الأزمة الأوكرانية

محمد السخاوي

  لدي مجموعة من المداخلات حول الأزمه الاوكرانيه أرى أنه من المهم أن أبينها :

  الأولى : تذكرنا هذه الأزمه بالأزمه الكوبيه فى النصف الأول من ستينيات القرن الماضى على ما أذكر بين أمريكا والاتحاد السوفيتى .بين الحلفين حلف وارسو وحلف الأطلنطى . كانت الحرب البارده بين المعسكرين فى الذروه ومعارك استقلال بلدان المستعمرات فى اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينيه فى القمه . وحركة عدم الانحياز راياتها عاليه . وكان للثوره الكوبيه بقيادة كاستروا وجيفارا طعم خاص فى عالم المستضعفين على مستوى العالم . فى هذا الجو رفضت امريكا وجود كوبا قاعده اشتراكيه بالقرب من ابوابها ومصالحها فى امريكا اللاتينيه التى كانت تعتبرها امريكا حديقتها الخلفيه ممنوع على اى قوة الاقتراب منها . ولذلك قررت غزو كوبا .وبمجرد ان تسرب خبر الغزو الى الاتحاد السوفيتى اسرع ببناء وتجهيز قاعده للصواريخ السوفيتيه داخل الاراضى الكوبيه . وازدادت الحرب البارده اشتعالا بين المعسكرين الغربى والشرقى . وعاش العالم على حافة الهاويه بانتظار قيام الحرب العالميه الثالثه .

 الثانيه : ولكن تم حل المشكله ولم تقم الحرب وتم تجنيب” العالم كله” الاثار المدمره لهذه الكارثه . ويعود ذلك لامرين : الاول وجود حركة عدم الانحياز باقطابها البارزين عبد الناصر ونهرو وتيتو وشواين لاى وثقلها السياسى العالمى بين الحلفين المتصارعين . والثاني ان اطراف الازمه لم يستهن احدهما بالاخر . وانما كانوا على قدر عال من المسؤليه والفهم لطبيعة الازمه واثارها التدميريه على الجميع . وكان ‘ الحل ” بديهى وبسيط : المشكله اصبحت وجود قاعدة الصواريخ السوفيثيه فى كوبا موجهة نحو المدن الامريكيه لضربها فى حال غزو امريكا لكوبا. وتم نزع فتيل الازمه ‘ بتعهد ” من امريكا بان لا تفكر فى غزو كوبا وتحترم ‘ اختيارها” الاشتراكى مقابل ان يقوم الاتحاد السوفيتى بسحب صواريخه من كوبا . تم ذلك وتنفس العالم مستريحا ونجا من كارثه مجنونه . لتفهم الاطراف : حركة عدم الانحياز والاتحاد السوفيتى  وامريكا حق كل طرف من اطراف الازمه فى متطلباته الامنيه .

الملاحظه الثالثه  : كان لوجود حركة عدم الانحياز دورها البارز فى تحجيم ‘ الخصومه” بين الحلفين من جهة وقدرتها على تعلية مصلحة الشعوب والامم كافه على التناقضات بين الحلفين من جهة ثانيه وتقييد نزعة التوحش الراسمالى من حهة ثالثه . وهذا يبين ان الانهيار الفعلى لحركة الحياد الايجابى وعدم الانحياز قد خلف فراغا سياسيا دوليا تسبب فى اصابه شرايين النظام الدولى بالتصلب وعدم القدره على تجاوز المشكلات والقضايا الدوليه التى تهدد العالم . مما يجعل العالم فى حاجه ماسه وعاجله لاعدة بناء وتنشيط الحركه من جديد. فاين القياده او القيادات التى تتحمل هذه المسؤليه ؟

الرابعه : أشم من قلب الازمه الأوكرانيه الرائحه العنصريه من جميع الاتجاهات . وهذا أمر طبيعى بسبب الصبغه الرأسماليه المهيمنه الان على كل دول العالم .فالراسماليه استكبار والاستكبار جوهر العنصريه . كل طرف يتهم الاطراف الاخرى بالعنصريه والشيفونيه والنازيه . والحقيقه ان كل طرف محق فى ادعاءاته تجاه الطرف الاخر لانهم جميعا وبدون استثناء على رؤسهم بطحات عنصريه توسعيه . وبالذات فى قضية الصراع العربى / الاستعمارى الصهيونى وتطورات ما بعد الربيع العربى فى الامه العربيه  . الجميع يدفع بالمنطقه نحوحقبة الاستعمار الجماعى والهيمنه الصهيونيه . كما اشم وانا اتابع تطورات الازمه زفارة رائحة العنصريه الدينيه الاوروبيه . هذه كلها من توابع التحولات الراسماليه وتوحش الراسماليه عالميا .

الخامسه : بسبب كل ما سبق تجد استهتار واستهانة كل طرف من اطراف الازمه بمطالب الطرف الاخر : استهتار امريكا والغرب بمتطلبات الامن الروسى واستهتار روسيا بالنزوع القومى المستقل لاوكرانيا بعد عقود من القهر القومى السوفيتى .واتهام روسيا لاوكرانيا بالنازيه بسبب نزوعها القومى ووحدة الوطن الاوكرانى . هذا التوجه الروسى موروث روسى ماركسى بوصف القوميه بالشوفينيه . موروث لم تستطع ان تتخلى عنه روسيا الراسماليه . ولم ينتبه بوتين ان ما يقوم به فى اوكرانيا هو قمة النازيه ايضا لانه ضد الحقوق القوميه والاستقلال القومى للاوكرانيين فى وطنهم . وهى حقوق لا تتعارض مع حق روسيا فى توفير متطلبات امنها المشروعه .

 كل ما ذكر هو ظواهر لحالة الفوضى التى يعيشها العالم بسبب ‘ الطبيعه الفوضويه” للرأسماليه العالميه وهزيمة الاشتراكيه  .

  لنتذكر الآيتين الكريمتين  : ‘ ياايها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا ” مفتتح سورة النساء ( وحدة النسب للانسانيه كلها ) . .  يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير : الايه ١٣ من سورة الحجرات ( القاعده التى تقوم عليها العلاقات الدوليه ‘ التعارف وتبادل المنافع ” وليس الصراع . لقد اصبح العالم فى اشد الحاجه الى نظام عالمى’ انسانى ” . نظام الحريه والمساواة والعدل والعداله الاجتماعيه ” .

المصدر: من صفحة *محمد السخاوي*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى