المرأة العربية بشكل عام لا تستطيع أن تنظر في مرآتها دون أن ترى مجتمعًا كاملًا يحاسبها، ويتعقبها، ويحدد لها الأطر التي يفترض أن تتحرك ضمنها.
لكنها مع تسارع الأحداث المحيطة بها وبأسرتها ووطنها كان عليها في وقت ما أن تكسر المرآة وتخرج لتأخذ شكلاً وجوديًا مختلفًا يجعلها رديفة ومكملة لصنوها الرجل دافعة ثمن التغيير الذي تمر به المنطقة بأسرها.
ففي سورية وحيث استشرى الظلم واستفحل الفساد حتى حاصر الناس في حرياتهم وأرزاقهم خرجت المرأة في كل المدن السورية وأريافها. مطالبةً بالحرية ، رافضةً للظلم، وهتفت مقدمة الدعم المادي والطبي والاعلامي والمعنوي لثورة تعيد للإنسان كرامته وتطالب بحقوقه داخلةً بالمعترك السياسي بطبيعة الحال.
فهي إما أم لشهيد، أو زوجة لمفقود، أو معتقلة وقعت في قبضة نظام لا يرحم عبر الحواجز المنتشرة في أغلب شوارع المدن أو مداهمة بيتها أومكان عملها واقتيادها بطريقة مهينة لتمارس عليها طقوس التعذيب والانتقام، وفي كثير من الأحيان يقوم باعتقالها انتقامًا من أبنائها أو أخوتها المنشقين عن الخدمة الاجبارية.
عانت من التعذيب النفسي، والجسدي، ابتداءً من التهديد بقتل ذويها، أو تعذيب أبنائها أمامها. انتهاء باغتصابها، وشبحها ثم تركها تواجه مصيرها في الزنازين المعتمة دون أي رعاية طبية.
وتمر ساعات الاعتقال بطيئة مؤلمة يتداخل فيها الليل والنهار، وصرخات المعتقلين مع شتائم السجان فلا تعرف هل ستخرج من ذلك الجحيم أم ستواجه مصير رحاب علاوي التي أعدمها النظام بعد شهور من الأسر.
وقد تم احتجاز أكثر من 13,500 امرأة سورية منذ بدء الثورة في آذار/مارس 2011وما زال أكثر من 7 آلاف امرأة سورية َ ينتظرن الخلاص.
بينما خرجت من المعتقل بتبادل أسرى، أو دفع مبالغ مالية طائلة للنظام عدد من المعتقلات حيث وضعن في مواجهة موجعة مع مجتمعاتهن كن الخاسرات فيها، ووضعًا قانونيًا وماديًا صعبًا بعد أن جردن من حقوقهن المدنية، وفقدن أوراقهن الثبوتية ووجهت الهينّ أحكام غيابية وخسرن عملهن واعتبرن بحكم المستقيل من الوظائف الحكومية.
لذلك توجهن إلى دول الجوارتاركات بيوتهن و أهليهن ليبدأن من الصفر قي مجتمع جديد وجروح بداخلهن لا تندمل .
و لجأ العدد الأكبر منهن إلى تركيا هربًا من ملاحقة النظام، وبطشه وطلبًا للأمن، والعلاج فتوجه أغلبهن إلى ولاية اسطنبول ( 60) وولاية هاتاي (50 ) تقريبًا وعدد منهنّ ذهب إلى أورفا وغازي عنتاب ومرسين. حيث يعيش هؤلاء ظروفًا استثنائية بعد أن أصبحت أغلبهن معيلات لأطفال فقدوا آباءهم في الحرب أو الاعتقال.
ولم تتخل الناجيات عن مطالبهن بالافراج عن بقية المعتقلين، وايجاد حل سياسي يضمن حقوق الجميع في وطن مستقر. لذلك تجتهد الكثيرات منهن لتشكيل جمعيات لمساعدة المعتقلات بشكل خاص والمرأة بشكل عام لتعبر عن قضيتها بعيدًا عن الاستغلال والإهمال.
ومن هنا نشأت منظمات وأسست مبادرات لتكون داعمًا نفسيًا وقانونيًا وماديًا لمعتقلات الداخل والخارج ومظلة تحميهن من الاستغلال، والمتسلقين، ومن يتحدث باسمهن لأغراضه الدعائية والمادية دون العودة إليهن. مع العلم أن بعض هذه الجهات لم تكن منصفة وشفافة في تعاملها مع هذه القضية أيضًا، حيث تعاملت بمنطلق مادي وركزت عليه على حساب المعنويّ فجعلت من المرأة السورية بشكل عام والمعتقلة بشكل خاص تتحدث من زاوية الضعف والعوز وتعاملت معها كضحية بينما هي في الأصل صاحبة قضية وتمتلك صفات تؤهلها لأن تتابع مسيرتها القوية التي بدأتها منذ أيام الثورة الأولى.
ولا يخفى على أحد أن المرأة السورية أثبتت جدارتها في تحمل أعباء الحياة فكانت الأم والأب معًا في كثير من الحالات ونجحت في تأسيس عملها الخاص بجدارة ضمن مجتمعاتها الجديدة مجتازة تحديات القوانين واللغة والمنافسة في سوق العمل.
وما زال الطريق طويلًا أمامهن إلى أن يتحقق ما طمحن إليه وسعين باتجاهه ليصلن إلى بر الأمان.
إنه المخاض الذي تتحول فيه المرأة السورية من صفتها متأثرة إلى كونها مؤثرة وفاعلة لتشارك في صنع مستقبل أفضل لأطفالها وذويها ووطنها.
المصدر: اشراق