اختلاف التطبيع العربي الجديد مع الاحتلال|| عن تطبيع مصر والأردن وتأثيره على القضية الفلسطينية

وديع عواودة

نقلت القناة الإسرائيلية الرسمية عن مصادر سعودية من العائلة الملكية قولها إن القمة الثلاثية في شرم الشيخ التي عقدت بمبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومشاركة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، ورئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، تعتبر «الملتقى مهما جدا من أجل المستقبل» وذلك دون الإشارة للمضمون المهم بنظرها.

وطبقا للقناة قالت هذه المصادر السعودية «نحن على تنسيق دائم مع حلفائنا في المنطقة». منوهة إلى اللقاء الذي جمع بين السيسي وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، قبل أسبوعين، في الرياض، وأشارت الى أن اللقاء الثلاثي جاء في ظل غضب سعودي متصاعد ولدى دول خليجية من سياسات وتوجهات الرئيس الأمريكي، جو بايدن.

وفي هذا السياق نوه موقع «واينت» العبري أن بن زايد طرح خلال اللقاء في شرم الشيخ أبرز النقاط التي ناقشها مع بشار الأسد، الذي زار الإمارات، يوم الجمعة الماضي، في أول زيارة لدولة عربية منذ الثورة السورية عام 2011.

اتفاقات أبراهام

بعد الإعلان عن «اتفاقيات أبراهام» ودخول أربع دول عربية، هي الإمارات، البحرين، المغرب والسودان، في علاقات تطبيع مع إسرائيل، يكاد لا يمر أسبوع واحد دون أن يتم توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الأكاديمية، السياسية، الأمنية والاستخباراتية.

على سبيل المثال، في بداية فبراير/ شباط 2022، زار وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، البحرين وقام بتوقيع اتفاقية تم اعتبارها تاريخية، وتبعه رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت للمنامة بعد أسبوعين. وكان أحد أهم مخرجات هذه الاتفاقية إرسال ضابط بحرية إسرائيلي للتموضع في البحرين بشكل دائم ليشكل رجل اتصال ما بين إسرائيل والأسطول الخامس الأمريكي والقوات البحرينية.

في مجال آخر، تم توقيع مذكرة تفاهم في 30 أبريل/ نيسان 2021 ما بين الأرشيف الوطني الإماراتي والمكتبة الوطنية في إسرائيل لتعزيز التعاون الثقافي المتعلق بالإرث المعرفي. وفي حقل مختلف كليًا، وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2022، أقامت الجامعة العبرية في القدس وجامعة بوليتكنيك محمد السادس في المغرب اتفاق تعاون أكاديمي للبحث المشترك وتبادل الطواقم التدريسية والطلاب.

160 اتفاق تطبيع

هذه الأمثلة هي غيض من فيض، يسوقها تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» منوها أن اتفاقيات التطبيع التي تم توقيعها خلال عام 2021 وبداية عام 2022 تصل إلى أكثر من 160 اتفاقا تغطي كافة مجالات الحياة الاجتماعية، وتنخرط فيها فئات وطبقات وشرائح متنوعة من كافة الدول المطبعة بالإضافة إلى إسرائيل.

سلام بارد وسلام حار

في إطار محاولة قراءة هذه الاتفاقات يستذكر «مدار» أن المحللين السياسيين الداعمين لـ«اتفاقيات أبراهام» خرجوا ببعض الاستخلاصات التي ستكون لها تبعات بعيدة المدى على الشرق الأوسط في العقود القادمة.

في أحد المقالات التي نشرتها مجلة «الشؤون الأجنبية» الإنكليزية، يدعي محللون بأن «اتفاقيات أبراهام» الموقعة ما بين إسرائيل من جهة، وما بين الإمارات والبحرين والمغرب من جهة أخرى، يمكن أن توصف بأنها سلام دافئ، على العكس من السلام البارد الذي ساد على مدى أكثر من أربعة عقود ما بين إسرائيل وكل من مصر والأردن.

وتابع «بالطبع، السلام الدافئ هو السلام الذي يوقع عليه النظام الحاكم، فيستجيب له معظم سكان الدولة، بما يشمل أجهزتها الأمنية، وقطاعاتها الاقتصادية كافة، ومؤسساتها الأكاديمية، ووزاراتها المختلفة، بالإضافة إلى منظمات الشبيبة والنقابات العمالية ومنتديات رجال الأعمال، ويفتح الباب على سياحة متبادلة بدون قيود ومشاركة في معظم المناسبات الوطنية وغير الوطنية ما بين الدول».

ورغم أن هذه ليست الحالة القائمة حتى في دول التطبيع الخليجية يرى «مدار» أن هذا النوع من السلام (الدافئ) لم تشهده الأردن ومصر مع إسرائيل إذ ظلت القاعدة الشعبية فيهما معارضة تماما للسلام الدافئ مع إسرائيل. ويعزو كاتب المقال في المجلة المذكورة السبب إلى أن الإمارات والبحرين تعتبران «واحة اقتصادية» وليستا دولتين فقيرتين مثل الأردن ومصر، وبالتالي كانتا جاهزتين للاندماج الكلي لأن المناخ الشعبي فيهما منشغل أكثر بالاقتصاد الرأسمالي، والتبادل التجاري، والبحث والتطوير، والثقافة النيوليبرالية المنفتحة.

وطبقا للمركز الفلسطيني فإنه على العكس من الأردن ومصر اللتين تعانيان من نسب بطالة عالية، وفقر مدقع، و«تقوقع» شعبي حول الخطابات القومية والإسلام السياسي والانشغال بالهم الوطني (مواطن سياسي) فإن البحرين والإمارات على الأقل عملتا على مدار أكثر من عقدين على تحويل شعبيهما إلى شعبين منخرطين في عجلة العولمة (مواطن اقتصادي). ويضيف «مدار» متحفظا:» بالطبع هذا رأي يحتاج إلى تحليل أعمق للموافقة عليه، لكنه قد يعني أن بقاء مصر والأردن في إطار الدول الفقيرة قد لا يخدم المساعي الإسرائيلية لضمهما إلى هذا النوع من السلام الدافئ».

ويعتقد «مدار» أنه مهما يكن من أمر، فليس هنا المجال لتقرير فيما إذا كان مهندسو «اتفاقيات أبراهام» قد اختاروا الإمارات والبحرين قصداً كونهما من دول «المواطن الاقتصادي» ويشكلان نموذجا ناجحا للتطبيع، أم أنهما كانتا الوحيدتين من الدول العربية اللتين استعدتا للانخراط في «اتفاقيات أبراهام». في كل الأحوال، يرى إن السلام الدافئ ما بين إسرائيل والإمارات والبحرين، لكن أيضا المغرب، يأخذ بالفعل منحى مختلفاً كلياً، ولا بد من الإشارة إلى أهم الخطوات التي خطاها، وتعكس مدى التشابك في العلاقات ما بين دول «اتفاقيات أبراهام».

المستوى الأمني الرسمي

ويرى المركز الفلسطيني أن التعاون ينسحب على مستوى وزارات الدفاع والأجهزة الاستخباراتية والجيوش ولكن من الصعب الحصول على نصوص هذه الاتفاقيات التي ستظل سرية من حيث المحتوى لكنها علنية من حيث وجودها ومدى اتساعها. ويقول إن إسرائيل قامت بتوقيع ثلاث اتفاقيات استراتيجية مع البحرين والمغرب والإمارات في أوقات مختلفة من العام السابق، شارك في توقيع هذه الاتفاقيات وزير جيش الاحتلال، غانتس، وأعقبتها زيارات متعددة قام بها رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي وممثلون عن أجهزة استخباراتية لوضع تفاصيل التعاون الذي وصف بأنه استراتيجي ومنقطع النظير بين إسرائيل ودول عربية.

المستوى الأمني غير الرسمي

ويعتبر «مدار» أنه على المستوى الأمني غير الرسمي المتعلق بالشركات الإسرائيلية الخاصة التي تعمل في مجال الأمن، والاستخبارات، وتصنيع المعدات العسكرية والبحث والتطوير تم توقيع اتفاقات كثيرة منها توقيع شركة أبو ظبي G42 اتفاقاً مع شركة «رفائيل» للصناعات العسكرية الإسرائيلية لإقامة مشروع مشترك لتسويق المقاولات العسكرية وتكنولوجيات المعلومات. وبعد أيام وقعت شركة إيدج للتكنولوجيا التابعة لوزارة الدفاع الإماراتية مذكرة تفاهم مع الصناعات الجوية الإسرائيلية لتطوير سفن روبوتية.

