تريد محاربة روسيا لآخر جندي أوكراني.. إليك أبرز المواقف التي تكشف دور أمريكا في عرقلة حل الأزمة

“الولايات المتحدة تريد أن تحارب روسيا لآخر جندي أوكراني”، هكذا يسخر البعض من الموقف الأمريكي في أزمة أوكرانيا، حيث تصر على دفع كييف للتشدد مع موسكو بينما الشعب الأوكراني هو من يدفع الثمن

فأقبح الأفعال وأجدرها بالاستهجان هو أي فعل يرمي إلى استمرار الحرب ويخاطر بموت المزيد من الناس طمعاً في أن تميل كفتها لمصلحته، وتتعزز خدمتها لأغراضه، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، الذي يعرض أدلة ومؤشرات على أن الولايات المتحدة تتحمل جزءاً من مسؤولية الأزمة الأوكرانية الحالية ووصول البلاد لهذا الحال.

يقول التقرير: “هناك أدلة عديدة تشير إلى أن الولايات المتحدة أخذت تقطع الطريق على الحل الدبلوماسي في أوكرانيا. وحتى عندما كانت السبل الدبلوماسية لا تزال متاحة قبل سنوات من الحرب للحيلولة دون اندلاعها، بدت الولايات المتحدة وكأنها تتعمد وضع العقبات في مسار الحل الدبلوماسي.

تطورات الموقف الأمريكي في أزمة أوكرانيا

الأمر بدأ مع الرئيس السابق يانوكوفيتش عندما خيروه بين روسيا والاتحاد الأوروبي

في عام 2014، كان الرئيس الأوكراني السابق الذي يوصف بأنه موالٍ لموسكو فيكتور يانوكوفيتش أمام خيارين في سبيل التحالف الاقتصادي، إما التحالف مع الاتحاد الأوروبي وإما التحالف مع روسيا. ولمَّا كانت البلد منقسماً انقساماً بين شطرين متطابقين تقريباً، فإن أياً من الخيارين كان سيؤدي إلى احتدام الانقسام واستجلاب المخاطر على البلاد.

ومع ذلك، كان ثمة مخرج من هذه المعضلة، ألا وهو الحل الوسط، الذي كان ممكناً آنذاك، فالعرض الذي قدمه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لم يشترط على أوكرانيا الاختيار بين روسيا والاتحاد الأوروبي، بل تضمن التساهل في تعاون أوكرانيا اقتصادياً مع كل من روسيا والاتحاد الأوروبي.

أتاح هذا التساهل الروسي سبيلاً لحلِّ المعضلة، إلا أن واشنطن والاتحاد الأوروبي رفضا عرض السلام الذي قدمه بوتين. وذكر البروفيسور الراحل ستيفن كوهين، الأستاذ الفخري للعلوم السياسية ومدير الدراسات السياسية في جامعة برينستون، في مقابلة أجراها عام 2014، أن “الاتحاد الأوروبي، بدعمٍ من واشنطن، هو الذي قال في نوفمبر/تشرين الثاني للرئيس المنتخب ديمقراطياً في أوكرانيا المنطوية على انقسام شديد بين سكانها، بأن عليه أن (يختار إما روسيا وإما أوروبا)”.

والشاهد من ذلك أنه كان هناك حل دبلوماسي لتجنُّب الشرارة التي أشعلت أزمة اليوم، إلا أن الولايات المتحدة رفضت هذا الحل. وأدى هذا الرفض إلى الانقلاب الذي أفضى إلى اندلاع حرب أهلية بين غرب أوكرانيا ومنطقة دونباس في الشرق، وهيَّأ الطريق الذي آل بنا إلى الأزمة الحالية.

الرئيس الأوكراني الحالي أراد إقامة سلام مع روسيا، ولكن الأمريكيين لم يدعموه

انتُخب فولوديمير زيلينسكي رئيساً لأوكرانيا في عام 2019 بوعودٍ تضمنت صنع السلام مع روسيا وتعزيز التمسك باتفاقية مينسك، واقترحت الاتفاقية إعلان الحكم الذاتي لمنطقة دونيتسك ولوغانسك في دونباس التي صوتت بالاستقلال عن أوكرانيا بعد الانقلاب، وكان هذا الحل الدبلوماسي أجدر السبل بحل الأزمة.

إلا أن زيلينسكي واجه معارضةً محلية لهذا الحل، ولم يجد معونة من الولايات المتحدة، وعلى حد تعبير ريتشارد ساكوا، أستاذ السياسة الروسية والأوروبية في جامعة كنت البريطانية، فإن “القوميين الأوكرانيين المعاديين لروسيا ثبَّطوه” عن عزمه السابق، فانقلب زيلينسكي على طريق الدبلوماسية ورفض التفاوض مع زعماء منطقة دونباس وتراجع عن تنفيذ اتفاقية مينسك.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس/رويترز

تقاعست واشنطن عن دعم زيلينسكي في التوصل إلى حل دبلوماسي مع روسيا، ثم قصَّرت في الضغط عليه للعودة إلى اتفاقية مينسك. وقال ساكوا، أستاذ السياسة بجامعة كنت، إنه “لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي اجتهدا في الضغط على كييف للوفاء بما تتطلبه منهما شروط اتفاقية مينسك”.

ويقول أناتول ليفين، وهو زميل باحث أول في شؤون روسيا وأوروبا في معهد كوينسي ستيتكرافت الأمريكي، إن الولايات أيَّدت مينسك من الناحية الرسمية، إلا أنها “لم تفعل شيئاً يحمل أوكرانيا على تنفيذ الاتفاقية فعلياً”. ومع أن الأوكرانيين فوَّضوا زيلينسكي للتوصل إلى حل دبلوماسي، فإن واشنطن لم تدعم ذلك الحل ولم تعبأ بالحضِّ عليه.

وها هي واشنطن تغيب عن المفاوضات الدائرة في تركيا

بعد أن قطعت الولايات المتحدة السبل المُفضية إلى الحلول الدبلوماسية قبل الحرب، غابت عن المفاوضات التي بدأت مع اندلاع الحرب خلال الشهر الماضي، ولم يكن لها حضور ملموس في المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا، ولا في المحادثات التي أُجريت بوساطة تركية. ويقول ساكوا، إنه “من الواضح أن الولايات المتحدة ليست مهتمة بمفاوضات السلام، فهي تنتظر هزيمة روسيا، مهما تكبَّدت أوكرانيا من خسائر في الأرواح خلال هذا الانتظار”.

وأشار ليفين، الباحث في معهد كوينسي ستيتكرافت، إلى أن أوكرانيا عرضت تسوية دبلوماسية، تضمنت التزام حالة الحياد بين روسيا والغرب، إلا أن الولايات المتحدة لم تؤيد هذه التسوية ولم تدعمها، ولم تقدم أي عروض أخرى، “فالولايات المتحدة لم تفعل أي شيء لتيسير السبل الدبلوماسية”.

..ورفضت التفاوض بجدية لإعادة تشكيل الهيكل الأمني الأوروبي

يظهر الدور السلبي في الموقف الأمريكي في أزمة أوكرانيا، عندما رفضت الولايات المتحدة قبل الغزو الروسي التفاوضَ بجدية في شأن الهيكل الأمني الأوروبي الشامل الذي اقترحته روسيا، ولم تعبأ بمطالبة روسيا المتكررة بأن يُوقف الناتو تمديد نفوذه بالقرب من حدودها، وكل ذلك مع أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والحكومات الأوروبية أخبرت زيلينسكي أنه لا توجد إمكانية في الواقع لقبول أوكرانيا في الناتو في المستقبل المنظور.

ولم يستطِع زيلينسكي التعهد بالحياد قبل الحرب بسبب ضغط القوميين المتطرفين في أوكرانيا، يقول ليفين إن الولايات المتحدة كان يجدر بها أن تساعد زيلينسكي في عرض اقتراحه بالحياد، إلا أن إدارة بايدن رفضت، ومع أن فرنسا وألمانيا كانتا تميلان إلى هذا المسار الدبلوماسي، فقد امتنعتا أيضاً عن دعم اتفاقٍ يتضمن حياد أوكرانيا خشيةَ الافتراق عن موقف الولايات المتحدة.

أمريكا ترفض ضم أوكرانيا للناتو، وترفض أن تقدم ضمانة لروسيا بهذا الشأن

منذ الغزو، صرحت أوكرانيا مراراً أنها مستعدة للتخلي عن آمال الانضمام إلى الناتو وليس لديها مانع في إعلان الحياد، وهي تنازلات ذات مغزى في سبيل الحل الدبلوماسي. واستحسنت روسيا هذا العرض ووافقت عليه، إلا أن الاتحاد الأوروبي لم يتعجل تأييد هذا الحل، بل “تثاقل” عن دعمه، وبقي متردداً دون دعم ملموس لعرض أوكرانيا.

أعلنت أوكرانيا أنها مستعدة للتفاوض بشأن وضع شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، إلا أن واشنطن لم تدعم هذا السبيل الدبلوماسي أيضاً، وإنما خرج وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، معلناً التمسك بالدفاع عن “المبدأ الأساسي” القائل بأنه “لا يجوز لأي دولة أن تعمد إلى تغيير حدود دولة أخرى بالقوة”.

هل ترفع العقوبات إذا تم التوصل لاتفاق روسي أوكراني؟

وتشمل عوائق الحل الدبلوماسي أيضاً قضية العقوبات، فأي اتفاق سلام ينبغي أن يتلازم فيه رفع العقوبات تدريجياً عن روسيا بوقف العنف وانسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية وتقديم المزيد من التنازلات الدبلوماسية. ومن ثم، فإن استمرار العقوبات إلى أجل غير مسمى، كما أكد مسؤولون غربيون، لن يؤدي إلا إلى تقويض مساعي الحل الدبلوماسي واستمرار نزيف الأرواح.

مع أن المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا أقرب إلى النجاح إذا شاركت واشنطن فيها، فإن الولايات المتحدة أحجمت من الأصل عن الضغط على أوكرانيا من أجل التفاوض، بل زادت على ذلك بتثبيط مساعي التفاوض والتقاعس عن مناصرة الحلول الدبلوماسية.

وعلى الرغم من صور الضحايا المدنيين المروعة في أوكرانيا، فإن إدوارد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية بدا وكأنه يريد القول إن أوكرانيا ينبغي لها ألا تتفاوض بشأن البنود التي سيؤدي الاتفاق عليها إلى إنهاء الحرب، وحثَّ أوكرانيا على عدم التفاوض بشأن القضية الرئيسية للحرب- وهي انضمام أوكرانيا إلى الناتو- بدعوى أن “ذلك يخاطر بانتهاك مبادئ بارزة.. وهي أن لكل دولة حقاً سيادياً في تحديد ملامح سياستها الخارجية، وفي اختيار من تريد الارتباط به بالتحالف والشراكة، وفي التمسك بالوجهة الذي تريد أن تتوجه إليها”.

والخلاصة أن المسار الذي أخذته محادثات السلام الأخيرة والموقف الأمريكي خلالها يدلنا على أن الولايات المتحدة أقرب إلى عرقلة المفاوضات، بدلاً من الحض عليها وتيسيرها، ويبدو أنها مصرة على استمرار الحرب حتى تصل إلى النتيجة التي تريدها، مهما احتدم العنف على الأرض واشتدت معاناة الناس.

المصدر: عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى