكستان بمساعدة الصين في مواجهة التحالف الهندي – الأميركي. وفي الالتفاف على السيطرة الأميركية على طرق التجارة البحرية من الصين وإليها عبر السماح بتحويل ميناء غوادر الباكستاني على بحر العرب إلى نقطة ارتكاز رئيسة في تجارة الصين الخارجية.
عربياً، مثلت باكستان، منذ تأسيسها عام 1947، حليفاً استراتيجياً للسعودية التي موّلت برنامجها النووي، لكنّ هذه العلاقات شهدت، في العقود الأخيرة، فتوراً، اتّضح بجلاء في رفض البرلمان الباكستاني المشاركة في عملية “عاصفة الحزم” في اليمن عام 2015. ومع أنّ الجيش الباكستاني أكّد، منذ ذلك الحين، التزامه بأمن السعودية، فإنّ عمران خان، أخذ يبتعد عن الرياض وأبوظبي بمقدار اقتراب هاتين من الهند (وصل حجم التبادل التجاري بين الهند والإمارات عام 2019 إلى 57 مليار دولار).
وتذهب أكثر التحليلات في المنطقة العربية إلى أنّ عمران خان دفع ثمن السياسات الخارجية التي تبنّتها حكومته تجاه واشنطن أولاً، ومنطقة الخليج ثانياً، وأنّ النقطة التي أفاضت الكأس تمثلت في زيارته موسكو في اليوم نفسه الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا (24 فبراير/ شباط 2022). قد تكون سياسة عمران خان الخارجية عاملاً ساهم في إطاحته، لكنّ الأرجح أنّ عوامل داخلية لعبت دوراً أكثر أهمية. وتفيد معطيات مختلفة بأنّ الرجل ربما وقف على الجانب الخطأ في الصراع الذي نشب بين قائد الجيش، الجنرال قمر جاويد باجوا، ومدير جهاز المخابرات فيض حميد. وتذكر تقارير عديدة أنّه ساند مدير المخابرات الذي كان يأمل استلام قيادة الجيش بعد تقاعد الجنرال باجوا. وقد ماطل عمران خان في التوقيع على قرار عزل حميد، قبل أن يرضخ أخيراً لضغوط قائد الجيش ويعزله في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وعليه، قرّر الجيش رفع الغطاء عن حكومة عمران خان التي كانت قد خسرت أغلبيتها البرلمانية نتيجة انشقاقاتٍ داخل صفوف الحزب الحاكم (تحريك – إنصاف). وقد استخدمت المعارضة سياسات عمران خان الخارجية ضدّه على اعتبار أنّها “تضرّ بوضع باكستان الدولي وعلاقاتها الخارجية” فقط، بعدما دعا قائد الجيش إلى وقف الغزو الروسي أوكرانيا، وهي الخطوة التي رفض عمران خان نداءات غربية لإدانتها.
يُعرف عن عمران خان أنّه صلب، ولا يتقبل الخسارة بسهولة، وهو يحظى فوق ذلك بشعبية كبيرة، خصوصاً في أوساط الشباب، ولكونه بعيداً عن الفساد. وعليه، يتوقّع أن يلجأ إلى الشارع للضغط باتجاه إجراء انتخابات جديدة، وإذا تمكّن من كسبها فهذا يعني أنه سيعود إلى السلطة أقوى مما تركها، لأنّ العودة هذه المرّة تكون بتفويض شعبي، وليس بقرار من الجيش، ما يفتح الباب على مرحلة جديدة في تاريخ باكستان السياسي المعاصر.
المصدر: العربي الجديد