ويتوقف عند «قصص إنسانية» وهي أنشطة تقوم بها إسرائيل بالإضافة إلى دول عربية مطبعة للتسويق الإعلامي وتشكيل «نموذج إنساني» يحتذى به. ويضيف»رغم بساطة هذه الفعاليات المتبادلة الا أنها تتمتع بقوة رمزية مصحوبة بتسويق إعلامي لا يمكن الاستهانة به. مثلا، في 27 سبتمبر/ أيلول 2021، اتجهت طواقم «إنقاذ» مشتركة بين إسرائيل والإمارات إلى أفغانستان في مهمة لـ «تخليص» نساء وأطفال عالقين في كابول بعد استيلاء طالبان عليها! وفي 8 يناير/ كانون الثاني 2021، اجتمع أطفال إماراتيون وإسرائيليون في برنامج «عصف ذهني» لوضع حلول لمشاكل «ندرة المياه» في منطقة الشرق الأوسط.

تعاون اقتصادي

وفي مجال التعاون الاقتصادي يشير «مدار» لكونه تعاونا على أكثر من مستوى: من جهة، هناك التعاون على المستوى الرسمي بين وزارات الاقتصاد والصناعة أو بين هيئات تشجيع الاستثمار ومكاتب التبادل التجاري. مثلا، في 15 اكتوبر/ تشرين الثاني 2021، عقد اجتماع بين وزارتي الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية والإماراتية لتوقيع اتفاق تعاون اقتصادي شامل، منوها أنه في اليوم التالي، بدأت إسرائيل والإمارات مباحثات رسمية لإقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين. وفي 27 يوليو/ تموز 2021، تم تجهيز مسودة اتفاق تعاون اقتصادي بين إسرائيل والبحرين وطرحها لمصادقة الحكومتين ومن المتوقع المصادقة عليها خلال أشهر بحيث أن التبادل التجاري بين البلدين سيصل إلى مئات الملايين من الدولارات، ويشمل المعدات الطبية، والتكنولوجيا الزراعية، والسايبر، والطاقة وغيرها. وفي 13 مارس/ آذار 2021، وقع اتحاد المشغلين المغاربة اتفاقاً ومذكرة تفاهم مع اتحاد منظمات المشغلين ورجال الأعمال الإسرائيلي لتطوير العلاقات التجارية واتفاقيات رؤوس الأموال بين الجانبين.

مشاركة اقتصادية

كما يتوقف «مدار» عند» المشاركة الاقتصادية والمقصود هنا تبادل رؤوس الأموال بحيث يشارك رأس المال العربي المطبع في شراء أسهم وأصول في البنية الاقتصادية الإسرائيلية والعكس صحيح، مشيرا إلى أن هذا النوع من المشاركة الاقتصادية المعولم من شأنه أن يعمل على تشبيك المصالح الاقتصادية بشكل يصعب الانفكاك منه، بل يخلق بيئة تدفع رأس المال العربي المطبع إلى الاهتمام بأمن إسرائيل خوفا على مصالحه، والعكس صحيح. ومثالا على ذلك يشير أنه في الثاني من سبتمبر/ أيلول 2021، باعت شركة ديلك الإسرائيلية للتنقيب 22٪ من أسهمها في بئر الغاز الطبيعي «تمار» إلى شركة «مبادلة» للبترول الإماراتية.

كذلك في 12 مارس/آذار 2021 أعلنت الإمارات تخصيص صندوق بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في إسرائيل في قطاعات مختلفة منها الطاقة، والمياه، والفضاء، والصحة والزراعة عالية التقنية.

ويشير أيضا لتعاون على مستوى البنى التحتية، وتشمل اتفاقيات بين سلطات المياه والكهرباء ومد أنابيب الغاز وغيرها، مرجحا أن أهم اتفاق تم في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عندما تم توقيع اتفاق إسرائيلي ـ أردني ـ إماراتي، وهو الأضخم بين إسرائيل ودول المنطقة، بموجبه تورد الإمارات الطاقة لإسرائيل، التي ستقيم محطة تحلية مياه لتزويد الأردن بالماء.

وفي المقابل يرى أنه لا يمكن الاستهانة أيضا بالاتفاقيات بين سلطتي المياه الإسرائيلية والبحرينية، وفي 21 يناير/ كانون الثاني 2021، وقعت شركة المياه الإسرائيلية (مكوروت) اتفاقاً مع سلطة المياه والكهرباء البحرينية لتزويد البحرين بتقنيات تحلية المياه.

وفي مجال التعاون الصحي يشير «مدار» الى أن معظم وأهم المستشفيات الإسرائيلية تشابكت مع مستشفيات ومنظمات صحية إماراتية وبحرينية ومغربية. موضحا أن التشابك شمل تبادل خبرات، وقضايا تتعلق بالبحث والتطوير بالإضافة إلى تشابك منظوماتي يتعلق بطرق الإدارة الحديثة للمستشفيات والتمريض. مثلا، دائرة الصحة في أبو ظبي وقعت اتفاقاً مع مستشفى شيبا الإسرائيلي وشركة كلاليت للخدمات الطبية الإسرائيلية للتعاون في المجال الصحي.

التعاون الأكاديمي

وفي مجال التعاون الأكاديمي نوه أن أهم الجامعات الإسرائيلية تقوم بالتشبيك مع جامعات مغربية، إماراتية، وبحرينية لتبادل البحث العملي، وتبادل الطلاب والهيئة التدريسية. وبرأيه ربما يعتبر هذا النوع من التطبيع الأهم اذ أنه يخترق النخبة الأكاديمية والتي قد يكون جزء لا بأس منها في مواقع صناعة القرار مستقبلا. في هذا السياق، يذكر الاتفاق بين جامعة بار إيلان الإسرائيلية وجامعة جولف ميديكل الإماراتية لتبادل الطلاب، أو الاتفاق بين الكلية الوطنية لإدارة الأعمال في الدار البيضاء المغربية وجامعة تل أبيب من أجل التعاون العلمي وتبادل الطلاب وخلق فرص العمل، أو الاتفاق بين جامعة بن غوريون في النقب وجامعة المغرب الدولية في الرباط للتعاون الأكاديمي في مجالات البحث المشترك وتبادل الطواقم التدريسية والطلاب.

الخلاصة

ويتابع «قد لا تكفي هذه المقالة لذكر كل الاتفاقيات التي شملت أيضا تعاونا ثقافيا، ورياضيا، و«تآخيا» بين الأندية، ومشاركات متبادلة في المعارض، والعروض المسرحية، والفن والسينما، وغيرها. بخلاف تقييمات مراقبين آخرين حول جوهر اتفاقات التطبيع القديمة والجديدة على حد سواء التي تبدو الشعوب العربية في حل منها يرى «مدار» أن الخلاصة المطلوبة ربما هي أن «اتفاقيات أبراهام» فتحت المجال أمام إسرائيل لإقامة «سلام دافئ» مع دول عربية أساسية في الشرق الأوسط. وفي هذا المضمار يقول إنه ولأهمية هذه الاتفاقيات قام المهندس الأبرز للاتفاقيات، جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب بإنشاء مركز أبحاث ضخم يدعى «مركز أبحاث اتفاقات أبراهام للسلام» في واشنطن».

ويعمل المركز حاليا على صعيدين: الأول، كمنسق للتشبيك بين فئات وشرائح اجتماعية واقتصادية لم يطَلها التطبيع بعد، والثاني كمركز أبحاث يوثق مسيرة التطبيع التي تمضي على قدم وساق وبشكل لم تتوقعه إسرائيل في السابق.

فضح جوهرها الاستعماري

وضمن خلاصاته يقول «مدار» أيضا إنه من الصعب الجزم بكيف ستضر هذه الاتفاقيات بالقضية الفلسطينية: من جهة، لا شك في أنها تضعف الدبلوماسية الفلسطينية التي استندت إلى مبدأ «لا تطبيع مع إسرائيل بدون حل القضية الفلسطينية حسب مبدأ حل الدولتين» لكنها في المقابل، وبشكل متناقض، قد تسمح لإسرائيل بالمضي قدماً في مشروعها الاستعماري، الذي بات في أوساط منظمات حقوق الإنسان الدولية يوصف بأنه «أبارتهايد من النهر إلى البحر».

ويضيف «فالاتفاقيات هذه، حتى لو مضت قدما وشملت دولاً عربية أخرى، من شأنها أن «توتر القوس» حسب المثل الشعبي الصيني، بحيث أنها قد تغري إسرائيل بالمضي قدماً في اضطهاد حقوق الفلسطينيين وتكشف بالتالي عن طبيعتها الاستعمارية بشكل مفضوح أكثر.

المصدر:  «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى