أنتجت الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019 واستمرت لأكثر من 14 شهراً، العديد من الحراكات والقوى السياسية المدنية، التي تبنّت شعارات وأهداف التظاهرات المرفوعة في ساحات التظاهر والاعتصام، مثل مطلب الدولة المدنية والقضاء على الفساد وإنهاء المحاصصة الطائفية في العملية السياسية.
ومع تشكيل قوى متعددة والاختلافات التي برزت في طريقة العمل السياسي، يؤكد ناشطون مدنيون في العراق أنهم متفقون على مفاهيم وأهداف مشتركة واحدة، أبرزها مزاحمة أحزاب السلطة الحالية والدفع بها إلى خارج دائرة التأثير بشكل تدريجي خلال عدة دورات انتخابية.
ويستندون إلى تأييد الشارع للقوى المدنية، وكذلك النقمة على تجربة الأحزاب الدينية بعد عام 2003. لكن أصواتاً من بين هؤلاء تحذر من أن فشل أي حركة مدنية سينعكس سلباً على الآخرين من ناحية الشارع.
“البيت العراقي”: نحو دولة مدنية
ومن بين الكيانات السياسية المدنية التي باتت تُعرف محلياً بـ”التشرينية” (نسبة إلى أكتوبر/تشرين الأول 2019) حراك “البيت العراقي”. تقود هذا الكيان مجموعة من الناشطين السياسيين المدنيين من محافظات عراقية مختلفة، وأغلبهم شبان، ويتحرك “البيت العراقي” حالياً لتسجيل نفسه كحزب في دائرة الأحزاب العراقية، متخذاً من بغداد منطلقاً لنشاطاته وفعالياته.
ويؤكد القائمون على “البيت العراقي”، الذي برز أخيراً كإحدى القوى المدنية الفاعلة في بغداد، أنهم عازمون على دخول العملية السياسية في الانتخابات المقبلة، فيما يمارسون حالياً دور المعارض للوضع السياسي الراهن الذي تهيمن عليه القوى الدينية.
رئيس حراك “البيت العراقي” محيي الأنصاري يقول في حديث مع “العربي الجديد” إن هذا المكوّن يعمل مثل باقي القوى المدنية على “تحقيق التغيير الذي يريده العراقيون في الوضع السياسي”.
ويلخص ذلك بـ”دولة مواطنة مدنية تؤمن بكرامة وحرية الفرد، وتطبيق القانون على الجميع، ووضع حد لإفلات المجرمين والقتلة وسارقي المال العام من العقاب، وتوفير البيئة الآمنة للشباب كي يحصلوا على حقوقهم ويمارسهم حياتهم الطبيعية كما في البلدان المتقدمة، خصوصاً أن العراق لديه كل المقومات التي يمكن من خلالها أن يكون في مصاف الدول المتقدمة”.
وعن ظروف تشكيل الحراك، يبيّن الأنصاري أنه “في الوقت الذي كان فيه الخطاب والدعوة لترميم البيوت السياسية “طائفياً وحسب المذهب والعرق، كان لا بد من أن يظهر كيان سياسي لا يعتمد على التصنيفات الدخيلة على الفكر الاجتماعي العراقي، والهويات الفرعية التي اعتاش عليها نظام الطائفية ما بعد 2003”.
ويضيف: “ظهر البيت العراقي كحراك يعتمد على الشباب ويحظى بثقة نخب المجتمع وعامته، فانطلق من بغداد باتجاه كل مدن البلاد”.
ويعتقد الأنصاري أن “الطبقة السياسية الحاكمة في العراق باتت في فصلها الأخير، ولا بد من إعداد جيل شبابي وطني يعتمد المبادئ السياسية السامية لا الملوثة ليكون بديلاً ناجحاً يستطيع أن يعيد للعراق اسمه ورونقه، ويحقق ما عجزت عن تحقيقه كل الأنظمة السابقة”.
ويشرح أن “البيت العراقي ومن فيه من ناشطين ومطالبين بتأسيس نظام يعتمد على القانون، وليس على المرجعيات السياسية، يؤمن بالدولة كمبدأ للعيش ويدعم سيادة القانون والقضاء”.
ويشير إلى “أن لأعضاء البيت علاقات طيبة مع المنظمات الدولية، ومنذ اليوم الأول من تأسيس الحراك أرسلنا رسائل إيجابية للمجتمع الدولي وطرحنا أنفسنا كبديل وطني حقيقي يعمل على الأرض مع بقية الشركاء في الهدف والغاية”.
علاقة “البيت العراقي” مع الأحزاب التقليدية
وعن علاقة “البيت العراقي” بالأحزاب التقليدية والشخصيات السياسية النافذة في البلاد، يردف أن “الجهات التقليدية بالمجمل لم تدخر جهداً لتقويض عملنا وتحركاتنا، فتارة تضيّق علينا من خلال عرقلة الإجراءات الرسمية لحراكنا ونشاطاته، وتارة أخرى تحاول بشتى الطرق استخدام أذرعها الإعلامية للتنكيل بنا وتسقيطنا”.
وحول إمكانية التحالف بين أحزاب وكيانات ما بعد تشرين، يقول الأنصاري إن “هناك تفاهماً بين خمسة من أبرز الأحزاب والحراكات الداعمة لبعضها البعض والتي تنوي أن تخوض الانتخابات المقبلة ككتلة واحدة، إضافة لوقوفها ضد كل الهجمات التي تحاول النيل منها، سواء تلك التي نجحت أن تكون تحت قبة البرلمان، أو التي تنوي التحضير للانتخابات المقبلة”.
وشهد “البيت العراقي” خلال الأسابيع الماضية انسحاب عدد من أعضائه، لكن الأنصاري يشير إلى أن “حراك البيت العراقي هو الأقل من بين الأحزاب الجديدة الأخرى من حيث الانشقاقات والانسحابات، وأنه الأكثر تنظيماً وانضباطاً على مستوى أعضائه”، مستدركاً: “على الرغم من ذلك فإن مرحلة النشأة عادة ما ترافقها عملية تشذيب للتنظيم الأساسي الذي سيذهب للمؤتمر العام للحزب، ويتوغل في العمل السياسي”.
ولم يتجه الكثير من الناشطين والمتظاهرين في احتجاجات أكتوبر 2019 إلى العمل السياسي، فقد اختار قسم منهم فكرة التمسك بالتظاهرات والاحتجاجات التي يلوّحون بها بين وقت وآخر ويعتبرونها مصدر قلق للأحزاب الممسكة بالسلطة، وعامل ضغط للمضي بالإصلاحات التي ينتظرها الشارع.
ويرى الأنصاري أن “هذه حالة صحية، أي أن هناك حاجة تقتضي وجود جناحين للحركة التغييرية، ممثلة بالجناح السياسي والجناح المحتج، لأن في ذلك إنضاجاً للجناحين”، مضيفاً “سيكون مضراً إذا ما اعتقد الطرفان بضرورة إنهاء أحدهما الآخر أو اختار أحدهما ألا يتعامل مع الآخر”.
المصدر: العربي الجديد