النووي الإيراني والخطر الإسرائيلي

رندة تقي الدين

يصعب لمراقب التطورات في الشرق الأوسط أن يحدد ما هو الأخطر في هذه المنطقة، هل هي تدخلات إيران وزعزعتها استقرار كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن أم هي الضربة الإسرائيلية المحتملة على المواقع النووية الإيرانية، أم أن الخطرين يجسدان خطراً واحداً على المنطقة. فإحياء ذكرى مقتل قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني المجرم الجنرال قاسم سليماني والتظاهرات التي نظمت في العراق جاءت لتظهر النفوذ الإيراني في هذا البلد حيث تقلّص النفوذ الأميركي فيه بشكل كبير منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

العراق رغم كل ما يقال عن المصالحة والانتخابات التي أجريت بشكل شبه طبيعي لا يزال في وضع سياسي وأمني بعيد من الاستقرار. من يعمل في هذا البلد ينقل أجواء تشير إلى أن الحالة فيه أسوأ من لبنان لأنه بلد أكبر وأغنى، فهو ثاني دولة نفطية في “أوبك” من حيث الاحتياطي النفطي ويعاني من كل المشاكل التي تعانيها الدول التي تخضع لهيمنة إيران ويتزعزع استقرارها عبر ميليشياتها المختلفة في العراق، وعبر “حزب الله” في لبنان وسوريا واليمن.

أصحاب الأعمال في العراق ينقلون معلومات تشير إلى أن كل وزير في الحكومة يخضع لمراقبة الميليشيات المختلفة التي هي كثيراً ما تتحارب بين بعضها البعض، ما يعطل الأعمال في البلد، إضافة الى الفساد المنتشر وضعف القطاع الصحي والمستشفيات. فالوضع يتدهور علماً أن أصحاب الأعمال يصفون رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بأنه سياسي منفتح على العالم وهو معتدل يحاول العمل في ظل ظروف معقدة وغير مستقرة. لكن إيران تريد حماية نفوذها في العراق عبر مختلف الميليشيات حتى ولو كان البلد في وضع مزرٍ.

من يتابع الحياة السياسية والعمل في العراق يذكّر بالأوضاع في لبنان حيث نفوذ إيران عبر “حزب الله” يُنهك البلد وهو أساس مصيبته كما في العراق. أما في سوريا، فقد تمكنت إيران من التموضع على الأرض بفضل تدخل “حزب الله” لحماية نظام قتل وهجّر شعبه واستبدل جزءاً منه بالإيرانيين والأجانب المرتزقة الذين أتوا للدفاع عن بشار الأسد، وملأ المدن التي أفرغت جراء قصفه وحربه الوحشية على شعبه. تمكنت إيران من السيطرة في هذه الدولة كما في اليمن عبر الحوثيين، حيث تحاول ترسيخ المسار التخريبي نفسه بمساعدة ودعم “حزب الله”. أصبحت إيران على الأرض في هذه الدول، أقوى من الولايات المتحدة التي كشفت للعالم بأسره مع كارثة انسحابها من أفغانستان أنها لا تنوي أن تكون شرطة العالم وأنها تسحب قواتها من دوله.

واقع الحال أن التراجع الأميركي في منطقة الشرق الأوسط يصب في خانة إيران وإسرائيل. فالمحادثات الإيرانية مع الدول الست حول الملف النووي تعاود الانطلاق هذا الأسبوع، وهناك مخاوف حقيقية من فشلها وتدخل إسرائيل بتنفيذ ضربة في ايران قد تشعل الشرق الأوسط. ولا شك في أن رئيس حكومة إسرائيل نفتالي بينيت مستعد وهو لا يكترث اذا اشتعلت المنطقة بسبب ضرب ايران. وفي حال فشلت المفاوضات حول عودة إيران الى الاتفاق النووي الذي وقع في 2005 وانسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ستكون كارثة على دول المنطقة التي تعاني من تدهور وانهيار سببه النفوذ الإيراني. فالضربة الإسرائيلية المحتملة على إيران خطيرة جداً على كل الدول في الشرق الأوسط. المشكلة أن لا ايران تبالي بزعزعة المنطقة ولا إسرائيل مهتمة بتجنيب دول المنطقة هذا الخطر الكبير. أما الاتفاق النووي الذي وقع في عهد أوباما عام 2015 فهو كان سيّئ لأنه لم يعالج موضوع الصواريخ البالستية التي يتم استخدامها من إيران، كما انه محدود زمنياً. وهو سيئ أيضاً لأنه لم يتضمن التفاوض على سياسات إيران في المنطقة. فالذين شاركوا في توقيع هذا الاتفاق يقولون إنه لم يكن ممكناً توسيع التفاوض الى سياسات ايران في المنطقة لأن أوباما ووزير خارجيته آنذاك جون كيري ارادا الإسراع في إنجاز الاتفاق مهما تكن الفجوات القائمة فيه، حتى أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس اصطدم آنذاك بنظيره الأميركي مطالباً بتشديد بعض الشروط في الاتفاق ونجح في ذلك.

لكن إدارة أوباما السابقة كانت راغبة بالتطبيع السريع مع إيران في حين أن إدارة جو بايدن تواجه قيوداً عديدة داخلياً في الكونغرس بسبب إيران. فبايدن لا يستطيع رفع كل العقوبات الأميركية عن إيران كما يريد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لذا يصعب الرهان على نجاح المفاوضات. البعض يتحدث عن احتمال التوصل الى اتفاق موقت لاختبار النيّات ولكن عدداً من المعنيين بالملف يرون أن ذلك قد يكون سيّئاً جداً وغير مفيد ويعطي مبرراً لإسرائيل للقيام بعمل يهدد أمن المنطقة. فالأسابيع المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى المفاوضات الإيرانية مع الدول الست وأميركا غير المباشرة مع إيران.

 

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى