يشهد العالم في الآونة الأخيرة تحولاً بارزاً نحو أدوار شركاء التنمية في أي مجتمع، فلم تعد الحكومات هي المسؤولة الوحيدة بل هناك أيضا مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المحلية.
ورغم أن وضع اللاجئين السوريين في الأردن في السنوات الأولى كان أكثر سوءاً، إلا أن المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية كانت تمارس نشاطها وعملها بشكل أوسع وأكثر تنظيما مقارنة بسنوات اللجوء الأخيرة، بحسب مواقع وصفحات إخبارية أردنية.
أحد المديرين السابقين لأهم المنظمات المختصة بشؤون السوريين في الأردن عبر لموقع تلفزيون سوريا عن الحالة طالبا عدم ذكر اسمه:”تعددت أسباب ما وصلت إليه الجمعيات من تراجع في نشاطها وعلى رأسها التراجع الكبير في التمويل بعد التحول من حالة الاستجابة الطارئة إلى حالة الاستدامة، وبالتالي وصل الجو العام إلى مرحلة الملل في ما يخص توزيع المساعدات، بالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بالتراخيص، ومغادرة العديد من الناشطين في الأردن وهذا أثر سلبا “، مضيفا: “فالناشطون أرادوا البحث عن حياتهم الخاصة وتأمين لقمة عيشهم بعد طول المدة فتراجعت الهمة لذلك هناك فرق كبير بين نشاط الأفراد والجمعيات ما بين السابق والآن”.
التراجع لا يقتصر على الجانب المالي
يتابع مدير المنظمة السابق حديثه “الضعف في المنظمات سبَب تراجعا في حملات التوعية والتعليم إذ قل عدد المنظمات بعد نقص التمويل وبالتالي تراجعت حملات التوعية واقتصرت على نشاط المنظمات الدولية وهكذا انحصرت حملات التوعية داخل المنظمات الدولية التي تحوي عددا كبيرا من الأردنيين ضمنها، الموضوع التعليمي مهم جدا اليوم فأنا أرى أن لا أحد بحاجة إلى بطانية اليوم بعد رحلة 10 سنوات من الحرب واللجوء وأصبح الموضوع التوعوي والتعليمي أهم بعد تحولها من الاستجابة الطارئة لكن التغطية ليست كبيرة”.
عبد الله حمدان، الأردني الجنسية والذي يعمل في جمعية إغاثية مختصة بالسوريين يقول لـ موقع تلفزيون سوريا: “إن هذا التراجع لم يقتصر على عمل المنظمات، بل امتد ليشمل كل النشاطات المتعلقة بالثورة السورية، فكانت الجالية السورية هنا تهتم بشكل أكبر في قضايا السوريين وكان لديهم حراكات شعبية أمام السفارات بعد كل مؤتمر أو قرار سياسي يهدد السوريين، لكن اليوم وصل الحال بالأخوة السوريين إلى مرحلة اليأس والاستسلام وأصبح السوري هنا يبحث عن استقراره أكثر من مطالباته في العودة بحكم التغيرات التي تشير إلى بقاء النظام”.
أحمد اللحام، أحد المسؤلين في مبادرة “العون السوري” يرى أن المنظمات فقدت الثقة من الجمعيات وغابت المصداقية بسبب الاحتيال، فالجمعية مثلا تغير المشروع بعد وصول الدعم من المنظمات فقد تسجل تكاليف دورة استمرت 5 أيام على أنها 15 يوما وبعد توسع هذا الفساد المالي فقدت الجهات الداعمة الثقة بالجمعيات بحسب قوله، مضيفا: “فقدان الثقة سبب تقصيرا كبيرا في حملات التعليم والتوعية وحملات الدمج الاجتماعي فتراجع هذا النوع من النشاط بشكل كبير لتصبح مدة الدورة 4 أو 5 أيام بعد أن كانت أسبوعين سابقا”.
ويتابع اللحام “لا أريد ذكر اسم منظمات لكن هناك حالات كثيرة وواضحة في التقصير، وحالات من الاحتيال خلف الستار في الفترة الأخيرة”، ويضيف “مع أيام ذروة نشاط الجمعيات لم يكن السوريون أصحاب قرار للتحدث باسم اللاجئ السوري أما الآن بعد نقص الدعم أصبح السوري صاحب قرار وله رأي واستطاع صناعة مبادرات وأنشطة خاصة أكثر من منظمات ضخمة عبر مجموعة من الشباب مثل العون السوري التي نعمل من ضمنها مع مجموعة من الشباب والشابات للسعي بتقديم فرص العمل والتدريب والمنح الدراسية دون أن نملك علاقة بأي منظمة أو تمويل”.
الاستدامة وتأثيراتها السلبية
أكدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن وجود تراجع كبير في حجم المساعدات الدولية المقدمة للاجئين عموما، والسوريين خصوصا، ما سيؤثر على وضعهم المعيشي وزيادة معاناتهم، ومع مرور الوقت بدأت نسبة تمويل خطة الاستجابة تتراجع بشكل كبير إلى أن وصلت إلى أدناها هذا العام.
هدى محمد، والتي كانت تعمل في مجال التوعية والتعليم ضمن إحدى المنظمات في عمان تقول لـ موقع تلفزيون سوريا: “الكل أدرك النهاية والمجتمع الدولي بات يعرف تماما أن الحرب انتهت والأسد باق وهذا أبرز سبب دعا إلى تراجع الهمم والأنشطة على جميع الأصعدة، فالكل أيقن أن الثورة السورية انتهت وبالتالي تراجعت نشاطاتها تدريجيا, وطول المدة الزمنية أدخل الملل في قلوب الناس وأعتقد أن الجهات المانحة والممولة رأت النهاية حتمية وأن الواقع المطروح أمامها حاليا هو بقاء الأسد، بالإضافة إلى فقدان الثقة بعد انتشار بعض حالات الفساد المالي”.
وتتابع “كما أن نقص التمويل يسبب ضعفا في زيادة المشاريع، وأن بعض الدول طالبت بعودة اللاجئين بعد انقطاع الدعم وعدم توافره.. بدأت الدول تبحث عن حل لعودة اللاجئين السوريين وهذا ما يسبب ضغطا زائدا على تلك الدول فمنظمات التعليم مثلا أصبحت تتجه بعيدا عن اللاجئين السوريين وتنفيذ مشاريعها في دول أخرى خاصة بعد الضغوطات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا كما أن الهجرة ازدادت في العام الأخير من دول الجوار باتجاه أوربا وكندا عن طريق السفارات أو المفوضية”.
أحمد ياسين الذي كان أحد كوادر منظمة غصن زيتون سابقا في العاصمة عمان، خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، اعتبر أن السبب الأول في تراجع عمل المنظمات هو طول أمد أزمة اللجوء السوري بما يزيد عن عشر سنوات، وانشغال المنظمات بمشكلات المجتمع المحلي المضيف كالفئات الأقل حظاً والأحياء الفقيرة والبطالة وقلة فرص العمل واندماج كثير من العائلات بالمجتمع المضيف، بحسب قوله.
تقول ربا أحمد ( اسم مستعار) إحدى العاملات في عدة منظمات لعدة سنوات لـ موقع تلفزيون سوريا :”أن السبب الرئسيي في هذا التراجع هو توجيه نظر المنظمات للداخل السوري وأن عمل المنظمات أقل بكثير من تحقيق هدف جمع التبرعات فالمنظمات في الأردن أصبحت منبرا للحصول على الدعم المسلوب مسبقا من اللاجئين، كما أن قلة الدعم وابتعاد الداعمين عن تقديم الدعم لبلدان أكثر تضررا غير الأردن والتوجه نحو الداخل السوري فبعد أن توجهت المنظمات لمشاريع الاستدامة أثرت بشكل كبير في تحقيق المطلوب”.
إن نحو 79% من اللاجئين السوريين في الأردن هبطوا تحت خط الفقر، وأصبحت 60% من الأسر تعيش في فقر مدقع. وقد زادت تلك الأرقام بسبب جائحة كورونا.
تأثيرات الجائحة
يضيف ياسين :”تراجع عمل المنظمات منذ أكثر من سنتين، مع انتشار كورونا، رغم حاجة الناس في هذا الوقت للمنظمات أكثر من أي وقت سابق، أتوقع هناك تقصير بخصوص الجهود المبذولة رغم وجود برامج توعية وتعليم أكتر من أي نوع آخر من المساعدات حتى على مستوى المنح التعليمية”.
يشتكي العاملون في قطاع العمل الخيري في الأردن من ضعف الموارد إثر أزمة فيروس كورونا، وما ترتب عليها من تراجع الحالة الاقتصادية في البلاد، وبحسب مراقبين؛ فقد تراجع عمل المنظمات والجمعيات الخيرية خلال ذروة أزمة كورونا في البلاد، وتوجهت العديد من الشركات والبنوك والمصانع ورؤوس الأموال إلى تقديم تبرعاتهم لصندوق “همة وطن” الذي أعلنت الحكومة عن تأسيسه، بهدف دعم مجهودها لمكافحة أزمة كورونا، ما ساهم أيضا في إضعاف قطاع العمل الخيري، كما ورد في الدراسات الحديثة فإن 79% من السوريين في الأردن يعيشون تحت خط الفقر، أي بأقل من 3 دولارات في اليوم الواحد.
عمل الأردن للاستجابة للحاجات الإنسانية والتنموية للاجئين السوريين انطلاقًا من مبادئه الإنسانية والتزاماته الدولية، ولكن أزمة كورونا التي ما يزال الأردن والعالم يعاني منها، قد وضعت ميزانية الدولة والاقتصاد الأردني في ظروف صعبة جدًا مع ازدياد نسب البطالة والفقر وتراجع النمو الاقتصاد.
وسائل التواصل والتبرعات
وخلال حديثنا مع المدير السابق لأحد المنظمات حول ما يتعلق بالمساعدات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي يقول: “أرى أن هذا النوع من المساعدات بعد تحوله إلى تريند ساهم بتحول تلك المساعدات إلى الداخل والسوري وإلى المخيمات وصراحة هم الأحق في الوقت الحالي”.
أما اللحام الذي يعمل ضمن فريق مبادرة العون السوري اعتبر ذلك تقصيرا من المنظمات فيقول “لجوء المنظمات باتجاه منصات التواصل الاجتماعي، تقصير من المنظمة نفسها لأن البديل الأفضل هو البحث عن الشركات والجهات الداعمة والتفرغ للأعمال الإنسانية على الأرض”.
بينما ترى هدى محمد، أن هناك جهة أو اثنتين تمكنوا من الحصول على ثقة الشارع المهتم، لكن بالعموم كثير من الناس فقدت الثقة بعمل المنظمات، لتصبح التبرعات بعدها عن طريق الأقارب والمعارف، بحسب قولها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا