الضجيج الإعلامي الغربي حول حرب قريبة بين روسيا وأوكرانيا، بل تحديد مواعيد لها خلال الشهر الجاري، لايعكس حقيقة الواقع على الأرض. على الأقل هذا ما يكرره المسؤولون الروس والإعلام الروسي منذ أسابيع، وتؤكده مصادر “المدن” في موسكو وثيقة الصلة بالمسؤولين في الخارجية الروسية. وعلى الرغم من تأكيدات كييف أيضاً بأن لا حرب وشيكة مع روسيا، إلا أن شحنات الأسلحة الغربية تستمر في التدفق على أوكرانيا، بل وطالب رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن سلطات ألمانيا بتزويد أوكرانيا بالأسلحة، حسب راديو Sputnik. لكن تصريحات كييف وتأكيدات المسؤولين الروس بأن لا حرب وشيكة مع روسيا، لا تقنع الولايات المتحدة وأوروبا بعدم إقدام بوتين على إجتياح أوكرانيا واحتلال العاصمة كييف خلال 72 ساعة فقط. وتقول مصادر”المدن” في موسكو بأن لا مجال للمقارنة بين القوتين العسكريتين الروسية والأوكرانية، فروسيا تحشد على الحدود مع أوكرانيا أكثر من 130 ألف عسكري مزودين بأحدث الأسلحة والطائرات الحربية، في حين لا تشكل القوة العسكرية الأوكرانية أكثر من 10% من القوة الروسية، وطيرانها العسكري بقي على حاله منذ العهد السوفياتي، ولم يعرف التجديد منذ اكثر من 30 عاماً.
وضع أوكرانيا العسكري هذا يضطرها لطلب تزويدها بالسلاح من جميع المصادر المتاحة، بما فيها من إسرائيل التي تربطها علاقات صداقة وثيقة معها. لكن الخشية من إثارة الغضب الروسي جعل إسرائيل ترفض الطلب الأوكراني، وهي التي تشكل مبيعات السلاح لأكثر من 130 دولة في العالم أحد المصادر الأساسية لدخلها.
صحيفة NG الروسية نشرت في 3 من الشهر الجاري نصاً بعنوان “أوكرانيا تلجأ إلى إسرائيل طلباً للمساعدة العسكرية”، وأرفقته بآخر ثانوي “كييف تبحث في الشرق الأوسط عن وسائل دفاع جوي حديثة”. تقول الصحيفة بأن وزير الخارجية الأوكراني هو الذي أعلن عن هذا الطلب، وهي ليست المرة الأولى التي تبدي فيها كييف إهتمامها في الحصول على أنظمة “القبة الحديدية” المضادة للطيران والصواريخ التي يتسلح بها الجيش الإسرائيلي. ومن المعروف أن إمدادات التقنيات العسكرية من هذا النوع تعيقها إتفاقات الجنتلمان بين روسيا وإسرائيل.
وتنقل الصحيفة عن وزير الخارجية الأوكراني قوله بأن العلاقات بين أوكرانيا وإسرائيل هي “علاقات رفيعة المستوى”، وتصريحه بأن أوكرانيا مهتمة “بتعميق التعاون مع الدولة اليهودية” في حقول الدفاعات المضادة للصواريخ والأمن السيبراني، خاصة على خلفية التناقضات المتصاعدة مع الكرملين. كما تنقل عنه ترحيبه بمحاولة إسرائيل لعب دور دبلوماسي بين أوكرانيا وروسيا. وتشير إلى أن الموقع الإخباري الإسرائيلي “كان” يقول بأن جارة روسيا (أوكرانيا) عبرت في السنوات الأخيرة عن إستعدادها لحيازة “القبة الحديدية”، إلا أن إسرائيل تسير دائماً على حبل مشدود في ما يتعلق بالعلاقات الروسية الأوكرانية.
وتقول الصحيفة أن الموقف الإسرائيلي هذا من العلاقات الأوكرانية الروسية عبر عنه منذ أيام وزير الخارجية الإسرائيلي في مقابلة مع Axios، حيث قال “يجب علينا أن نتصرف بحذر حيال الأزمة الروسية الأوكرانية”، لأن ثالث أكبر جالية يهودية تعيش في روسيا والجالية الخامسة من حيث الحجم تعيش في أوكرانيا (الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي من عائلة يهودية). وأضاف الوزير الإسرائيلي بأنه لا يرى بأن صراعاً عسكرياً سيقع بين الدولتين في الفترة القريبة، كما لا يرى بأن “الحرب العالمية الثالثة على الأبواب”. وعلى خلفية كلام الوزير الإسرائيلي يقول موقع Axios بأن إدارة الرئيس الأميركي بايدن طلبت من إسرائيل توجيه إشارة إلى روسيا “بضرورة خفض التوتر”.
وتنقل الصحيفة عن سفير أوكراني سابق في إسرائيل قوله في رسالة مفتوحة، نشرها في حينه في صحيفة هآرتس، بأن إسرائيل لم تورد سلاحاً متطوراً لأوكرانيا منذ العام 2014، حين نشبت الأزمة شرق أوكرانيا. وتقول بأن التأكيد على وجود عقبات بوجه توريد السلاح إلى كييف أكدها منذ سنتين محيطون برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، حيث أشاروا إلى إتفاقات غير معلنة بين روسيا وإسرائيل. وتشترط هذه الإتفاقات أن تلتزم موسكو بمطالب إسرائيل عدم بيع طهران أنواعاً معينة من الأسلحة، مقابل أن تراعي إسرائيل مصالح موسكو في الفضاء السوفياتي السابق.
وتقول الصحيفة أن أوكرانيا تقوم بخطوات لتعزيز الثقة مع إسرائيل، وتنقل عن السفير الأوكراني الحالي في إسرائيل قوله آخر السنة الماضية بأن أوكرانيا على إستعداد ليس فقط لتعزيز وجودها الدبلوماسي في القدس، بل والإعتراف بها خلال أشهر عاصمة لإسرائيل.
وتنقل الصحيفة عن ضابط إسرائيلي سابق قوله بأن التعاون العسكري بين إسرائيل وأوكرانيا كان موجوداً بالفعل حتى العام 2014، لكن إسرائيل فضلت بعدها الوقوف على الحياد للحفاظ على صداقتها مع الجانبين. غير أن الصداقة مع روسيا أهم لإسرائيل بما لايقاس من صداقتها مع أوكرانيا، وذلك لوجود قوات روسية في سوريا وجالية يهودية كبيرة في روسيا، ولكون روسيا عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي بوسعها التأثير على عمليات كثيرة في الشرق الأوسط. وليس من فرصة لأوكرانيا بتلبية طلباتها، السرية والعلنية، من الأسلحة الإسرائيلية طالما بقيت الأزمة مع روسيا مستمرة.
ولطمأنة روسيا اكثر خشية من إثارة غضبها، حظرت إسرائيل الدول التي تشتري سلاحاُ منهاً إعادة تصديره إلى أوكرانيا، خاصة دول البلطيق الثلاث القريبة منها. فقد نقلت صحيفة RBK في 5 من الشهر الجاري عن موقع Breaking Defense الأميركي قوله بأن إسرائيل حظرت على دول البلطيق توريد سلاح من صنعها إلى أوكرانيا، أو تسليمه لها عبر دولة ثالثة. وكانت أوكرانيا تنوي الحصول على انظمة مضادة للدبابات من صنع إسرائيل.
موقع روسي آخر ruposters نقل عن الموقع الأميركي عينه قوله بأن الحكومة الإسرائيلية بعثت برسالة إلى دول البلطيق تعبر فيها عن رفض مبدئي السماح بنقل أسلحة إسرائيلية إلى أوكرانيا. وسبق لدول البلطيق أن وجهت سابقاً لدول أخرى طلبات بالسماح لها بنقل أسلحة من صنعها إلى دول ثالثة. لكنها لم تتوجه هذه المرة إلى إسرائيل بطلب مماثل، بل بادرت إسرائيل هي نفسها لتوجيه رسالة إلى هذه الدول تحسباً لإقدامها على نقل سلاح إلى أوكرانيا.
موقع focusالأوكراني نشر النبأ عينه تحت عنوان آخر ” من أجل طمأنة روسيا، حظرت إسرائيل دول البلطيق من تسليم أوكرانيا سلاح من صنعها”.
موقع راديو Sputnik نشر في 4 من الشهر الجاري نبأ إستدعاء الخارجية الإسرائيلية للسفير الأوكراني في إسرائيل بسبب تصريح تناول فيه وزير الخارجية الإسرائيلي، وأعاب عليه تسمية ما يجري في الدونباس “صراعاً” وليس “حرباً”. واتهم الوزير بأنه يردد البروباغندا الروسية ويتجاهل ما يقوله “أقوى حلفائه” عن خطط روسيا لغزو أوكرانيا.
المصدر: المدن