ستة استحقاقات متتالية ينتظرها لبنان خلال الأشهر المقبلة، تبدأ من الانتخابات النيابية، تليها الانتخابات الرئاسية ومن بعدهما الانتخابات البلدية والاختيارية، إضافة إلى استحقاقي تعيين قائد جديد للجيش اللبناني وحاكم للمصرف المركزي بعد تشكيل حكومة جديدة. ويعول اللبنانيون على تلك الاستحقاقات المتتالية لتشكل منعطفاً في طريق البلاد المثقلة بالأزمات وترسم معالم المرحلة المقبلة.
وحتى اليوم، لا تزال الانتخابات النيابية اللبنانية قائمة في موعدها بتاريخ 15 مايو (أيار) 2022. ولا يكف المسؤولون الغربيون والأمميون عن التأكيد على أهمية إجرائها في موعدها، كذلك المسؤولون اللبنانيون يؤكدون الالتزام بإجراء الاستحقاق الدستوري بموعده على الرغم من الشكوك السائدة.
تخصيص الاعتمادات
وفي السياق، أكد وزير الداخلية بسام المولوي الإصرار على إجراء الانتخابات النيابية بموعدها على الرغم من وجود صعوبات لوجيستية ومادية، مشدداً على السير بكافة التحضيرات، داعياً إلى مشاركة الكثيفة ترشيحاً وانتخاباً.
وفي حديث لـ “اندبندنت عربية”، قال “لا مجال لتأجيل الانتخابات”، مؤكداً أن مجلس الوزراء وافق على تخصيص 360 مليار ليرة (18 مليون دولار) لإجراء الانتخابات النيابية، علماً أن الانتخابات الماضية بلغت كلفتها 54 مليون دولار.
أما في ما يتعلق بتعديلات على قانون الانتخابات قبل أقل من ثلاثة أشهر على موعدها، أكد المولوي أن وزارته تتحضر لإجراء الانتخابات وفق القانون النافذ، موضحاً أنه وفق القانون الحالي، فإن المواد المتعلقة بالميغاسنتر والبطاقة البايومترية مرتبطة بقانون صادر عن المجلس النيابي.
أولويات الحزب
ومع اقتراب موعد الانتخابات، بدأت تتضح معالم المعركة الانتخابية لا سيما على جبهة “حزب الله” وحلفائه، إذ يسعى الحزب ومعه “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر” و”الحزب القومي السوري الاجتماعي” و”تيار المردة”، للحصول على أكثرية نيابية للمرة الثانية على التوالي بعد أن حصل على 73 مقعداً من أصل 128 في انتخابات 2018.
ويؤكد المتابعون أن لوائح “حزب الله” وحلفائه ستكون موحدة في جميع الدوائر الانتخابية، باستثناء دائرة الشمال الثالثة، حيث يبدو أن التقارب صعب بين زعيم “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، على الرغم من المساعي التي بذلها الحزب للمصالحة بين الرجلين، إذ يبدو أن حسابات معركة رئاسة الجمهورية تتداخل مع الانتخابات النيابية.
ويشير المتابعون إلى أن خطة الحزب ترتكز على ثلاث أولويات: أولاً محاولة الحصول على ما يزيد على 64 نائباً والفوز بجميع المقاعد الشيعية الـ27، وتأمين أكبر دعم ممكن لحليفه جبران باسيل للاحتفاظ بالكتلة النيابية الأولى مسيحياً، في ظل تنامي “القوات اللبنانية” الخصم الألد للحزب على الساحة المسيحية.
حلم الوحدة
ويلفت منسق العلاقات السياسية في حزب “الكتلة الوطنية اللبنانية” كميل موراني، إلى أن الاصطفاف السابق بين قوى 8 و14 مارس (آذار) لم يعد موجوداً، في وقت تعتمد الأحزاب على الخطاب الطائفي لاستعادة الجماهير، موضحاً أن تلك القوى وإن اختلفت فيما بينها إلا أنها “سلطة” واحدة تحاول أن تعيد تحصين مواقعها وتجديد شرعيتها عبر الانتخابات.
ورأى أنه كان على قوى “انتفاضة 17 تشرين”، أن تتحد للمشاركة بلوائح موحدة في الدوائر الـ15، معتبراً أن بعض أحزاب المعارضة المتجددة التي أَطلَقَت مساراً تغييرياً مثل “التنظيم الشعبي الناصري” و”الكتائب اللبنانية” والحزب “الشيوعي”، تشكل امتداداً طبيعياً للانتفاضة، ويمكن الخوض معها معركة إسقاط المنظومة الحاكمة.
وأضاف أنه “بعد الانهيار الاقتصادي وتفجير مرفأ بيروت وسطوة حزب الله التي تتعاظم كل يوم على مفاصل إدارات الدولة ومؤسساتها، بات من واجباتنا حماية البلد وهويته وأن نتمكن من تشكيل أكبر كتلة ممكنة لنخوض معها الانتخابات، لا لنسجل موقفاً، بل للفوز بأكبر عدد ممكن من النواب التغييريين والمعارضين، وأن نشكل سداً منيعاً في وجه السلطة، وأن نكون شركاء أساسين لنفرض حلاً للانهيار يكون منحازاً لمصالح الناس خصوصاً الأكثر فقراً والطبقة الوسطى بطبيعة الحال، والتي أصبحت في معظمها فقيرة”.
وكان “حزب الله” نفى الاتهامات الموجهة له بالهيمنة على لبنان، وقال أمين عام الحزب حسن نصر الله، “هذه المزاعم سخيفة”. واستغرب اتهام حزبه بالهيمنة، قائلاً، “هناك قوى أقل من قوتنا بكثير ولها تأثير كبير على الدولة، لا سيما في القضاء”، متسائلاً: “هل نحن حزب يهيمن على لبنان في وقت هو غير قادر على التأثير على تنحية قاض عن ملف معين؟”.
“الاشتراكي” و”القوات”
وفي مقابل اصطفاف حلفاء “حزب الله” على لوائح موحدة، يواجه حلفاء “قوى 14 آذار” شرذمة وصراعات غير مسبوقة، إذ رسخ حزبا “التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية” تحالفهما في الدوائر المشتركة، في وقت أعلن “تيار المستقبل” انسحابه الكامل من المعركة الانتخابية. أما “الكتائب اللبنانية” فتحاول تشكيل لوائحها مع بعض مجموعات الانتفاضة الشعبية على الرغم من إعلان عدد كبير من المجموعات رفض التحالف مع أحزاب تقليدية.
ومن المتوقع أن يخوض “القوات” و”الاشتراكي” الانتخابات على لوائح موحدة في 4 دوائر انتخابية، في وقت تخوضها “القوات” منفردة في 8 دوائر أخرى. ويسعى حزب “القوات اللبنانية” إلى رفع مقاعده في البرلمان من 15 إلى حوالى 20 نائباً وتشكيل ائتلاف نيابي مع حلفاء آخرين، فيما يحاول “الاشتراكي” الاحتفاظ بمقاعده الحالية وهي 9 مقاعد.
انسحاب “المستقبل”
وأشار أمين عام “تيار المستقبل” أحمد الحريري، إلى أن الانتخابات النيابية المقبلة لن تغير شيئاً في الواقع اللبناني الحالي، “في ظل جهنم التي أوصلنا إليها عهد رئيس الجمهورية ميشال عون وسياسات حزب الله”، مؤكداً أن قرار سعد الحريري بتعليق العمل السياسي ينطلق من قراءة نقدية للمرحلة الماضية.
وأوضح أن قرار الحريري يصب في إطار ممارسته باحترام الاستحقاقات الدستورية، فهو إذ أعلن عدم الترشح للانتخابات، لم يدع في المقابل إلى مقاطعتها، لأنه يحترم الاستحقاقات الدستورية، ويرفض أن يضع يده على توجهات وقرارات المواطنين الذين لهم الحق في الاختيار، وتقرير من يريد أن يمثلهم في الندوة البرلمانية المقبلة.
ورأى أن قانون الانتخاب الحالي أعاد تسعير النفس المذهبي في الانتخابات، إذ إن هَم الجميع بات اليوم التسابق على الشعبوية والمذهبية، من أجل الحصول على الأصوات التي تؤمن الحاصل، وليس التسابق على تقديم المشاريع.
غياب القيمين
وعلى الرغم من بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات واقتراب انتهاء مهلة إقفال باب الترشح في 15 مارس، لا تزال الحماوة المعهودة غائبة عن المشهد، الأمر الذي أكده، تقرير إحدى المؤسسات المتعاونة مع منظمة “يونسكو”، أن عملية رصد المحطات التلفزيونية ومن خلال مراقبة نشراتها الإخبارية وبرامجها الحوارية، سجلت نسبة المساحة المخصصة لمتابعة التحضيرات للانتخابات تبعاً لموجبات واستحقاقات الرزنامة الانتخابية 7 في المئة. أما المساحات الأخرى فجاءت بنسبة 92 في المئة للمواضيع الأخرى المتعلقة بالانتخابات من حملات ومواقف ونشاطات وآراء وأرقام وتحاليل تتعلق بالانتخابات.
كما بين الرصد غياب القيمين على العملية الانتخابية كوزارة الداخلية وهيئة الإشراف على الانتخابات عن المشهد الإعلامي. ففي حجم التغطيات، حل ممثلو إدارة العملية الانتخابية آخرين لناحية الظهور الإعلامي ومساحة التغطية، ما يؤشر إلى غياب وزارة الداخلية ومديرية الشؤون السياسية وهيئة الإشراف عن الظهور الإعلامي والتواصل مع الناخبين والمرشحين. في حين حل السياسيون التقليديون أولاً، تليهم فئتا محلل صحافي وخبير في الشأن الانتخابي، ثم المجموعات السياسية الناشئة، فبعض المرشحين ورجال الدين وناشطين عن المجتمع المدني.
وبيّن رصد المحطات أن الأحزاب التقليدية لا تزال تسيطر على المشهد الإعلامي، وتحظى بالحجم الأكبر من التغطيات الإخبارية ومن حجم البرامج الحوارية في هذه المحطات، ما يدعو إلى التساؤل كيف يمكن للأحزاب الناشئة وحركات التغيير أن تعرف بنفسها وأن تطرح رؤيتها للتغيير.
كما أظهر الرصد استمرار الهيمنة الذكورية على المشهدين السياسي والإعلامي، إذ لا تزال حصة المرأة على هذه المحطات هامشية ولا تتعدى نسبة 10 في المئة.
المصدر: اندبندنت عربية