بدأت حكومة النظام السوري تطبيق قرار رفع الدعم الحكومي عن مئات آلاف السوريين، الثلاثاء، من دون إعلان رسمي، ما أثار استياء واسعاً بين المعلقين في مواقع التواصل، حيث شارك سوريون قصصهم مع الاستبعاد من الدعم الذي كانت الدولة السورية بمفهومها البعثي الأسدي، تقدمه منذ عقود.
وكانت الكوميديا حاضرة بسبب التبريرات غير المنطقية التي تم تقديمها لبعض المستبعدين من الدعم. على سبيل المثال، نشرت الصحافية الموالية، لينا ديوب، قصة “جارها في مصياف” الذي استبعد من الدعم بحجة أنه “مسافر خارج البلد” رغم أنه لا يمتلك جواز سفر أصلاً. وتحدثت أيضاً عن زميلة لها في التلفزيون السوري، تم استبعادها بحجة سفر والدها خارج البلاد رغم أن والدها متوفى منذ 17 عاماً.
وطالب الإعلامي رضا الباشا، مراسل قناة “الميادين” سابقاً، بتدارك الأخطاء الظاهرة في رفع الدعم بخطوة سريعة يجب تطبيقها فوراً، تقضي “بالتراجع عن هذا التطبيق الخاطئ لآلية رفع الدعم وان لم يكن التراجع كاملاً، اقلها دعم مادة الخبز، فإلى حين تصحيح الاخطاء، سنكون أمام بيوت عاجزة عن شراء خبز يومها”، حسب تعبيرها.
وفيما قال البعض ساخرين أنهم ناموا واستيقظوا ليجدوا أنفسهم من “النبلاء” ما يستدعي استبعادهم من الدعم، فإن آخرين قالوا أن الحكومة تنتهك الدستور بتخليها عن واجباتها. والمضحك هنا أن أولئك، ومن بينهم إعلاميون وعاملون في الإعلام
الرسمي، يصدقون ويروجون لأكاذيب وجود دستور في البلاد وكأن سوريا دولة مؤسسات تطبق فيها القوانين بدقة طوال الوقت.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تحدث رئيس الحكومة حسين عرنوس، ووزير التجارة الداخلية عمرو سالم، عن مشروع رفع الدعم الحكومي، قبل “تسريب” وثيقة موجهة إلى وزير الاتصالات التقانة إياد الخطيب، أوضحت الشرائح التي سينقطع عنها الدعم، منها أصحاب المهن الحرة والأطباء والصيادلة وأصحاب المكاتب العقارية والمواطنون الذين يمتلكون سيارات سعة 1500 وما فوق ومن يمتلكون أكثر من منزل في المحافظة الواحدة وأصحاب المقاهي والكافيتيريات وغيرهم.
ورغم أنه تم الإعلان سابقاً، عن تأجيل استبعاد الأطباء وبعض المهن من الدعم إلى مرحلة لاحقة بحسب وسائل إعلام موالية، تحدث أفراد عن استبعادهم من الدعم بشكل مفاجئ ومبكر. وتحدثت الدكتورة في كلية الإعلام بجامعة دمشق، نهلة عيسى، المشهورة بتشبيحها الدائم للنظام على الشاشات الرسمية، عن استبعادها من الدعم بسبب امتلاكها لسيارة “اشترتها بالتقسيط قبل 12 عاماً” رغم أن رابتها الشهري لا يتجاوز 200 ألف ليرة سورية. وقالت أن ذلك “الراتب الهزيل” لن يكفي لدفع سعر البنزين وبالتالي “ستفتح فمها للهواء”.
وردت الحكومة بأن المستبعدين من الدعم يمكنهم “الاعتراض” عبر موقع إلكتروني مخصص للشكاوى. ونشرت الصفحات الموالية، بيانات الموقع الجديد والتصريحات، باعتبارها دليلاً على وجود الشفافية في البلاد! علماً أن رفع الدعم يطاول نحو 600 ألف عائلة تحمل البطاقة الذكية. ما يعادل نحو 15% من العائلات الحاصلة على الدعم، في بلد تصل فيه نسبة الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 85% من السكان حسب إحصائيات الأمم المتحدة.
وبحسب وسائل إعلام موالية، فإن الأسرة التي كانت تحتاج 200 ألف ليرة شهرياً لشراء المواد المدعومة، أصبحت الآن تحتاج 600 ألف ليرة بعد رفع الدعم عنها. فيما تجب الإشارة إلى أن النظام يرفع دعماً لا وجود له تقريباً، فأزمات الخبز والبنزين والكهرباء كانت حاضرة على الدوام خلال السنوات الماضية، وتحديداً في المواد المدعومة التي لا تتوافر بانتظام كما يجب.
ومع انهيار الاقتصاد وتدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الرئيسية، كان النظام يمهد لهذه القرارات عبر حرمان المواطنين من الخدمات، رغم إمكانية توفيرها لهم، بحسب تقارير ذات صلة. وبالتالي يصبح الوصول إلى الخصخصة الكاملة وتحول الدولة من النموذج الاشتراكي القائم منذ ستينيات القرن الماضي، إلى النموذج النيوليبرالي الذي تم الترويج له منذ وصول بشار إلى السلطة العام 2020 وقوبل بالاستهجان، أكثر سهولة، لأن السوريين سيقبلون بأي حل يوفر لهم الخدمات، مهما كان سعرها باهظاً، وأياً كانت الجهة التي توفرها لهم.
المصدر: المدن