على إيقاع التطورات الحاصلة في المنطقة، وصل لبنان إلى مفترق طرق رئيسي: إما يذهب إلى صدام ومواجهة، وإما يبحث عن تفاهمات وتسويات.
نار الإيرانيين للتفاوض
من يعرف الإيرانيين يعي أنهم يلجأون إلى التهدئة في مثل هذه اللحظات من احتمالات الصدام المباشر والكبير. فهم واقعيون ويتصرفون ببراغماتية. وتفاوضهم بضربات نارية متفرقة، أهدافها أميركية أو إسرائيلية أو خليجية، وغايتها لديهم تحسين مواقعهم. وهم يدركون أن تلك الضربات لا تستدعي رداَ حازمًا أو شاملًا. وعندما يتحسس الإيرانيون احتمال الذهاب إلى تصعيد أكبر، يسحبون فتيل التفجير، ولا يفرّطون بإنجازاتهم ومكتسباتهم.
ففي التسعينيات، وقبل حرب عناقيد الغضب، عُقدت مؤتمرات ولقاءات مشابهة لما يجري اليوم: مفاوضات لترتيب الوضع في المنطقة، وتركيب تحالفات بناء على مشاريع اقتصادية واستثمارية مشابهة. وكان من بينها مؤتمر شرم الشيخ. وفي تلك الحقبة كان هناك المشروع الاقتصادي الذي يحمله رفيق الحريري في إطار تفاهم سعودي- سوري- أميركي- فرنسي. وكان النظام السوري هو الذي يتولى التفاوض باسم لبنان.
أما اليوم فالوضع مختلف بسبب غياب دور الدولة اللبنانية كليًا، وسيطرة حزب الله عليها ووراثته دور الوصاية السورية.
دور حزب الله
مشكلة لبنان وحزب الله تتجسد دائمًا في كيفية ترتيب الأوضاع ونسج التحالفات في المنطقة. حاليًا هناك انشغال روسي وأميركي بتطورات الحرب الأوكرانية. فيما تتجه دول لعقد تحالفات بينية كرد فعل على المسار الأميركي، وعقد اتفاق نووي مع إيران. لذا تطرح اليوم أسئلة أساسية حول الخيارات المطروحة لمواجهة إيران ونفوذها.
وأي مواجهة من هذا النوع تعني لبنان مباشرة، وتنعكس على أرضه. والمعروف أن حزب الله هو درّة تاج المشروع الإيراني في المنطقة. وهو منذ بداية المفاوضات النووية راح يقوم بدور أساسي، وينطق رسميًا باسم ذاك المشروع ومحوره. والدليل حديث نصرالله في الواقع اليمني، والبحريني، والعراقي، وهجومه الدائم على السياسة السعودية. أما ضيوفه الدائمون فهم الحوثيون والبحرانيون المعارضون.
لبنان الرسمي متفرجًا
وعليه، تبدأ التفاهمات، إذا حصلت، بلبنان ومنه. وهذا ينطبق على المواجهة. وحزب الله اتبع سياسة الردع الاستراتيجي مع إسرائيل، وانتقل إلى مرحلة متطورة بإعلانه لبنان مصنعًا للصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة. لذا ينعكس التفاهم أو التصعيد مباشرة على لبنان. وقد يسبق التفاهمات تصعيدٌ يعمل على فرضها.
ووصلت الحال في لبنان إلى مرحلة استحالة الفصل بين الدولة وحزب الله، بسبب دوره السياسي في بنية السلطة، وتحالفه مع التيار العوني ومجموعات واسعة من المسيحيين، وتشتت السنية السياسية التي يفترض أن تواجه مشروعه. لذا وصلت حال لبنان إلى مفترق: فإما المواجهة بين حزب الله وخصومه، وإما عقد تسوية بينهما. وفي الحالتين يتخذ لبنان الرسمي دور المتفرج.
شرم الشيخ وما بعدها
يشير المشهد من شرم الشيخ إلى إسرائيل مرورًا بالعقبة، إلى ولادة تحالفات جديدة في المنطقة. فالتقارب الإسرائيلي مع دول عربية ليس حلفًا للسلام والتفاوض، بل هو تحالف للمواجهة وعدم الرضوخ لمبدأ تسليم المنطقة لطهران، ما بعد توقيع الاتفاق النووي.
ولبنان يفترض أن يكون ميدانيًا رئيسيًا في المواجهة، ما دامت إسرائيل هي التي تقود هذه التحالفات الجديدة، وحزب الله يقف على تخومها. وفي مواجهة هذا التحالف وانعكاساته على لبنان يريد حزب الله الحصول على الأكثرية النيابية، لتثبيت مشروعيته السياسية والدستورية.
المصدر: المدن