في يوم واحد انتقل مبعوث روسيا لشؤون التسوية السورية، ألكسندر لافرنتييف، من الرياض، حيث التقى ولي العهد، إلى دمشق حيث التقى رئيس النظام السوري، الأمر الذي بدى وكأنه محاولة لإعادة المياه إلى مجاريها بين الدولتين.
وخلال اجتماع الرياض، الذي عقد في 20 يناير، جرى التباحث في تطورات الأوضاع في سوريا بحسب رويترز، بينما اكتفت وكالة “سانا” الموالية للنظام بالإشارة إلى أن اللقاء بين رئيس النظام بشار الأسد ولافرنتييف، والذي عقد في 20 يناير أيضا، “دار حول آخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، والقضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك مع موسكو”، فهل تدفع روسيا نحو تسوية العلاقات بين الطرفين؟
يجزم المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، في تصريحات لموقع “الحرة”، أن “موسكو تقوم بدور الوسيط بين الدولتين”.
وأشار يوسف إلى أن “موسكو تؤيد بشكل كبير عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهذا كان واضحا من زيارة وزير خارجيتها إلى الرياض العام الماضي، وما نتج عنها من مواقف سعودية”.
وفي مارس 2021، أعرب وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عن دعم الرياض لعودة سوريا إلى محيطها العربي، مؤكداً أن الحل “في سوريا لن يكون إلا سياسيا”.
وأوضح بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي جمعه حينها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن حل الأزمة في سوريا يتطلب توافق أطراف الأزمة”، معلنا دعم بلاده “لأي جهود تحقق الاستقرار في سوريا”.
في المقابل، يستبعد الباحث والكاتب السعودي، حسن المصطفى، في حديث لموقع “الحرة”، أن “تسارع الرياض إلى تطبيع علاقتها مع الأسد، وذلك بمعزل عن أي جهد روسي”.
وتابع المصطفى: “ليس هناك مؤشرات عن زيارات رفيعة المستوى حاليا، أو إعادة افتتاح قنصلية سعودية أو سفارة في دمشق”، ولكنه استدرك قائلا: “الرياض لن تكون حجر عثرة أمام أي تسوية تحقق المصالح السورية الوطنية في المقام الأول”.
وهنا، أشاد يوسف بما وصفها بالمبادرة الإماراتية التي “تمثلت بإعادة فتح سفارتها في دمشق، والتي تقوم على أفضل العلاقات مع سوريا مقارنة بغيرها من دول المنطقة”.
وفي نوفمبر 2021، زار وفد إماراتي برئاسة وزير الخارجية، عبدالله بن زايد، الأسد في العاصمة دمشق، في أول زيارة على هذا المستوى منذ 10 سنوات.
وكانت وكالة الأنباء الإماراتية قالت، في 20 أكتوبر 2021، إن ولي عهد أبوظبي بحث مع الأسد خلال اتصال هاتفي “علاقات البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصالحهما المتبادلة”.
بشار الأسد ومحمد بن زايد ناقشا الأوضاع في الشرق الأوسط
وجاء الاتصال بعد قرابة ثلاث سنوات على إعلان الإمارات عودة العمل في سفارتها في دمشق، عقب أكثر من سبع سنوات على قطع علاقاتها مع سوريا على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عام 2011 وتحولت لاحقا إلى حرب أهلية.
وعن إمكانية أن تحذو الرياض حذو أبوظبي، يقول المصطفى إن بلاده “تسعى لأن يسود الهدوء منطقة الشرق الأوسط، وتخفيف التوترات الأمنية والحروب الأهلية، لأن لديها رؤية المملكة 2030، وهذه الرؤية الطموحة اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا، تحتاج لأجواء مستقرة، كي تحقق أهدافها”.
وشدد على أن “الرياض سترحب بأي جهود تسهم في حل النزاع السوري، والتوصل إلى حلول بين النظام الحاكم وقوى المعارضة، على قاعدة ما يتوافق عليه السوريون فيما بينهم، وما يحقق مصلحة الشعب السوري، ويضمن له الأمن والاستقرار”.
بينما لفت يوسف إلى أنه “حتى الآن، لم تقم السعودية بأي خطوات مماثلة، بل على العكس لاحظنا تصعيدا من قبل مندوب الرياض في مجلس الأمن، عبد الله المعلمي”، ولكن هذا التصعيد يخفي وراءه “شيئا إيجابيا”، على حد قوله.
وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 16 ديسمبر الماضي، قال المندوب السعودي، عبد الله المعلمي، إن الحرب لم تنته في سوريا التي شهدت سقوط 2000 قتيل خلال العام الحالي، محذرا: “لا تصدقوا إذا قالوا إن الحرب انتهت في سوريا”.
وشدد المعلمي على أن “الأولوية لا يجب أن تعطى لإعادة الإعمار بل لإعادة بناء القلوب”، متسائلا: “ما النصر الذي حققوه إذا وقف زعيمهم على هرم من الجثث؟”
واتهم المعلمي النظام السوري بأنه “أول من فتح الأبواب لاستقبال حزب الله، زعيم الإرهاب، وغيره من التنظيمات الإرهابية”.
ويتحدث يوسف عن إمكانية وجود “تقارب استخباراتي سعودي – سوري توج خلال المنتدى العربي الاستخباراتي الذي نظم في القاهرة، نوفمبر 2021، حيث تواجد مدير إدارة المخابرات العامة السورية، حسام لوقا، ورئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان”.
ويرى يوسف أن “قمة الجامعة العربية في الجزائر تأجلت من أجل التباحث أكثر في مشاركة سوريا”.
وعلقت الجامعة العربية عضوية النظام السوري في 12 من أكتوبر عام 2011، ودعت إلى سحب السفراء من دمشق، إلى حين تنفيذ النظام كامل تعهداته في توفير الحماية للمدنيين السوريين.
وتقرر إرجاء القمة الدورية السنوية لجامعة الدول العربية على مستوى القادة والتي كان مقررا انعقادها في 22 مارس بالجزائر، بسبب وباء كوفيد-19، بحسب ما نقلته فرانس برس عن مسؤول رفيع في الجامعة.
العواقب والدوافع
وعن العواقب التي قد تواجه تطبيع العلاقات، يرى المصطفى أن “ما يقلق السعودية هو أن تكون سوريا منصة لزعزعة أمن المنطقة، سواء من خلال تواجد قوات الحرس الثوري الإيراني، أو مقاتلي حزب الله، أو الميليشيات العراقية الموالية لإيران”.
ولكن يوسف يستبعد أن “تسبب العلاقات بين طهران ودمشق أي عرقلة في التطبيع مع السعودية، لاسيما أن الرئيس الأسد يعتمد مبدأ التوازن في العلاقات”.
وحول الدوافع وراء دعم الجهود الرامية إلى عودة سوريا للحضن العربي، يعتبر المصطفى أن “التوترات التي تنشأ بين إسرائيل من جهة وإيران ومليشياتها من جهة أخرى، على الأرض السورية، عامل توتر آخر، من شأنه أن يقود في حال تم تجاوز قواعد الاشتباك لمواجهة أوسع أو حرب إقليمية، ليست في صالح المنطقة”.
ورأى أن “استقرار سوريا، وخروج القوات الأجنبية والمليشيات منها، هو أمر في صالح الرياض وبقية العواصم المؤيدة للاعتدال”.
وأشار الباحث السعودي إلى أن “وجود التنظيمات الأصولية المسلحة، مثل داعش والقاعدة وبقية التشكيلات الأخرى، هي مصدر خطر آخر، ولذا فإن محاربة الإرهاب، وقطع الطريق أمام سيطرة هذه المجاميع على مساحات من سوريا، سيصب أيضا في خانة محاصرة العنف، وهذا هدف تسعى له السعودية”.
من جهته، يشدد يوسف أن “ليس لسوريا غنى عن السعودية والعكس صحيح أيضا”، معتبرا أن “هناك مصلحة مشتركة بعودة العلاقات، لاسيما أن السعودية تعارض التدخلات الإقليمية لتركيا التي تحتل جزءا من الأراضي السورية”.
وكرر يوسف أن “تطبيع العلاقات سيأخذ بعض الوقت لكنه حتمي وستعود الأمور إلى طبيعتها قبل اندلاع الأزمة”.
وسحبت دول مجلس التعاون الخليجي وبينها الإمارات، سفراءها من دمشق في فبراير 2012 متهمة النظام السوري بارتكاب “مجزرة جماعية ضد الشعب الأعزل”، في إشارة إلى قمع الاحتجاجات الشعبية قبل تحولها إلى حرب أهلية تسببت في مقتل أكثر من 360 ألف شخص.
وتسبب النزاع السوري منذ اندلاعه في مارس 2011 بنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، بينهم أكثر من 6,6 ملايين لاجئ، فروا بشكل أساسي إلى الدول المجاورة لبنان والأردن وتركيا.
المصدر: الحرة. نت