نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً لأنتوني فايولا تساءل فيه عن المدى الذي يمكن للصين المضي فيه ودعم روسيا في الأزمة الحالية مع أوكرانيا.
وقال إن استعراض الصداقة الصينية-الروسية في بيجين كان دافئا بدرجة كافية لأن تذيب نهر سيبريا الجليدي.
وقبل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في بيجين، وهي مناسبة قاطعها الرئيس جوي بايدن وعدد من قادة الدول الغربية، مشى الرئيس الروسي بخفة على سجادة حمراء لكي يصافح يد الرئيس الصيني شي جين بينغ الممدودة له. وتبع ذلك حديث عن علاقة وثيقة “غير مسبوقة” بين القوتين. وكان البيان المشترك الذي صدر في نفس اليوم وجاء في 5.300 كلمة بمثابة أطروحة عن مخاطر التفوق الأمريكي والدعوة لإعادة التفكير في كل شيء من تعريف واشنطن للديمقراطية إلى طريقة رقابة الإنترنت.
كان البيان المشترك الذي جاء في 5.300 كلمة بمثابة أطروحة عن مخاطر التفوق الأمريكي والدعوة لإعادة التفكير في كل شيء من تعريف واشنطن للديمقراطية إلى طريقة رقابة الإنترنت.
ولم يذكر البيان أوكرانيا بالاسم، لكن الحشود العسكرية الروسية على الحدود وتحذير الولايات المتحدة من هجوم محتوم، ولم يفت “لقاء الحب” هذا الشهر المراقبين. وجاء في وقت هدد فيه الغرب بفرض عقوبات قاسية على موسكو لو مضت في خططها وغزت الجارة أوكرانيا. ويقوم بوتين كما أوردت صحيفة “نيويورك تايمز” بزيادة تخزين احتياطي العملة وقطع الميزانية وإعادة تكييف الاقتصاد الروسي بعيدا عن الولايات المتحدة والغرب تحسبا من فرض العقوبات. لكن روسيا لا يمكنها العيش بدون أصدقاء. وتظل الصين هي رهان بوتين الأفضل.
وفي ظل التصعيد المستمر في أوكرانيا، قام البلدان بتوثيق العلاقات القائمة على المصالح الإستراتيجية المشتركة والأعداء أيضا. واقترح بيان الزعيمين المشترك أنه خطة طريقة لمحور الديكتاتوريين يعمل كمواز قوي للغرب الديمقراطي، حتى في الوقت الذي حاولا فيه حرف تعريف الديمقراطية نفسها.
وحاول “بيان بيجين” كما أطلق عليه المعلق ديفيد إغناطيوس تقديم رؤية جديدة تقوم على عالم متعدد الأقطاب وضرورة “إعادة توزيع القوة”. وكتب إغناطيوس “حاول الزعيمان تكييف علامة أمريكا الديمقراطية وجادلا أنها “القيم الإنسانية العامة وليس تميزا لعدة دول” بمعنى أن الديمقراطية تعني أي شيء نقوله”. ولطالما شعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من منظور الشراكة الصينية- الروسية.
وفي رحلته التاريخية إلى بيجين في عام 1971 أرسى هنري كيسنجر القواعد للانفتاح مع الصين ودق إسفينا بينها وبين موسكو. لكن غرام شي- بوتين هو كابوس للولايات المتحدة. والسؤال هو: إلى أي مدى تذهب فيه الشراكة التي جرى تغليفها من جديد وما مدى استعداد الصين لمساعدة روسيا؟ ففي الأسبوع الماضي ناقش مستشار الأمن القومي السابق ستيفن هادلي في محاضرة أمام المجلس الأطلنطي أن الصين التي تعترف بالحكومة الأوكرانية وعقدت معها اتفاقيات تجارية لن تدعم غزوا روسيا. ولكنها “ستلوم الولايات المتحدة وتلوم الغرب على استفزازه وفشلهم في التعامل مع المصالح الروسية الشرعية”.
ونفت الصين التقارير التي اقترحت أن شي طلب من بوتين عدم غزو أوكرانيا أثناء الألعاب الأوليمبية لكي لا يسرق الأضواء منها. ونقلت وكالة أنباء “تاس” الروسية عن البعثة الدبلوماسية الصينية في موسكو قولها إن الجانب الصيني يدعو إلى “حل الخلافات بطرق الحوار والتشاور”. وهناك عدة أسباب تقود للاعتقاد أن هناك محدودية للشراكة الصينية- الروسية، وبخاصة في أحداث تقود إلى عقوبات خطيرة وتترك أثرها الكبير على الشركات الصينية.
ولا يهتم الصينيون كثيرا بالسلوك الديكتاتوري ويتعاملون تجاريا مع أنظمة قبيحة. ولكن الصين بشكل عام تعارض التدخلات الأجنبية وتقدم الأولويات الاقتصادية وغالبا ما تحوط رهاناتها. وكتب دانيال شاتس محلل الشؤون الدفاعية والباحث في بيتر سينغر في “ديفنس وان” أن الإعلام الصيني الذي يتعرض لرقابة شديدة وبيانات الحكومة تظهر “ميولا لقبول التأطير الروسي” للموضوع الأوكراني. ونشرت صحيفة جيش التحرير الشعبي اليومية وكذلك صحف الدولة مقالات صورت فيها الولايات المتحدة والناتو بالطرف “المستفز” في “حرب مهجنة” ضد روسيا وبيدقها أوكرانيا. غير أن الكاتبين يريان أن الدعم الإعلامي والخطاب المؤيد “لم يترجم إلى دعم جوهري للأفعال الروسية”. ولاحظا أن “البيانات الرسمية من الحكومة الصينية أكدت بشكل متكرر على الحياد وموقف عدم التدخل، وهو نفس الموقف الذي اتخذته عند ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014”. وأكد هذا الموقف على أولوية منافذ الصين للأسواق الغربية.
وفي الشهر الماضي لاحظت مجلة “إيكونوميست” أن “الصين انتقدت العقوبات الأمريكية والأوروبية التي فرضت على المسؤولين الروس والبنوك الروسية والشركات بعد 2014” و “لكن بشكل عام لم تحاول الشركات والبنوك الصينية خرقها، حيث قدمت المنافذ على الأسواق الغربية والأنظمة المالية أولا”.
لكن المواجهة الحالية بين روسيا والغرب كما اقترح البيان الطويل هي مختلفة. فالعلاقات الصينية- الروسية سمحت لموسكو بنشر قواتها من الحدود الصينية قرب أوكرانيا، وذلك حسب بوني غلاسر، مديرة برنامج آسيا في صندوق مارسال الألماني. واقترحت في “فورين بوليسي” أن الصين التي تركز هذه المرة على عدة موضوعات تتعلق بعلاقتها مع الولايات المتحدة، بما في ذلك مصير تايوان، قد تكون مستعدة لتحمل ثمن كسر أي محاولة غربية لعزل روسيا، بما في ذلك ماليا. وقالت “في السياق الإستراتيجي الأوسع حيث ترى بيجين نفسها في منافسة شديدة مع الولايات المتحدة فإن تعزيز العلاقات مع روسيا الآن يستحق الثمن في العلاقة مع بعض قادة أوروبا الغاضبين وثمن متوسط للعلاقة مع أوكرانيا”.
ونقل موقع “بلومبيرغ نيوز” عن ثلاثة مسؤولين قولهم إن الصين تنظر لتعامل إدارة بايدن مع الأزمة الأوكرانية كفحص لردها حالة غزت تايوان. فموقف الحرب هناك في تصاعد مستمر، ففي الشهر الماضي حاولت الطائرات التايوانية تحذير الصين من 39 توغلا في مجالها الجوي وبيوم واحد، وهو أعلى رقم منذ تشرين الأول/أكتوبر.
المصدر: “القدس العربي”