يقوم “حلف شمال الأطلسي” الـ (ناتو) بإرسال مزيد من السفن والطائرات المقاتلة إلى دول أوروبا الشرقية، وسط مخاوف متزايدة من إمكان حصول غزو روسي وشيك لأوكرانيا. وقد نبه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أن أي نزاع يقع سيكون “مؤلماً وعنيفاً ودامياً”.
أما الأمين العام لـ “حلف الأطلسي” ينس ستولتنبرغ فأكد أن حلف “الناتو” سيتخذ “جميع الإجراءات الضرورية” لحماية حلفائه والدفاع عنهم.
وكان زعماء غربيون، بمن فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، قد اتفقوا إثر محادثات هاتفية مساء الاثنين، على القيام بتحرك سريع “يشمل من ضمن إجراءاته، فرض حزمة غير مسبوقة من العقوبات” على روسيا، في حال بادرت إلى التوغل داخل أوكرانيا.
وأوضحت متحدثة باسم رئاسة الحكومة البريطانية في “داونينغ ستريت”، أن “القادة أعطوا الأولوية للمناقشات الدبلوماسية مع موسكو، وأبدوا ترحيبهم بالمحادثات التي أجريت حتى الآن بين روسيا والحلفاء في ’حلف شمال الأطلسي‘. لكنهم اتفقوا في المقابل، على أن المجتمع الدولي يجب ألا يتسامح مع أي عمل من شأنه أن يقوض السيادة الأوكرانية.
واتفق القادة الغربيون على أنه في حال حدوث توغل روسي آخر في أوكرانيا، فيتعين على الحلفاء أن يقوموا بردود عقابية سريعة، تتضمن فرض حزمة غير مسبوقة من العقوبات. وأكدوا تصميمهم على مواصلة التنسيق في ما بينهم بشكل وثيق في شأن أي رد من هذا القبيل”.
في غضون ذلك، أعلنت كل من بريطانيا والولايات المتحدة، عن نقل بعض موظفي سفارتيهما في العاصمة الأوكرانية كييف وأسرهم إلى الخارج، في وقت اعتبر فيه رئيس الوزراء جونسون أن غزو روسيا لجارتها سيكون كارثياً وقد ينتهي الأمر بأن يصبح بمثابة “شيشان جديدة”.
وزارة الخارجية الأوكرانية وصفت بلسان المتحدث باسمها أوليغ نيكولينكو القرار الأميركي بأنه كان “خطوةً استباقية”، وإشارةً إلى “الحذر المفرط”. واتهم روسيا ببث الذعر لزعزعة استقرار البلاد.
على صعيد التحركات العسكرية، بعثت الدانمارك سفينة حربية إلى بحر البلطيق، ومن المقرر أن تنشر 4 طائرات مقاتلة من طراز “أف – 16” في ليتوانيا، لدعم مهمات المراقبة الجوية طويلة الأمد لحلف “الناتو” في المنطقة.
إسبانيا قررت كذلك إرسال سفن للانضمام إلى القوات البحرية لـ “حلف شمال الأطلسي”، وتدرس احتمال إرسال طائرات مقاتلة إلى بلغاريا. وأكدت فرنسا من جانبها أنها مستعدة لإرسال قوات إلى رومانيا عندما يطلب ذلك حلف “الناتو”، فيما ستبعث هولندا بطائرتين مقاتلتين من طراز “أف – 35” إلى بلغاريا اعتباراً من شهر إبريل (نيسان) المقبل، لدعم أنشطة المراقبة الجوية “الأطلسية” في المنطقة.
أما الدول في جوار روسيا الأقرب – إستونيا ولاتفيا وليتوانيا – فأكدت أنها تخطط لأن ترسل إلى أوكرانيا صواريخ أميركية الصنع مضادة للدبابات والطائرات.
وكانت الولايات المتحدة قد حرصت على تأكيد أنها تفكر في زيادة وجودها العسكري في الجزء الشرقي من مناطق التحالف، وتحريك بعض قواتها المتمركزة في غرب أوروبا إلى شرق القارة.
في الجهة المقابلة، دانت روسيا الإعلان الأخير الصادر عن حلف “الناتو”. واتهم نائب وزير خارجيتها ألكسندر غروشكو التحالف الغربي بـ “شيطنة” بلاده، وباستخدام أسلوب “التهديدات والضغط العسكري”.
ميدانياً حشدت موسكو ما يُقدر بنحو 100 ألف جندي على مقربة من حدود أوكرانيا، مطالبةً “حلف شمال الأطلسي” بأن يعد بعدم السماح مطلقاً لكييف بأن تنضم إلى المنظمة، نافيةً أن تكون نيتها غزو أوكرانيا.
في الوقت نفسه، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه كثف استعداداته لفرض عقوبات على موسكو، محذراً من أن “أي عدوان عسكري آخر من جانب روسيا على أوكرانيا، ستكون عواقبه وخيمة وتكاليفه باهظة”.
وأكد الاتحاد بشكل منفصل، التزامه أيضاً بزيادة الدعم المالي لأوكرانيا المأزومة، متعهداً بالمضي قدماً في هذا الاتجاه في أقرب وقت ممكن، من خلال تقديم حزمة خاصة بنحو مليار و200 مليون يورو (مليار 360 مليون دولار أميركي)، على شكل قروض ومنح. وأبقى حتى الساعة على موظفي سفارته في العاصمة الأوكرانية.
الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف اتهم حلف “الناتو” والعاصمة الأميركية بالتسبب في تأجيج الوضع في المنطقة، مشيراً إلى أن تصاعد التوتر “ليس مرده إلى ما نقوم به نحن، في روسيا”.
تجدر الإشارة إلى أن الغرب يتابع بقلق تحركات القوات الروسية والمناورات الحربية التي تجريها في بيلاروس، لرصد أي مؤشرات قد توحي بقرب قيام موسكو بغزو جديد لأوكرانيا. وكانت روسيا هاجمت أوكرانيا ذات مرة في السابق، وضمت إليها شبه جزيرة القرم في عام 2014. وفي المقابل، دعمت موسكو انفصاليين أوكرانيين موالين لروسيا، يقاتلون حكومة كييف في منطقة دونباس. وما زال النزاع في شرق أوكرانيا، الذي حصد حتى الآن نحو 14 ألف شخص، محتدماً.
وزير خارجية إيرلندا سايمون كوفيني، أعلن أنه سيبلغ نظراءه بأن روسيا تخطط لإجراء مناورات حربية على بعد نحو 150 ميلاً (241 كيلومترا) من الساحل الجنوبي الغربي لبلاده، في المياه الدولية، لكن داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة بإيرلندا. ورأى كوفيني أن “هذا ليس الوقت المناسب لزيادة الأنشطة العسكرية والتوتر في ظل الظروف التي تحدث في أوكرانيا”. وقال، “إن واقع اختيارهم القيام بذلك على الحدود الغربية للاتحاد الأوروبي، قبالة الساحل الإيرلندي، هو في رأينا بكل بساطة، أمر مرفوض”.
وعلى الرغم من ذلك، طُرحت علامات استفهام عدة حول مدى تراص مقاربة الاتحاد الأوروبي إزاء روسيا. إذ لطالما أسهمت المصالح المختلفة السياسية والتجارية وتلك المتعلقة بالطاقة، في انقسام موقف الكتلة المؤلفة من 27 دولة، في شأن مقاربتها للعلاقة مع موسكو. وكما هو معلوم فإن قرابة 40 في المئة من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي تأتي من روسيا، وتمر كميات كبيرة من هذا الغاز في خطوط أنابيب عبر أوكرانيا – وبدت مواقف دول أوروبية عدة متقلبةً من احتمال انقطاع هذا الإمداد خلال فصل الشتاء، مع ارتفاع أسعار الطاقة.
إحدى الدول المترددة كانت هنغاريا التي أعلنت يوم الاثنين أنها لا تريد حرباً باردةً جديدة في أوروبا، وأنها تدعم مختلف الجهود الدبلوماسية لتجنب الانزلاق إلى حرب.
القوتان العظميان في كتلة الاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا، تبدوان أكثر حذراً. فقد جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوات كانت قد رُفضت من جانب موسكو، إلى عقد قمة مع الرئيس الروسي بوتين.
وفي وقت متأخر من يوم السبت الفائت، استقال قائد البحرية الألمانية الفريق البحري كاي أخيم شوينباخ، بعد تعرضه لانتقادات بسبب تأكيده أن أوكرانيا لن تستعيد شبه جزيرة القرم من روسيا، ولقوله إن الرئيس بوتين يستحق الاحترام.
جدير بالذكر أن المملكة المتحدة كانت أعلنت مطلع الأسبوع، أن روسيا تحاول تنصيب حكومة عميلة لها في أوكرانيا بقيادة سياسي أوكراني يُدعى يافن موراييف. وقد نفى موراييف هذا الزعم قائلاً لـ “اندبندنت” إنه “محض خيال سخيف لكنه مسبب لضرر كبير”.
فاديم بريستايكو سفير أوكرانيا في المملكة المتحدة، قال إن من المرجح جداً حدوث غزو روسي لبلاده، لكن رأى أن المجال متاح أمام التوصل إلى حل دبلوماسي.
إشارة أخيرة إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اتهم المملكة المتحدة ببث معلومات مضللة، وطلب من وزارة الخارجية البريطانية “وقف هذه الأنشطة الاستفزازية، والامتناع عن نشر الهراء”، على حد تعبيره.
المصدر: اندبندنت عربية