بديل صيني- روسي لنظام “سويفت” لن يقوّض العقوبات الإيرانية

ستيفن تيرنر

لا يوجد احتمال واقعي بأن بكين وموسكو ستُنشئان نظاماً مشتركاً حيويّاً يقلل بشكل وشيك وبصورة كبيرة من الصعوبات التي تواجهها طهران في الوصول إلى النظام المالي الدولي.

عندما أصدرت الولايات المتحدة وأوروبا سلسلة من العقوبات رداً على غزو أوكرانيا، لم يكن من بينها قرار استبعاد روسيا من نظام الرسائل المالية الذي تشرف عليه “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك” (“سويفت”). وفي مقال افتتاحي نُشر في صحيفة “واشنطن بوست” في 24 شباط/فبراير، أشار المحلل سيباستيان مالابي إلى أن كييف وثلاث من دول البلطيق دعت إلى هذا الإجراء العقابي. وأدلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بتصريحات مماثلة في الأسبوع الماضي. لكن كما أشار مالابي، بقيت دول أوروبية أخرى مترددة حتى الآن، خوفاً من التأثير المحتمل على واردات الطاقة.

وفي غضون ذلك، أدلى القادة الإيرانيون بتصريحاتهم الخاصة حول نظام “سويفت” في سياق مختلف، مدّعين أنهم قد يتمكنون قريباً من الالتفاف على العقوبات الغربية باستخدام بديل صيني روسي مشترك للنظام. وإذا كان هذا الحل صحيحاً، فقد يقلل من حافز طهران لتقديم تنازلات عند إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

وتثير هذه المناقشات العامة غير المعتادة حول نظام “سويفت” عدة تساؤلات، منها: هل أصبح شطب روسيا من النظام وشيكاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل ستؤدي هذه الخطوة إلى تقويض العقوبات على إيران؟ والمزيد حول هذه النقطة، هل النظام الصيني الروسي البديل لنظام “سويفت” قابل للتطبيق؟ إن الواقع مختلف تماماً عن الترويج الذي تقوم به طهران، فالبديل الذي يمكّن النظام الحاكم من تجنب النظام المالي الغربي بشكل فعال ليس بالأمر القريب.

ما هي الخطوات التي اتخذتها إيران وروسيا والصين حتى الآن؟

في عام 2019، منعت جمعية “سويفت” جميع المصارف الإيرانية تقريباً من استخدام نظام المراسلة. وكانت واشنطن تضغط من أجل اتخاذ هذه الخطوة، التي على الأرجح كان المأزق النووي مع طهران دافعاً لها. ومع ذلك، أرجعت “سويفت” الإجراء إلى مشاكل غسل الأموال وليس للعقوبات الأمريكية. وردّاً على ذلك، ربطت طهران نظام المقاصة المالية المحلي (SEPAM) الخاص بها بنظام روسيا لتحويل الرسائل المالية (“إس بي إف إس”)، الأمر الذي يمكّن البلدين من الناحية النظرية من إجراء المعاملات العابرة للحدود.

وفي صيف 2021، نشر “مجلس تشخيص مصلحة النظام” الإيراني تقريراً عن استراتيجية اقتصادية حول كيفية تخفيف تأثير العقوبات الغربية. وكانت توصياته الأساسية هي التوسط في “اتفاقيات المقايضة الثنائية” والانضمام إلى نظام عالمي لتبادل الرسائل المالية والمقاصة بين الصين وروسيا. ووفقاً للتقرير، قد تسمح هذه الخطوات لإيران ليس فقط بالتجارة مع موسكو وبكين، ولكن أيضاً باستخدام الوسطاء الروس والصينيين لنقل الأموال إلى دول أخرى. ومع ذلك، ليس من الواضح ما هي دقة هذا الادعاء بأي حال من الأحوال.

وفي 15 كانون الأول/ديسمبر، وعقب محادثات بين الرئيسين فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، أعلن الكرملين عن خطط لتطوير نظام مشترك للرسائل المالية والمقاصة مع الصين. والهدف من هذا النظام هو جذب عدة مصارف دولية، أي ما يكفي من المشاركين لردع التهديد بالعقوبات الاقتصادية الغربية.

ويبدو أن طهران تأمل في أن تحرز موسكو وبكين تقدماً سريعاً في هذا الصدد. وفي 17 كانون الثاني/يناير، ألمح السفير السابق محمود رضا سجادي إلى أن روسيا ستساعد إيران في الالتفاف على العقوبات الغربية. وأثناء زيارة قام بها الرئيس إبراهيم رئيسي إلى موسكو في وقت لاحق من ذلك الأسبوع، أعلن أن البلدين قد وصلا إلى نقطة تحوّل في علاقاتهما وأنهما يسعيان إلى تعاون ثلاثي مع الصين. لكنّ بيانه احتوى على القليل من التفاصيل، مما ترك المراقبين في وضع مبهم حول ما إذا كان هناك أي صحة لادعائه.

ومن المؤكد أن بعض التجار في الصين، وبدرجة أقل في روسيا، يطوّرون طرقاً ملموسة للتهرب من القيود المالية الأمريكية المفروضة على طهران من خلال شكل من أشكال المقايضة، أي مبادلة المنتجات الإيرانية بالمنتجات المحلية، وأحياناً بطرق يبدو أنها تنتهك العقوبات الأمريكية. لكن هذه الأساليب باهظة الثمن ومرهقة، كما يتضح من الصعوبات الكبيرة التي واجهتها إيران في دفع ثمن وارداتها واسعة النطاق من القمح الروسي، على الرغم من أن العقوبات الأمريكية لا تنطبق على السلع الإنسانية مثل القمح.

عقبات أمام حل بديل قابل للتطبيق

إذا تمكنت الصين وروسيا من إنشاء نظام مشابه لنظام “سويفت”، فمن شأنه أن يرضي بعض المصالح الاستراتيجية في كلا العاصمتين. وعلى وجه الخصوص، تسعى روسيا إلى إيجاد طرق لتخفيف تأثير العقوبات الغربية، بينما تسعى الصين إلى تأكيد نفوذها العالمي مع الحد من التأثير الأمريكي. ومع ذلك، لا يعمل أي من البلدين بعزم على تطوير مثل هذا النظام المشترك، بل اتخذا خطوات محدودة نحو إنشاء أنظمة الرسائل المالية التي تستخدمها مصارفهما المحلية بشكل حصري تقريباً.

على سبيل المثال، يصف القادة الروس نظام “إس بي إف إس” بأنه جزء من “اقتصاد الحِصْن”، الذي يشكّل استراتيجية اقتصادية دفاعية جرى تبنّيها في عام 2014 لعزل البلاد عن الضغوط الأجنبية. وتضمنت الجوانب الأخرى لهذه الاستراتيجية الاقتراب من الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، وتكديس كميات كبيرة من العملات الأجنبية، وتطوير الأنظمة المالية التي تقوض فعالية العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

وعلى الرغم من أن مئات المصارف الروسية قد تبنّت نظام “إس بي إف إس”، إلا أن عدداً قليلاً فقط من المصارف الدولية قد حذت حذوها، والعديد منها لا يستخدم هذا النظام بشكل فعال. وتشمل تفسيرات هذه الندرة في التبني مخاوف بشأن عدم كفاءة النظام، وساعات العمل المحدودة، وانخفاض أعداد المشاركين، ناهيك عن التأثير السياسي والاقتصادي الذي قد تمارسه موسكو على المصارف الأجنبية التي تنضم إلى مستخدمي النظام البديل. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من تبجح الكرملين بالانضمام إلى نظام صيني روسي، إلّا أن “بنك الصين” هو المؤسسة الوحيدة من ذلك البلد التي انضمت إلى نظام “إس بي إف إس”.

وعلى النقيض من الاستراتيجية الدفاعية لروسيا، تهدف سياسات بكين الاقتصادية إلى تأكيد نفسها في الداخل وإبراز نفوذها في الخارج. وتحقيقاً لهذه الغاية، جرى تصميم “نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك” (CIPS) لتعزيز سيطرة الحكومة المركزية على الاقتصاد المحلي وتسوية المطالبات الدولية باليوان. ومع ذلك، فإنّ الغالبية العظمى من معاملات الصين العالمية تجري تسويتها بعملات أخرى، لذلك تستمر البلاد في الاعتماد بشكل كبير على نظام “سويفت”، الذي يسمح بتسوية المعاملات بمجموعة متنوعة من العملات. ونتيجة لذلك، فإن بضع عشرات من المصارف الدولية فقط أعضاء في “نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك” القائم على اليوان. وطالما أن معظم المعاملات الصينية في الخارج تجري بالدولار الأمريكي، فلن يكون من مصلحة بكين تقويض نظام “سويفت”. وبالمثل، طالما أنّ عدداً قليلاً من المعاملات العالمية تجري باليوان، فلن يجذب النظام القائم على تلك العملة العديد من المتبنين الأجانب.

ولنفترض، مع ذلك، أن إنشاء نظام بديل لنظام “سويفت” مع روسيا يصبّ في مصلحة بكين والوسائل التي تسخّرها. فحتى في هذا السيناريو الافتراضي، تبقى الحقيقة أنه لا يمكن إنشاء مثل هذا النظام بشكل سريع بما يكفي لتخفيف العقوبات الحالية على إيران. وثمّة احتمال ضئيل، إن وُجد، بأن اليوان يمكن أن يحقق القوة والاستقرار الكافيين في السنوات القليلة المقبلة للتنافس مع الدولار الأمريكي على الصدارة في المعاملات المالية العالمية، وهو الشرط المسبق لأي نظام بديل قد يمكّن إيران من تجاوز القيود الأمريكية بشكل فعال. وبالتالي، على الرغم من تصريحات طهران وموسكو التي تشير إلى عكس ذلك، فإن تطوير نظام مشترك للتهرب من العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي لعام 2015 ليس وشيكاً.

الخيارات السياسية

سيكون لفرض عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا العديد من التداعيات، لكن من الصعب رؤية الكيفية التي يمكن لردود الفعل الروسية و/أو الصينية لمثل هذا الضغط أن تفعل الكثير لتحسين وصول إيران إلى النظام المالي الدولي. ومع ذلك، لا يزال لدى صانعي السياسة الأمريكيين العديد من الأسباب لثني بكين عن تطوير نظام مالي عالمي مواز، بما في ذلك حقيقة أن مثل هذا النظام قد يوفر حلولاً بديلة للعقوبات الدولية على المدى الطويل.

ومن ناحية إيران، فلديها العديد من العوامل التي عليها مراعاتها في تقرير كيفية التعامل مع الاتفاق النووي وعزلتها الدولية طويلة الأمد. إلا أنّ أمراً واحداً يبقى واضحاً وهو أنه ليس لدى النظام الحاكم أي احتمال واقعي للاعتماد على نظام المراسلة والمقاصة الروسي أو الصيني للحد بشكل كبير من المشكلات التي واجهها في الوصول إلى النظام المالي الدولي – وبالتأكيد ليس ضمن أي إطار زمني معقول. وبالطبع، يمكن أن تعود هذه القضية إلى الواجهة إذا واصلت الولايات المتحدة وأوروبا تشديد العقوبات رداً على المزيد من التصعيد الروسي.

ستيفن تيرنر هو مستشار مستقل في الشؤون الجغرافية والسياسية يركز على الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط، ولا سيما إيران. وتم إصدار هذا المرصد السياسي تحت عنوان “برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر” حول “منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط” التابع لمعهد واشنطن.

المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى