تتضاءل الخيارات أمام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في إدلب تدريجياً، فمع تواصل تقدم النظام السوري بسرعة كبيرة وقرب انتهاء موعد المهلة التي أعلن عنها لانسحاب النظام إلى حدود نقاط المراقبة واتفاق سوتشي، بات خيار القيام بعملية عسكرية ضد النظام السوري خياراً وحيداً ومصيرياً ما لم تحصل معجزة في اللحظات الأخيرة تتيح عقد اتفاق جديد مع روسيا.
وتتداخل الكثير من الأسباب التي جعلت من العملية العسكرية والاشتباك المباشر مع النظام السوري خياراً صعباً ولكنه مصيري لتركيا سياسياً وعسكرياً رغم محاولات أنقرة الحثيثة لتجنب هذا الخيار لما يحمله من مخاطر واسعة واحتمالات الصدام العسكري مع سوريا والتكلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية له.
وتطالب تركيا بانسحاب النظام السوري إلى حدود نقاط المراقبة واتفاق سوتشي في إدلب، وحاولت دبلوماسياً مع روسيا دبلوماسياً لتحقيق ذلك، لكن سلسلة جولات من المباحثات السياسية في أنقرة وموسكو واتصالات على مستوى رؤساء الأركان ووزراء الخارجية وحتى الرؤساء فشلت في اقناع روسيا بإجبار النظام على الانسحاب، بعدما أصرت موسكو على تعديل حدود اتفاق سوتشي وسحب نقاط المراقبة التركية.
كما حاولت تركيا من خلال الضغط العسكري دون الاشتباك المباشر، فأدخلت قوات كبيرة من الجيش التركي إلى إدلب لتشكيل ما يشبه الدرع العسكري الذي يوقف تقدم النظام الذي واصل تقدمه متجاوزاً القوات التركية التي فقدت 14 من عناصرها في ضربات للنظام.
وفي هذا الإطار، يجد اردوغان نفسه مضطراً لتطبيق تهديداته بإعادة النظام إلى حدود سوتشي عسكرياً في حال فشل ذلك من خلال المباحثات التي فشلت بالفعل حتى الآن ولا يلوح بالأفق أي مؤشرات على إحداث اختراق فيها خلال الأيام المقبلة وقبل تاريخ مهلة اردوغان التي تنتهي آخر الشهر الجاري، وذلك للحفاظ على مصداقيته في الشارع التركي والمجتمع الدولي بشكل عام.
مكانة تركيا ومصداقيتها تضعان أيضاً بشكل مباشر قدرة اردوغان على تطبيق تعهداته بموجب اتفاق أستانة وسوتشي عبر حماية المدنيين في إدلب ومنع سيطرة النظام على تلك المنطقة في الميزان، وذلك في ظل غضب شعبي متزايد في أوساط قرابة 4 ملايين سوري يعيشون في تلك المنطقة وملايين السوريين المهجرين في تركيا وحول العالم الذين باتوا يتهمون تركيا بـ»الفشل» في حمايتهم.
هذا الغضب لا يقتصر على السوريين، وإنما ظهر بقوة في الشارع التركي الذي يرى أن بلادهم لم ترد بقوة على هجمات النظام التي أدت إلى مقتل 14 جندياً وإصابة العشرات، ويطالبون بـ»إعادة الاعتبار إلى الجيش التركي»، فيما يطالب خبراء وكتاب بضرورة الرد بقوة على النظام للحفاظ على هيبة الجيش التركي ومكانته في الداخل والخارج.
كما أن سيطرة النظام والمليشيات الكردية والإيرانية على المنطقة الحدودية في إدلب، مقدمة للضغط على الجيش التركي للانسحاب من مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام دون تحقيق تركيا أهدافها التي حاربت من أجلها وهي تأمين مناطق لإعادة اللاجئين السوريين والوصول إلى حل سياسي يؤمن عودة اللاجئين ومنع خطر إقامة كيان كردي انفصالي، وهي مخاطر تعتبر استراتيجية ومن شأنها التأثير على مستقبل اردوغان السياسي في البلاد.
ويعتبر خبراء وكُتاب ومسؤولون أتراك أن التراجع في إدلب بشكل يظهر وكأنه تراجع أمام النظام السوري والضغط الروسي الإيراني يضر بمكانة تركيا إقليمياً ودولياً وينعكس بدرجة كبيرة على الدور التركي المحوري في الصراع في ليبيا وشرق المتوسط، وكتب أحد المغردين «إذا تراجعنا في إدلب سوف نتراجع في كل الملفات.. في ليبيا وشرق المتوسط ومع اليونان وغيرها من الملفات المحورية لتركيا»، وستعتبر بمثابة خسارة «استراتيجية» لتركيا.
يضاف إلى ذلك، مسألة اللاجئين التي تؤرق تركيا رسمياً وشعبياً، فعدم اتخاذ تركيا إجراءات حقيقية لوقف تقدم النظام نحو ما تبقى من إدلب والحدود التركية يعني بشكل حتمي لجوء ما يقارب 4 ملايين سوري جديد إلى الأراضي التركية ما يرفع عدد اللاجئين إلى 8 ملايين وهو رقم تاريخي سوف ينعكس على الداخل التركي سياسياً وأمنياً واقتصادياً وإنسانياً.
هذه الأسباب بمجملها ستؤدي إلى خسارة اردوغان شعبيته في الشارع التركي وتراجع حظوظه في النجاح في الانتخابات المقبلة المقررة عام 2023 والتي يمكن أن يجري تقديمها وإجراء انتخابات مبكرة في حال تزايد الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد التركي وسياسات البلاد داخلياً وخارجياً.
المصدر: القدس العربي