العراق: حلفاء إيران في مأزق

عادل النواب وأكثم سيف الدين

يشي الجدل الذي شهده البرلمان العراقي الجديد، في أولى جلساته التي عُقدت الأحد، بمعركة حامية حول تشكيل الحكومة المقبلة، وهي عملية تنطلق من تحديد الكتلة الكبرى داخل مجلس النواب.

هذا الأمر بدا واضحاً من الخلاف الذي وقع خلال جلسة الأحد بين كتلة التيار الصدري وحلفائها من جهة، و”الإطار التنسيقي” الذي يضم القوى الحليفة لإيران من جهة أخرى، حول الجهة التي تمتلك “الكتلة الكبرى”، ففي حين تصر الكتلة الصدرية على أنها صاحبة الصدارة في البرلمان، سعى “الإطار التنسيقي” للالتفاف على ذلك عبر تقديم أسماء 88 نائباً قال إنهم يشكلون كتلته التي تحظى بصدارة البرلمان، ما يعني أنّها من يحق لها تسمية رئيس الحكومة المقبل.

وإزاء تأكيدات بعدم قانونية إعلان الإطار أنه صاحب الكتلة الكبرى، تزداد أزمة حلفاء إيران في العراق عمقاً، فبعدما خسروا الانتخابات البرلمانية التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم فشلوا في تغيير نتائجها عبر الطعون، وتعرضوا لضربة بانتخاب رئيس برلمان من دون موافقتهم الأحد، يجدون محاولتهم لتأليف الكتلة الكبرى في البرلمان غير مضمونة النتائج، بل أقرب إلى الساقطة.

محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان العراقي

وبعد خلافات ومشادات خلال الجلسة الأولى للبرلمان، أمس الأول الأحد، وتعرض رئيس السن محمود المشهداني إلى الاعتداء، نقل على إثره الى المستشفى، ترأس الجلسة خالد الدراجي وتم انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان لولاية جديدة، ومرشح التيار الصدري حاكم الزاملي نائباً أول له، ومرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، شاخوان عبد الله، نائباً ثانياً.

لكنّ الجدل استمر بعد الجلسة، مع إصرار “الإطار التنسيقي” على أنه الكتلة الكبرى بـ88 نائباً، بعد تقديمه طلباً خلال الجلسة لذلك. وبحسب الوثيقة التي قدّمها الإطار، فإن تحالفه يضم ائتلاف “دولة القانون” بـ33 مقعداً، و”الفتح” بـ18 مقعداً، و”العراق المستقل” بـ10 مقاعد، و”قوى الدولة الوطنية” بـ4 مقاعد، و”العقد الوطني” بـ4 مقاعد، إضافة إلى مقاعد أخرى لكتل عديدة ونواب مستقلين.

في المقابل، يعتبر التيار الصدري نفسه الكتلة الكبرى، سواء ككتلة منفردة إذ يحظى بـ74 مقعداً، وهو عدد أكبر من جميع مقاعد كتل الإطار منفردة، أو ككتلة متحالفة مع “عزم” و”تقدم” والقوى الكردية.

وبدأ صراع “الكتلة الكبرى” بعد انتخابات 2010، التي فاز فيها “ائتلاف الوطنية” بزعامة إياد علاوي بحصوله على 91 مقعداً، تلاه تحالف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي والذي حصل على 89 مقعداً.

إلا أن المالكي شكّل مع قوى أخرى “التحالف الوطني”، ليتفوق على كتلة علاوي، ويحصل على رئاسة الحكومة، مستنداً إلى فتوى من المحكمة الاتحادية بذلك، والتي اعتبرت أنّ “تعبير الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً يعني إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، بعدما دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين، وإما الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة، ثم تكتلت في كتلة واحدة في مجلس النواب”.

واستمر هذا التفسير حتى إقرار البرلمان قانون الانتخابات في عام 2020، والذي نصت المادة 45 منه، على أنّه لا يحق لأيّ نائب أو حزب أو كتلة مسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال إلى ائتلاف أو حزب أو كتلة أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة.

“الإطار التنسيقي”: نحن الكتلة الأكبر

وإزاء الفوضى في جلسة الأحد حول “الكتلة الكبرى”، تحرك “الإطار التنسيقي” باتجاه المحكمة الاتحادية، وقدّم شكوى لاعتبار الجلسة “غير قانونية”. ويسعى الإطار لتفسير المادة الدستورية على اعتبار أنه أول كتلة قدّمت قائمة بأسماء نوابها إلى رئاسة البرلمان ككتلة كبرى. ويريد اعتماد ذات التفسير لعام 2010، باعتبار أنّ النص الدستوري لم يتغير، وأنّه لا يمكن لقانون الانتخابات أن ينقض نصاً دستورياً.

وفي هذا السياق، قال النائب عن “دولة القانون” محمد الصيهود، لـ”العربي الجديد”، إن “ما حصل في الجلسة الأولى للبرلمان، خرق للدستور وللنظام البرلماني الداخلي، ولم يتم الالتزام بالاتفاقيات السياسية بين القوى السياسية، والتي كانت تؤكد اختيار الرئاسات الثلاث وكل المناصب الأخرى من خلال الاتفاق والتوافق بين كل الأطراف”.

ولفت الصيهود إلى أن “الفوضى حصلت في مجلس النواب بعد أن قدّم الإطار التنسيقي وثيقة تثبت من خلال تواقيع النواب أنه الكتلة الكبرى داخل البرلمان، وهذا الطلب ما زال موجوداً لدى الأمانة العامة لمجلس النواب”.

واعتبر أن “العملية السياسية لا يمكن أن تستمر في ظل الفوضى وفرض الأمر الواقع، فهناك التزامات دستورية، كما أن واقع هذه العملية فرض التوافق بين كل الأطراف السياسية بشأن تشكيل الحكومة الجديدة وتسمية الرئاسات”.

وشدد على أن “الإطار التنسيقي يمتلك ما يكفي من أدلة واضحة على أن جلسة انتخاب هيئة رئاسة البرلمان غير دستورية وحصل فيها الكثير من الخروقات، وسيقدّم شكوى لدى الجهات القضائية المختصة من أجل إعادة عملية انتخاب هيئة الرئاسة خلال الأيام القليلة المقبلة”.

وتابع: “لن نسمح بتكرار ما حصل في جلسات البرلمان المقبلة المخصصة لاختيار رئيس الجمهورية الجديد، أو رئيس الوزراء الجديد، فهذه الملفات يجب حسمها من خلال الاتفاق والتوافق بين كافة الأطراف السياسية، وخصوصاً داخل البيت السياسي الشيعي”.

لكنّ مصدراً في الإطار قال لوكالة “فرانس برس” إنّه في حال “قدّم التيار الصدري قائمة منه ومعها تواقيع من الحزب الديمقراطي الكردستاني وكتلة تقدم، سيكونون هم من يرشح رئيس الحكومة”. وأضاف “لكن إذا بقي الأمر محصوراً بالبيت الشيعي، فالإطار التنسيقي هو من يرشح رئيس الوزراء المقبل”. ووفق المصدر، يتجه “الإطار التنسيقي” إلى تسمية نوري المالكي كمرشحه.

حكومة عراقية غير توافقية

في المقابل، قال القيادي في التيار الصدري رياض المسعودي، إنّ تقديم “الإطار التنسيقي” طلباً لاعتباره الكتلة الكبرى “غير قانوني، فهو قدّم الطلب لرئيس السن، وهذا الطلب يقدّم إلى رئيس البرلمان بعد انتخابه، وهو ما فعلته الكتلة الصدرية” مؤكداً أنّ “الحديث عن جمع الإطار 88 نائباً أمر مبالغ به”.

ولفت في حديث مع “العربي الجديد” إلى أنّ “ملامح الكتلة الكبرى أصبحت واضحة خلال جلسة انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، فعلى الرغم من مقاطعة الجلسة من بعض الأطراف السياسية، إلا أن النصاب كان مكتملاً، وتم اختيار هيئة الرئاسة بالأغلبية المطلقة”.

وأكد المسعودي أنّ “الأطراف السياسية التي دعمت وشكّلت هيئة رئاسة البرلمان الجديد هي نفسها من ستشكل حكومة الأغلبية”. وشدد على أن “الحكومة لن تكون توافقية ولن تكون كل القوى السياسية مشاركة فيها، بل ستكون هناك قوى معارضة، عملها المراقبة والتصحيح من خلال دورها في البرلمان”.

وأضاف: “خلال جلسة انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، أظهر التيار الصدري أنه ومن معه من الحلفاء في تحالفي تقدم والعزم والقوى الكردية، أنه الكتلة الكبرى داخل البرلمان، ووفق ذلك تم تقديم الطلب باعتبار الكتلة الصدرية وحلفائها هم الحائزون على أكثر المقاعد في البرلمان”.

وأشار إلى أنّ “مهلة الـ15 يوماً كافية لاختيار رئيس الجمهورية الجديد، وهي كافية أيضاً للاتفاق والتوافق على اسم رئيس الوزراء، وحتى تشكيلته الوزارية، بعدما برزت ملامح الكتلة الكبرى، التي يقودها التيار الصدري”.

وعن تشكيل الكتلة الكبرى، شرح أستاذ القانون الدستوري في جامعة بغداد، علي العادلي، لـ”العربي الجديد”، أن “قانون الانتخابات تضمّن نصاً واضحاً على أنه لا يمكن تشكيل كتلة إلا بعد تشكيل الحكومة، ما يعني أن الإطار التنسيقي لا يُعد كتلة كبرى، بل إنه مسجل لدى دائرة الأحزاب ومفوضية الانتخابات، ككتل متعددة”.

وأشار إلى أن “التيار الصدري في كلّ الأحوال سيكون هو الكتلة الكبرى، سواء أكان ككتلة منفردة بـ74 مقعداً، أو ككتلة متحالفة مع عزم وتقدم والقوى الكردية، فهو أكثر عدداً من قوى الإطار مجتمعة”.

من جهته، رأى السياسي العراقي انتفاض قنبر، أنّ “التيار الصدري استطاع خلال جلسة انتخاب هيئة رئاسة البرلمان، أن يمرر ما اتفق عليه مع بعض القوى السياسية على الرغم من مقاطعة الكتل الشيعية الأخرى للجلسة”.

واعتبر في تصريح لـ”العربي الجديد” أنّ “جلسة البرلمان الأولى كشفت الكتلة الكبرى، من دون تقديم أي طلب حول هذا الأمر، فالتيار ومن معه من قوى سنّية وكردية، هم من سيشكل الحكومة العراقية المقبلة”.

ويؤكد مختصون في الشأن القانوني، دستورية جلسة الأحد. وقال الخبير في الشأن القانوني طارق حرب، لـ”العربي الجديد” إنّ “رئاسة البرلمان قبِلت النائب الأكبر سناً خالد الدراجي، بعد محمود المشهداني، وفتحت باب الترشيح لمنصب رئيس المجلس وهو إجراء قانوني وسليم، فغياب المشهداني عن الجلسة لأي سبب، جعل من النائب الأكبر سناً بعده في وضع قانوني لرئاسة الجلسة”.

وأضاف أنّ “النص القانوني يثبت دستورية انتخاب الحلبوسي، وعدم وجود أي خطأ في ذلك”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى