قد يبدو السؤال ساذجًا أول وهلة، ولكن عند النظر بعمق إلى واقع سورية، يصبح السؤال مشروعًا. سورية الآن بعضها تحت حكم النظام الاستبدادي ممثلة في بشار الأسد وبنيته العسكرية والأمنية والطائفية والاقتصادية، التي استحوذت على خيرات ما تبقى من سورية التي يسيطر عليها النظام، يقول البعض انها سورية المفيدة، نعم… هي المدن الاساسية و أغلب ماتبقى من الشعب السوري الذي شرد حوالي نصفه أي ما يزيد عن العشرة ملايين إنسان داخلا وخارجا، وذلك في بنية تحتية منهارة وعلى أنقاض مدن مدمرة، وفي غياب العصب الاقتصادي التنموي، النفط والمنطقة الزراعية الاساسية في الشرق والشمال السوري، وهذه خارج سيطرة نظام الأسد، العملة السورية منهارة وواقع الشعب السوري في الداخل يسير من سيء لأسوأ، خاصة أن إيران الداعم العسكري والمالي للنظام قد جفّ دعمه للنظام بعد أن بدأت أمريكا وحلفاؤها حربا اقتصادية قد تطيح بـ السلطة الاستبدادية الدينية في ايران.
المهم الأسد ونظامه المتهالك يحكم جزء من سورية ووضعها الحياتي ينهار، دليلنا الأصوات المرتفعة من حاضنة النظام، كلهم يصرخ: الحياة لم تعد تطاق ولم تعد ممكنة. سورية هذه التي يحكمها نظام الأسد الاستبدادي في الظاهر، نعلم أنه ليس الحاكم الفعلي لها فهناك إيران بحضورها العسكري الفعلي عبر حزب الله اللبناني والفصائل الشيعية المرتزقة من العراق وإيران وافغانستان، هذا غير الدعم المالي والاقتصادي الدائم، هذا الحضور بالقوة والإمكانات المادية جعل إيران حاكما موازية لنظام الأسد في سورية.
وهناك روسيا الدولة التي عدلت الميزان العسكري وأنقذت نظام الأسد من السقوط اعتبارا من ٢٠١٥ وماقبل، الحاضرة مالياً واقتصادياً وفي المحافل الدولية مانعة أي قرار دولي يؤدي لسقوط نظام الأسد، روسيا ايضاً تحكم بالتوازي مع نظام الأسد في سورية، تحكم وتفرض إرادتها في ثلاثي حكم سورية: نظام الأسد وروسيا وإيران، ظهر هذا في كل التطورات الميدانية السورية، وفي متابعة الملفات السياسية، حيث أصبحت روسيا وإيران ممثلي النظام في متابعات ما سمي المسار السياسي للقضية السورية في سوتشي وغيرها بالإضافة لتركيا. وأن أردنا أن نسمي الحالة في سورية نظام الأسد فهي تحت الاحتلال الروسي والإيراني العسكري المباشر ومصادرة قراراتها السياسية لما يراه هذان النظامان، بالتوافق أو الاختلاف مع نظام الأسد، الذي أصبح بعد إجرامه بحق الشعب السوري، مجرد غطاء (شرعي) لهذه الاحتلالات.
.في سورية ايضا بقايا الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش في مناطق دير الزور وشرقها، بعد أن كانت قد أخذت أكثر من مساحة ثلث سورية في وقت سابق.
.في سورية أيضا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري وهو جناح حزب العمال الكردستاني في سورية والذي يسيطر على شرق وشمال شرق سورية، برعاية أمريكية كاملة. وهو يسيطر على ما يزيد عن ثلث مساحة سورية الأخصب زراعيا وعلى النفط السوري. وهو مشروع انفصالي يدعي انه يمثل مصلحة الاكراد وأنه يعمل لبناء دولة كردية في سورية ومن ثم تتوحد مع مثيلاتها في العراق وتركيا وايران، لذلك تعتبره تركيا وإيران تهديدا قوميا ويجب محاربته، وهذه نقطة خلاف أمريكية تركية استراتيجية كبيرة.
.في سورية ايضا مناطق تحت سيطرة الجيش الحر شمالي سورية، يتواجد فيها الأتراك عسكريا بشكل رمزي، ينسق السياسيين والجيش الحر مع الأتراك في كل شيء.
.في سورية ايضا منطقة مدينة إدلب وريفها وبعض ريف حماه وحلب، بمساحة كبيرة يسيطر على بعضها الجيش الحر وعلى اغلبها هيئة تحرير الشام النصرة سابقا، التي صنفت دوليا على أنها من القاعدة وإرهاب.
.تضاف أمريكا إلى حكام سورية بالمباشر عبر تواجد عسكري يقال انه سينسحب قريباً، وعبر دعم قوات الأكراد (قوات سورية الديمقراطية، ال ب ك ك ، ال ب ي د)، وكذلك (اسرائيل) بشكل غير مباشر عبر دعمها لبعض الأطراف ودعم استمرار الحرب والصراع في سورية.
هؤلاء كلهم موجودون حكام فعليين على جغرافيا سورية وشعبها، وكلهم مضبوطين بمعادلتين:
الأولى: أن واقع التواجد على الأرض محكوم بتوازنات القوى و التغيرات وتبدل التحالفات، والمواقف الدولية التي لم تحسم بعد. قد تزول بعض القوى الحاكمة في سورية وقد تتولد قوى جديدة، الحالة في سورية محكومة بسيولة مستمرة.
الثانية: أن ما يحصل في سورية أصبح بعيداً كثيراً عن أصل الحراك الشعبي السوري الذي ثار ضد النظام المستبد القمعي، والذي قدم أكثر من مليون شهيد ومثلهم مصابين ومعاقين وملايين المشردين وأكثر من نصف سوريا مدمر، والذي تحرك لتحقيق الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية وحياته الأفضل… لقد وجد الشعب السوري نفسه بعيدا عن مطالبه، وأنه ضحية النظام الاستبدادي المجرم والاحتلالات المتعددة وأن جرحه يزداد عمقا ومطالبه تزداد بعدا و إلحاحا .هذه سورية الآن.