قراءة في رواية : الحرب

أحمد العربي

معبد الحسون كاتب سوري له العديد من الروايات والكتب ، قرأت أغلبها وكتبت عنها.

ينتمي للثورة السورية، يحاول من خلال كتبه ورواياته أن يوثّق للثورة السورية والظروف السابقة عليها وتداعياتها بعد ذلك. خاصة في مدينته الرقة.

الحرب رواية تعتمد أسلوب السرد على لسان الراوي ليخبرنا عن الأحداث التي طالت حارة الصفيح المشيدة على أرض خلاء يُجمع بها القمامة. بدأت حارة الصفيح بالتشكل مع قدوم دحام إليها وبناء كوخه الصفيحي الصغير، كان هو وزوجته، التي أنجبت له ابنه عبدو، ثم ومع مرور الزمن طلقته، اخذت الطفل لبعض الوقت واعادته لأكثر من مرة، تتبناه امرأة عانس سكنت بجوار دحام.

مع دحام بدأت تتشكل حارة الصفيح وتتوسع بمجيء أناس جدد، يبنون أكواخهم الصفيحية ويسكنون متجاورين صانعي حارة كبرت مع الزمن.

بعد تشكل الحارة حضر أحدهم ادّعى ملكية الأرض وبدأ يأخذ اثمانها من القاطنين الجدد. وبعد ذلك حضر مأمور الضرائب ليأخذ من دحام وغيره ضريبة الماء والكهرباء والطرق والنظافة، رغم غياب كل تلك الخدمات، خاصة أول الأمر.

كل الذين جاؤوا الى الحارة وسكنوا فيها من قاع المجتمع. العامل والسكّير والقبضاي و الحميماتي و الساحر والمنجم والنور القرباط. كلهم يعمل جهده ليؤمن قوت يومه.

كان من سكان الحارة زيدان الذي سيصبح صديق دحام ويخبره عن قصته بأنه معتقل سابق لسنوات في سجون النظام.

لا نعلم عن النظام أي شيء إلا أنه يرسل من يجبي الضرائب، وأن هناك من اعتقل وذاق ويلات ذلك الاعتقال، كما سيظهر لاحقا رجال الامن الذين يعتقلون الناس ويعذبونهم ويستغلونهم ولا يردعهم رادع.

عقول أهل الحارة موغلة في التسليم والغيبية والإيمان بالسحر والشعوذة، حتى رجال الدين فيها لا يتجاوزون دورهم كموظفين يتحدثون عن الدين دون وعي ودراية، انهم موظفين متعيشين بكونهم أئمة جوامع وخطباء فيها، متفاهمين مع الأمن أو مخبرين عنده.

أشيع داخل الحارة أن هناك حربا قادمة بعد مشاهدة احدهم لمنام غريب، وتفسيره من المنجمين والسحرة. وأصبحت الحارة كلها تنتظر هذه الحرب القادمة التي لن تبقي ولا تذر.

تحدث الراوي عن بداية التظاهر دون مقدمات أو مبررات مباشرة لكنها سوف تحصل، لسان حال حارة الصفيح ان البعض معها والبعض ضدها، لكنها ستكون مقدمة للحرب التي تحدثوا عنها وانتظروا قدومها.

لم يصمت النظام عن هذه المظاهرات، فاعتمد العنف، استعمل جميع انواع الاسلحة. القصف بالمدفعية والصواريخ والطيران المواد الكيماوية السامة، بدأ الضحايا بالسقوط و بالتزايد بكثافة، وبدأ الأهالي بالهروب بما خف من متاعهم. سقط الكثير من القتلى، دمرت المدينة، هرب أغلب الناس، وبقيت البلدة “الرقة” شبه خاوية.

اعتمد النظام على ادعاء أن القتل والتدمير من فعل الإرهاب. وأن هناك مؤامرة تطال البلاد ورائها الاستعمار والصهيونية، وان النظام أباح لنفسه فعل ما فعل ضد هؤلاء الإرهابيين.

تدخلت كل القوى الدولية والإقليمية في البلاد ينطلقون من مصالحهم الخاصة، وعندما دخلوا ادعوا انهم يواجهون الإرهاب الذي سمي وقتها القاعدة وداعش. وصمتوا عن النظام وفعله.

صمتوا عن توالد داعش الارهابية وعملها ضد السوريين بدل أن تحارب النظام. كيف قتلت الناس ونكلت بهم، وشوهت الإسلام وتصرفت بطريقة تمنع التعاطف مع مظلومية الشعب السوري، وتسكت عن النظام. وتشوه الإسلام وتسيء اليه.

تناوب على المدينة “الرقة” التي نعتقد ضمنا انها هي رمزا ونموذجا عن كل سورية، قصفا وتدميرا وقتلا لاهلها وتهجيرهم.

النظام الذي تبخر وداعش التي حضرت، وتصرفت وفق مصلحة النظام، وإن لم تصرح بذلك. الغرب الذي سكت عن النظام وهاجم إرهاب داعش.

لقد انتهت البلاد إلى خراب وخواء. بعض الناس مات والبعض أصيب ونقل لمشافي تركيا، والبعض هرب لتركيا والبعض هرب إلى أبعد من ذلك دول أوروبا. طبعا الذين لم يموتوا برصاص الجنود على الحدود أو بقصف براميل النظام او قتلا وذبحا على يد داعش أو غرقا في البحر وهم يتوجهون الى اوروبا راكبين زوارق الموت.

لكن القليل النادر ممن لم بهبوا ومنهم دحام بعد ان هدأت الأمور قليلا وعادت البلاد خاوية ومدمرة. عاد إلى الأرض الخواء ليبني بيتا من الصفيح فوق الخراب. ليحضر ممثل الدولة من جديد ليأخذ الضرائب ولتعود الحياة الى ما كانت عليه وكأن شيئا لم يكن؟!.

تنتهي الرواية ودحام يبدأ ببناء بيته الصفيحي من جديد بعد أن سكنت الحرب ولم تنتهي.

في التعقيب عليها نقول:

أننا أمام عمل روائي ينطق بشيء ويضمر شيء. ظاهرة يتحدث عن أناس من قاع المجتمع يعيشون الفقر والجهل والفاقة. عقلية التخلف وسلوكياته الاسطورية والغير علمية تسيطر عليهم. لكنهم بشر يحلمون ويأملون. وعندما جاءت الثورة كانوا وقودها. لأنهم مظلومون، والمظلومون هم دائما وقود الثورات. وعندما حارب النظام الشعب، وصمهم بالإرهاب وبرر قتلهم وتشريدهم . ثم حضر العالم كله ليحارب بعض المظلومين الذين دخلوا في لعبة الدول الكبرى وأصبحوا

داعش. ليغطوا عن جرائم النظام، يصمتوا عنه، ويعيدوا شرعيته. ويقتلوا الثورة والثوار والشعب الحاضن للثورة. وجعلوهم عبرة لأنفسهم ولغيرهم ودرسا للتاريخ يقرأه القادمون:

ممنوع أن تثوروا على حكّامكم الطغاة وإلّا كان مصيركم القتل والتشريد وتدمير بلادكم…

الحل ان تقبلوا واقعكم و تتعايشوا مع الظلم والقهر والاستعباد…

وتصبح أحلام الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل …مجرد اضغاث احلام…

هكذا يريدون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى