ليست المرة الأولى التي يوجه الكرملين رسائل تأنيب قاسية الى راس النظام السوري بسبب فساده وفشله واهتراء قاعدته، بل تكررت المرات حتى غدت مؤشرا دوريا، ودليلا على عدم رضا مزعوم للقيادة الروسية بصفتها الوصية العليا على سورية عن سلوك وأداء الزمرة الأسدية، في المجالات السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية كافة.
وعلى سبيل المثال تعرض الاسد “لتوبيخ” الخارجية الروسية حسب وصف محطة تي ار تي في نوفمبر 2019 دون أن تسميه بالاسم، ثم تبعت التوبيخ حملة منسقة وصريحة في صحف نيزافيسيمايا غازيتا، ووكالة تاس، وقناة أر تي، وصحيفة زافترا ، تقاطعت في وصف سياسة الأسد بأنها لا تحقق السلام ، وتتعارض مع جهود موسكو لاعادة الاستقرار للبلد المنكوب . وشكك أحد المقالات بأهلية بشار للحكم البلد ، وقال كاتبه إن بشار وصل السلطة بالصدفة . ووصفه كتاب كثيرون بالانفصال عن الواقع وتجاهل استحقاقات العملية السياسية ، ومطالب المكون السني ، جراء رضوخه لإيران . وانتهره كاتب آخر بخشونة لأن الانتصار الذي يتفاخر بتحقيقه ، إنما حققته روسيا لا هو !
وفي مناسبة مشابهة تعود لعام 2017 قال محلل إن ما يسمى الجيش السوري ليس سوى عصابات من الشبيحة . وفي العام الماضي طالب الكرملين النظام بتسديد فواتير مالية مستحقة . وأشار الى وجود أموال مسروفة في حيازة الزمرة الحاكمة مثل رامي مخلوف ، بينما تقدم روسيا الأسلحة للنظام على صورة قروض مؤجلة .
الحلقة الجديدة من هذه الحملات المتتالية يقف خلفها الملياردير يفجيني بريغوجين صديق الرئيس بوتين الشخصي ، وممول منظمة فاغنر الأمنية التي تورد المقاتلين المرتزقة الى سورية ، والتي خسرت مئات الجنود ، وتلاحق الأسد بمئات ملايين الدولارات .
تألفت من ثلاثة تقارير مسهبة عن الأوضاع في سورية . أولها يتناول الأزمات الاقتصادية الراهنة . وثانيها عبارة عن استطلاع رأي أجراه ( مركز حماية القيم الوطنية ) قبل أيام بالهاتف مع 1400 سوري في دمشق . وثالثها وهو الأخطر يتناول تركيب سورية العرقي والديني ، ومستوى كفاءة بشار لحكمها وانقاذها . وتتسم المواد الثلاث بصراحة زائدة في الهجوم على بشار شخصيا ، فضلا عن أسرته وزمرته . ويبدو الهدف منها رسم صورة حالكة عن الاقتصاد ، وامكان عبور الأزمات التي أنهكته خلال الحرب . وتعزو السبب الى الفساد وعدم كفاءة الحكومة مما يجعل الشراكة الاقتصادية مع روسيا مستحيلة . وضرب التقرير أمثلة على أكاذيب النظام على شعبه وطرق نهب الزمرة المسيطرة ، بينما يغرق الشعب في بحر من الأزمات المعيشية .
ويستنتج معدو استطلاع الرأي أن بشار الأسد سيتمتع بتأييد 23% من السوريين فقط في انتخابات العام القادم . ورأى 71 % أن الفساد هو المشكلة الأكبر. ورأى40% أن السلطة القائمة «فاقدة للشرعية» . وقال رئيس المؤسسة التي أجرت الاستفتاء الكسندر مالكيفيتش أن الانخفاض الملموس في نسبة التأييد للاسد يعود الى تجذر الفساد والمحسوبية في مستويات السلطة العليا وارتفاع نسب البطالة والفقر وعدم توفر النفط والكهرباء والمواد الغذائية والغلاء . وأشار المحلل الى أن الحكومة تفتقر لحلول لهذه الأزمات .
وأخطر ما في التقرير استنتاجه أن ( في سورية مجتمع غير متجانس ، والمكون العلوي نفسه منقسم الى عشائر متعددة ) ويخلص محلل يدعى ايفان اركانوف الى حكم مبرم على بشار بقوله إنه ( يفتقر للارادة السياسية والتصميم على حل المشاكل ) بسبب رضوخه لارادة الايرانيين . ويلفت الانتباه أن اركانوف يطالب القيادة الروسية بمعالجة هذه الأزمات (!) لأنه لا أمل بالمرة بزمرة دمشق . وهي عبارة قرأ فيها المحللون تحريضا صريحا على الاسد وزمرته .
تطرح الحملة الروسية المتجددة على نظام الاسد أسئلة كثيرة عن حقيقة أهدافها وابعادها ، ولا سيما الفصل الأخير منها وتركيزها على شخص الأسد ، وتحميله المسؤولية عما وصلت اليه بلاده ، واتهامه صراحة بفقد الأهلية والكفاءة أصلا . فهل كان صناع القرار الروس يجهلون فساد الاقتصاد السوري المنهك من قبل الحرب، وعن طبيعة النظام أيضا، وهم الذين كانوا حلفاءه منذ سبعين عاما؟ وكيف خططوا للتدخل العسكري بدون معرفتها؟!
يعتقد كثير من المحللين المحايدين أن القادة الروس يمارسون بهذه الحملات عملية ضغط قصوى على الأسد وزمرته، وحشره في زاوية ضيقة، وتحجيمه في نظر مؤيديه وانصاره، تمهيدا لاستبداله والتخلص منه. ولا يستبعدون أن يكون تصعيد هذه الضغوط يتزامن مع انتخابات 2021 التي يجهز بشار لخوضها والتجديد لنفسه ولاية أخرى، بينما يجد بوتين ضرورة لإقصائه استجابة لتفاهمات دولية وعربية، ولتعويض خسائره الضخمة جراء الحرب وتمويل نظام مفلس ومنهار.
المصدر: مجلة الشراع اللبنانية